لو عدّ الباحث ما كتب حول تجربة الوحدة المصرية - السورية 1958 - 1961 في طفرة المد الوحدوي والانبعاث القومي، تلك الوحدة التي أثير حولها جدل لم ينقطع صداه حتى الآن، نقول لو قدر الباحث الاطلاع على أدبيات هذه الوحدة لذهل لحجم ما كتب عنها وهي ما زالت حتى اليوم مجالاً خصباً ومفتوحاً للدارسين والباحثين، ناهيك عن انها ميدان مفتوح لمذكرات الساسة والزعماء الذين عاشوا وعايشوا تلك الفترة. هذه الوحدة اليتيمة المنفصمة لم يكتب للعرب تكرارها في عصرهم الحديث وعبر تجربتهم التاريخية المعاصرة، سوى وحدة اليمنين التي لم تلق ما تستحق من القراءه والتحليل مثل وحدة القطرين المصري والسوري، ولعل ذلك يعود لأسباب تحمل بعض الطرافة - في التحليل السياسي - إذ أن تلك الوحدة الاولى وحدة شمالية، أما الأخرى فهي وحدة جنوبية، وربما انسحب التصنيف السياسي على التصنيف الجغرافي الدولي المعروف لدول الشمال ودول الجنوب، فدول الشمال العربي بقيت أقرب إلى طرح أدبياتها بحكم تاريخها الثقافي ومد البعد القومي وتركيز آلتها الاعلامية التي كانت الصوت العربي الأقوى في التأثير على الشعوب العربية قاطبة في مرحلة تاريخية سالفة، ناهيك أن وحدة اليمنين تأثرت بمعطيات المرحلة، فهي جاءت في وقت ضعف الشوق العربي للتجارب الوحدوية بل ضعف الايمان بالبعد القومي بجملته بعد حصيلة مرهقة للاحزاب العربية القومية التي لم تحصد لشعوبها - بعد أن اتيحت لها فرصة الحكم - سوى الخيبات ومزيد من البؤس والفقر والتسلط والقهر. إلى ذلك أن المسلسل الوحدوي اليمني السلمي ابتداءً والقسري أخيراً جاء في أذيال حرب مدمرة سلب فيها العراق القومي بغزوه الكويت العرب ما تبقى لهم من إيمان بضرورة التوحد أو العمل العربي المشترك في أدنى صوره وحالاته، فكانت مرارات حرب الخليج الثانية على العرب صرفاً لهم عن الاهتمام بشأن هذه التجربة أو تقويم حصيلتها، اضافة إلى ضعف تجربة اليمن السياسية وخاصة الشمال في توظيف البعد الثقافي لطرح مشروعية الوحدة في ظل تخلف مزمن وفقر تعليمي وثقافي واضح وتجربة تنموية متعثرة. بعد هذه المقدمة، لنا أن نتساءل ماذا يحدث في اليمن اليوم؟ يمر اليمن الموحد بقيادة حزب الرئيس علي عبدالله صالح، حزب المؤتمر الشعبي العام، والأحزاب المتحالفة معه، بظروف داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية لا تقل خطورة عن اشكالاته الحدودية مع جيرانه السعودية من الشمال والشرق واريتريا من الغرب في عرض البحر الأحمر وصراعاته التي ما زالت قائمة مع المعارضة الجنوبية التي ما فتئت تثير القلاقل والأزمات بما لها من مد وحضور داخلي وبما لها من صوت وتحالفات خارجية. ويمكن إجمالاً تصنيف اشكالات المسألة اليمنية في ثلاثة ابعاد: بعد اقتصادي وداخلي وبعد سياسي ودولي وبعد ثقافي ومجتمعي. اشعلت الأزمة الاقتصادية التي جاءت إثر زيادة أسعار الوقود وبعض السلع الأساسية، السخط الداخلي، خصوصاً لدى تلك القبائل التي تعيش حول منابع وخطوط امدادات النفط وهي ترقب شح مواردها الداخلية وتقلص نفوذها أمام تراجع دورها القبائلي والعشائري، مقابل سلطة مركزية تحاول تعزيز نفوذها وإخضاع ذلك المجتمع غير المتجانس لارادتها. لم تكن