المشهد الاكثر حدة في الحياة الثقافية في العامين الاخيرين ليس ظهور رواية هامة، وقد ظهر عدد هام من الروايات السورية التي طبع أكثرها في لبنان، أو في مصر، وليس ظهور ديوان شعر هام وقد ظهر عدد هام من الشعر الجميل، وإن طبع اكثره خارج القطر. المشهد الاكثر حدة في الحياة الثقافية في سورية الآن هو استفحال دور الرقابة على المطبوعات الأدبية قبل طبعها، وبالتالي اصدار فرمان لمنعها، والمخيف ان الامر وان استمر على هذا التردي، فسيصبح من حق الرقيب الغامض وغير محدد الهوية والذي استغل هذا الغموض في أحيان كثيرة للتنفيس عن غيرته أو رفضه للنوع الادبي الذي لا يحبه سيصبح من حق الرقيب الحكم باحراق المخطوطة وملاحقة كاتبها وربما طلب احراقه ايضاً! في سورية الآن عدد من الاجهزة المهتمة بالرقابة على المطبوعات. لدينا أولاً وزارة الثقافة وهي تراقب مطبوعاتها فقط، وبهذا يمكن لنا اعتبار رقابتها نوعاً من حق الناشر في اختيار المطبوعة التي ينشرها، والوزارة بالمناسبة هي الاكثر تسامحاً وشجاعة في نشر المطبوعات في سورية، وكثيراً ما نشرت مخطوطات كانت رقابة اتحاد الكتاب العرب قد رفضتها. الهيئة الرقابية الثانية والمخولة أصلاً حسب القانون قبل ان تتنازل عن حقها في الرقابة الى اتحاد الكتاب العرب هي وزارة الاعلام، وفي وزارة الاعلام عدد من الموظفين المتفرغين لقراءة النصوص المطبوعة خارج القطر وإجازتها او رفضها حسب سياسة الوزارة، وحسب سلم يبدو ان الوزارة قد وضعته واتفقت عليه مع موظفيها القارئين، وموظفو رقابة الوزارة يقرؤون النصوص الفكرية والسياسية، وحين يستعصي عليهم نص خلافي سياسي ما يحيلونه الى بعض الاجهزة السياسية، ولكن الطامّة الكبرى وهي ما يعنينا هنا هو ان وزارة الاعلام قد تنازلت عن حقها في الرقابة على النصوص الابداعية لاتحاد الكتاب العرب، وقد فرحنا، أو افرحنا في حينها، فها هي الرقابة الرسمية الوزارة تبتعد ليحل محلها كتاب يقرؤون نصوص زملاء كتاب. الهيئة الثالثة للرقابة على النصوص الادبية هي اتحاد الكتاب العرب، واتحاد الكتاب العرب هيئة اختلط فيها اكثر من جهاز ، فهناك اولا اتحاد الكتاب - النقابة - اي الهيئة التي تمثل الكتاب، والتي يفترض فيها ان تدافع عن حقوق الكتاب وحريتهم في الكتابة، وهي من يمثلهم امام الاجهزة الاخرى. ثانياً: هناك دار نشر اتحاد الكتاب وهي تنشر نصوصاً للأعضاء ولغير الاعضاء ممن تحوز نصوصهم موافقة دار النشر الاتحاد. ثالثاً: هيئة الرقابة على النصوص الابداعىة التي يتقدم بها اي كاتب للنشر في القطر خارج نشاط دار نشر الاتحاد. فاذا افترضنا ان النقابة تمثل الدفاع والرقابة تمثل الاتهام ودار النشر تمثل القضاء اكتشفنا انا اختصرنا السلطات الثلاث في ادارة واحدة، وهذه ظاهرة لابد من الوقوف عندها طويلاً لمحاولة تفكيكها وفصل السلطات فيها. وأخيراً يبرز السؤال الاهم وهو من هم رقباء اتحاد الكتاب العرب وكيف يتم انتقاؤهم. الغريب ان صاحب حق انتقاء الرقباء من اعضاء الاتحاد - شكلياً - هو جمعيات الاتحاد اي القاعدة الشعبية التي تقترح القارئين اقتراحاً لا يلزم المكتب التنفيذي او السيد رئىس الاتحاد. والغريب ان هنالك سياسة اخفاء اسم القارئ الرقيب عن صاحب النص وهذا يبدو بادئ ذي بدء ايجابياً، فهو - كما يقال - يمنع المحسوبية والمجاملات، ولكن ما اثبتته التجربة هو ان هذا التغميض قد جعل بعض صغار الكتاب المرضي عنهم والمكلفين بالرقابة على النصوص الادبية يعمدون الى استغلال هذا الغموض لتصفية حسدهم وغيرتهم المهنية وتصفية حساباتهم مع الكتاب الكبار - لقد صاروا اصحاب القرار والمنة بالموافقة والرفض. ولنتصور ان ديوان شعر لادونيس، او رواية لعبدالسلام العجيلي او هاني الراهب تقع تحت حكم كاتب لم يوصّف ولم يقبل به نقدياً على الاقل كاتباً. نحن نحلم ونتمنى ونطالب بالغاء الرقابة عن الكتاب اصلاً، فلقد بلغ كثير من الكتاب من العمر والعمر والتجربة ما يجعلهم يتحملون وزر ما كتبوا، فإن لم يمكن ذلك لأسباب لا نعرفها، فلنتحول على الاقل الى الرقابة على الطريقة المصرية الوروثة عن القانون الانكليزي، اي الرقابة التالية بعد الطبع وذلك حين يشتكي فرد او هيئة ما على الكتب، وتحال المطبوعة الى القضاء لابداء الرأي والحكم. فان لم يمكن ذلك، ولنتأمل كم نقلص مطالبنا، فنحن نطالب باعادة الرقابة على المطبوعات الادبية الى وزارة الاعلام، ورفع هذه الصيغة الرقابية غير المستحبة والتي لا تليق بنقابة يفترض فيها ان تدافع عن حرية الكتابة لا أن تقمعها عن الكتّاب الذين لا يليق بهم الا ان يكونوا المدافعين الابديين عن حرية الكتابة بلا حدود. * روائي سوري