الأزمة الاقتصادية سوى القشة التي قصمت ظهر البعير. وأشعلت تلك الأزمة كوامن راسخة في الروح القبائلية التي لم تتشرب بعد أدنى درجات الولاء والانضباط تجاه الدولة أو الحزب أو الادارة المحلية، فظل ارتباطها كما قرون سلفت بارادة الشيخ والزعيم القبائلي. نعم هناك ضائقة اقتصادية حقيقية وهناك توترات ساهمت فيها تلك الاجراءات الاقتصادية وعانى الناس كلهم من آثارها، إلا أن الروح القبائلية هي التي ظلت تتحدى السلطة المركزية جهاراً نهاراً وبقوة السلاح، فيما تذرعت قطاعات إجتماعية واسعة بالصبر، خصوصاً في الجنوب وفي أقصى الحالات بالمعارضة السلمية. فالأزمة الاقتصادية قنبلة موقوته يمكن أن تفجر تناقضات هذا المجتمع وهي مرشحة للتطور، خصوصاً مع مزيد من تدهور موارد الدولة وضعف الانتاجية ومتطلبات التنمية المتزايدة وإعادة البناء، مع وجود فساد إداري عززته تركيبة الحكم الفسيفسائية التي هي مزيج من نظام حزبي يتعلق بوسائل ديموقراطية كحرية تشكيل الأحزاب السياسية والانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وحرية الصحافة وغيرها ونظام قبائلي ما زال يحاول الامساك بخيوط الضابط القبلي مع متطلبات هذا الضابط التي ليست الديموقراطية احداها. الديموقراطية اليمنية تجربة لسوء حظها زرعت في بيئة متخلفة لا تستطيع، وأن حاولت، أن تستثمر معطيات هذه الديموقراطية على وجه أفضل. ماذا يمكن أن تجدي الديموقراطية في مفهوم ابن القبيلة الذي لا يجد عملاً ومصدراً للرزق سوى الولاء والانتساب والعمل لصالح شيخ القبيلة؟ ماذا تجدي الصحافة الحرة في ظل أمية متفشية وخطاب أعلامي دعائي؟ ماذا تجدي أدبيات الحزب ومبادئه التنويرية وسياساته النقدية في ظل خلفية إجتماعية يشكلها الشارع بكل موروثه التاريخي الصالح والطالح؟ ماذا تجدي الدعاية في بوق التنمية للتحريض على زيادة الانتاج القومي في ظل قيلولة القات التي تستهلك أكثر من نصف دخل المواطن اليمني! ربما كانت الديموقراطية واجهة سياسية جميلة، يبحث النظام اليمني من خلالها في ظل الوحدة على مشروعية جديدة في أوضاع دولية متحولة تهلل للتوجهات الديموقراطية اينما كانت، إلا أنه لا يتوقع أن تكون اسهاماً حقيقياً وفاعلاً في ظل غياب وعي اجتماعي بمقوماتها أو جهل في التفاعل مع ادواتها، وربما تكون اسهاماً حقيقياً لبناء مجتمع جديد، إلا أن هذا لا يتحقق من خلال واجهات سياسية للدولة تطرح مشروعيتها الدولية من خلالها اذا لم تكن موجهة نحو البحث عن صيغة إجتماعية تنقل المجتمع اليمني من تقمصه المزمن والشديد لروح القبيلة والتزامه التام بأعرافها إلى مفهوم الدولة وولاء الوطن، وهذا لايمكن أن يحدث في ضوء تركيبة سياسية قائمة في حقيقتها كجزء من أعراف القبيلة تحكمها عاداتها وتلجأ لقانونها وأن تدثرت بزي جديد سمته "الديموقراطية اليمنية". إن اشكالية اليمن الاجتماعية الثقافية ربما تتبدى بوضوح عند قراءة رد الفعل والسلوك اليومي للناس في اليمنين السابقين ازاء السلطة المركزية والقيادات الحزبية. شكل الحزب الاشتراكي بادبياته الماركسية حكم اليمن الجنوبي منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني ووفق منظوره الايديولوجي بعداً ثقافياً أضعف دور القبيلة والعشيرة في روحه ووجدانه وقرّبه أكثر الى روح الحزب بمنطلقاته الجدلية والفكرية. وعلى ما أحدثته التجربة الاشتراكية - الموغلة في اشتراكيتها - في اليمن الجنوبي انذاك من بؤس اقتصادي - لا يقارن ببؤس اليوم - ومن مصادرة لبعض الحريات، إلا أنها استطاعت أن تسهم بفعالية بتأثير مسلكها الفكري والايديولوجي من نقل الولاء القبلي الصرف لبعض قطاعات الشعب آنذاك إلى ولاء من نوع آخر تضعف فيه كثيراً حلقة الولاء للقبيلة والعشيرة، وما زالت حتى اليوم الوجوه القيادية التي تنتمي للجنوب في تركيبة اليمن السياسية هي الأكثر ثقافة والاعمق رؤية والأكثر تحرراً من خلفيات الماضي، ناهيك أن طبيعة شعوب الساحل الذي شكل أغلبية سكان الجنوب غلبت على شعوب ظلت على اتصال مستمر بالآخر تجارة وتفاعلاً وثقافة، ما جعلها أقرب لروح الجماعة من روح القبيلة، خلاف سكان الشمال الذين قادتهم طبيعتهم الجبلية الوعرة إلى شيء من العزلة انسحبت على حجم تأثرهم بالآخر وهو ما يدفع شيئاً من ثمنه يمن اليوم. استفاد اليمن الشمالي في ظل صراعه السياسي مع اليمن الجنوبي من روح القبيلة ورباط القبيلة ومفهوم القبيلة بما تحمل هذه الروح من إيجابيات وسلبيات، وروابط تاريخية ودينية تشد ازرها لتكون جداراً منيعاً أمام روح الحزب الماركسي المتحررة التي لم تنجح في أن تنتج مجتمعاً جديداً حيث أصطدمت بتراثه وقاعدته الشعبية وأممت ممتلكاته وتحكمت في نشاطه وهو المجبول بالفطرة وعلى مر التاريخ على حرية الحركة والتجارة، إلا أنها ربما نجحت في توظيف مشروعها لدعم قطاعات شبابية واسعة فتحت أمامها مجالات العلم و الثقافة والفكر والتحصيل المعرفي، خصوصاً في منظومة الدول الاشتراكية السابقة. إن قراءة في المسألة اليمنية لايمكن أن تكون منصفه ودقيقة دون تبين الأدوار المختلفة التي أضفاها البعد الثقافي المجتمعي على تلك المسألة. ظلّ النظام السياسي في الشمال قبل الوحدة نظاماً يحتكم إلى حزب واحد هو حزب المؤتمر الشعبي، إلا أنه كان يراهن على الروح القبائلية في مواجهة نظام آخر يراهن على الروح الحزبية ويقفز فوق التاريخ وسننه الاجتماعية. وساهمت الأوضاع السياسية الدولية التي انتهت بضعف المجموعة الاشتراكية العالمية ومن ثم إلى تفكك الاتحاد السوفياتي إلى نوع من الوحدة المشوبة بحسابات خاصة لدى كل من الفريقين سواء في الشمال أو في الجنوب. وانتهت هذه اللعبة الوحدوية إلى وحدة قسرية اندماجية تامة ساهم في حسمها لصالح الشمال جيش الجنوب الذي ظلت بعض قياداته تعاني مرارة الصراع الداخلي في الحزب الاشتراكي الجنوبي وتعدد ولاءاته، خصوصاً بعدما حدث في عام 1986، لتجدها فرصة سانحة لتحالف جديد مع الشمال الذي بدأ يتعامل في واقعة اليمن المعقد بروح جديدة ساعياً لاضعاف دور القبيلة منذ ذلك الحين لصالح دور السلطة الحزبية والمركزية. إذاً هناك تحالف جديد يقوم في اليمن اليوم على انقاض تحالف سابق قديم، لكن كل هذا يتم بحذر شديد. تبرز معالم هذا التحالف من خلال الصراعات اليومية بين السلطة المركزية والقبيلة، ويتبدى هذا بوضوح في الأزمات الداخلية الحالية. والمسألة اليمنية بمعطياتها الحالية التي تتبدى أزمات داخلية تظهر على شكل أزمات اقتصادية معيشية، بطالة متفشية، فلتان أمني، فساد إداري، تواجه أيضاً أزمات خارجة لعل أبرزها علاقات متوترة مع بعض دول الجوار مثل أزمة الصراع على جزيرة حنيش الواقعة على مدخل البحر الأحمرالجنوبي، والمشاكل الحدودية مع الجارة الكبرى. تلك الأزمات لا يمكن تحليل أبعادها إلا من خلال فهم حركة القوى الداخلية في اليمن والعلاقات الخارجية التي تمثلت في علاقات اليمن مع دول الجوار والدول الكبرى الفاعلة في المنطقة مثل الولاياتالمتحدة الاميركية وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا. شهدت علاقات اليمن الدولية منذ حسم الصراع الداخلي على وحدة اليمنين الشمالي والجنوبي عام 1992، درجة عالية من التطور والتحسن، حين وفرت وحدة اليمن التي حسمتها معركة علي عبدالله صالح وخصومه الجنوبيين، الفرصة الكبرى والمناسبة لحجم اليمن وكيانة الجديد في جنوب الجزيرة العربية للبحث عن دور غائب ومفقود يحدوه طموحه في التحول إلى قوة أكثر فعالية في المنطقة وأكثر أهمية في نظر القوى الكبرى ذات المصالح الحيوية في هذه البقعة من العالم. قرأ حزب المؤتمر الشعبي العام، ومنذ الوحدة الاقتصادية بين الشمال والجنوب، أن كل الظروف الدولية مهيأة لقبول قوى جديدة في المنطقة تطرح برنامجاً قبولاً لدى الغرب سواء في شقه الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي. وجاءت حرب الانفصال في عام 1992 في ظروف دولية ومحيطية جعلت منها مسألة داخلية تقريباً تنأى القوى الكبرى عن التدخل في مسارها. كانت الدول العربية الكبرى في جزيرة العرب وخارجها تلملم آثار حرب الخليج الثانية التي أنهكت الجميع وتركت آثاراً من الصعب محوها ولو بعد سنين، جاءت تلك الحرب في وقت لم يكن أحداً راغباً أن يرى نزفاً جديداً في الجنوب وتعاملت القوى الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدة بطريقة توحي برغبتها السريعة بحسم هذه المعركة ولصالح الشمال حتى ان السياسة الخارجية الأميركية لم تبد حينها أي تحرك سياسي ملموس يحول دون تلك النتيجة المنتظرة، ولعل القراءة الأميركية لواقع ومسار الحرب والانعكاس المنتظر لنتيجتها تأثر بتجربة التعامل مع الحزب اليمني الاشتراكي في الجنوب الذي لم تلاق تجربته السياسية سوى مزيد من العداء الداخلي والخارجي بمعنى أنه لم يكن خياراً شعبياً مقبولاً يمكن الركون إليه، وتجربته التاريخية تجعل التعامل أيضاً معه مسألة غير مأمونة العواقب. وعندما حسمت نتيجة المعركة لصالح الوحدة اليمنية، أستطاعت قيادتها السياسية أن تتعامل بكثير من الذكاء والمرونة مع معطيات الموقف الدولي فأعلنت عفواً عاماً ودمجت القوى المحاربة من الجنوب في منظومة الجيش اليمني وعينت كبار القادة الجنوبية في مواقع حساسة في الجيش والشرطة، وقدمت السياسيين الجنوبيين للصفوف الاولى في العمل السياسي والحكومي الاداري، وأعلنت عن تمسكها بالخيار الديموقراطي وتحمل تبعاته، وكأنها تريد أن تقدم ايحاءً للرأي العام العالمي بأنها تعمل في محيط يعادي توجهاتها ويقف ضد مشروعها. أكسبت هذه الحركة السياسية النظام اليمني تعاطفاً متزايداً من دول العالم الكبرى التي لا تستطيع أمام هذه الإجراءات التي تبدو نوعاً من التحرير للإنسان اليمني سوى أن تتعاطف مع هذا النماذج وتقدم له المساعدة والعون، هذا على المستوى السياسي. أما على المستوى الأقتصادي أعلن اليمن أنه سيعمل على تحرير اقتصاده وفق منظومة السوق وطلب معونة صندوق النقد الدولي الذي ساهم في رسم السياسات الاقتصادية المقبلة لليمن وكان أحد آثارها رفع الدعم التدريجي عن الوقود والسلع الأساسية، وأعلن اليمن أنه مقبل على بناء خطة إقتصادية تعيد دور اليمن الحيوي في المنطقة احياء الدور التاريخي لميناء عدن وبناء المنطقة الحرة فيه، وحفز الدخل القومي عبر سلسلة من الاجراءات الاقتصادية وتنشيط السياحة الخارجية وغيرها. وعلى المستوى الاجتماعي رفع اليمن لافتة حقوق الإنسان واعطاء اليمني حقه ودوره السياسي واحترام ارادته والتشديد على دوره في بناء اليمن الجديد. هذه المحصلة من العوامل دفعت دول أوروبية عديدة للتعامل مع المسألة اليمنية بتعاطف واضح وساهمت ايجابياً بتقديم العديد من القروض والمنح لليمن. أما القوة العالمية الكبرى التي تراقب مصالحها جيداً في هذه المنطقة الحيوية من العالم فهي تدرك أن وحدة اليمن أمدته بقوة بشرية لا يستهان بها وبسطت نفوذه على منطقة واسعة تمتد عبر ساحل طويل على بحر العرب وتتحكم في مضيق باب المندب مفتاح البحر الأحمر وتحتكم إلى ثروات نفطية بدأت ايراداتها تنعش الاقتصاد. وجدت الولاياتالمتحدة أن هناك قوة ناشئة في الجنوب يستطيع التعامل معها في محاولة لاحتواء أي قوى جديدة في المنطقة ناهيك أن الولاياتالمتحدة لم تحصد كثيراً من الود في علاقاتها مع شعوب المنطقة فهي توجد في وسط يدرك أهمية وجودها في الحفاظ على الأمن والسلم في هذه المنطقة من العالم انما بقليل من الود وكثير من الريبة. وربما جاءت الاتفاقات العسكرية بين اليمن والولاياتالمتحدة، متمثلة في التسهيلات والقواعد العسكرية والتدريبات والمناورات المشتركة لتبين ان هناك حلفاً ينمو بهدوء في هذه المنطقة الحيوية من العالم بين القوة العظمى وبين اليمن الخارج من مأزق التاريخ وصراع الايديولوجيا.. إذاً المشهد الدولي يبدو متعاطفاً مع الحالة اليمنية، وربما قرأ اليمن هذا المشهد بكثير من التفاؤل وهذا مايظهر جلياً في محاولاته لحشد كثير من القوى لصالحه. إلا أنه يشار في معرض هذا التحليل الإحاطة بالبعد العسكري في الأزمة اليمنية، فالجيش اليمني ورث مؤسستين عسكريتين شمالية وجنوبية وأخذته أثناء حرب الانفصال روح العسكرية أو العسكرتارية- أي تجيش الشعب - وحتى بعد تلك الحرب التي حسمت لصالح الوحدة بقيت المؤسسة العسكرية مؤسسة كبيرة وغذتها باستمرار طموحات قيادة اليمن الجديد. ولخطورة تركيز الجيش في الداخل كان هناك ميل كبير لتوزيع عناصر هذه المؤسسة في الأطراف ولعل هذا ما يفسر النشاط العسكري اليمني على حدوده الخارجية الذي يتزايد وينمو كلما استحكمت صراعات وخلافات الداخل. وربما يستهدف هذا النشاط المتنامي - على فقر اليمن وقلة امكاناته - مسألتين اولهما ابعاد شبح الجيش عن المراكز الادارية والسلطوية والحد من درجة تأثرهما به والثانية التهويش بهذه بعناصر وامكانات هذه المؤسسة لخدمة اغراض سياسية لا تخلو أحياناً من الابتزاز. * كاتب سعودي