هناك حياة في باطن الأرض على خلاف الاعتقادات العلمية السائدة طوال القرون. وإذا قُشر سطح الأرض ونُزحت مياه المحيطات وحُفر عميقاً داخل قشرة الكرة الأرضية سنكتشف عالماً جديداً لا يُصدق ونعثر على كوكب آخر داخل كوكبنا. ذكر ذلك علماء يُجرون أبحاثاً تحت البحار والمحيطات وفي باطن الأرض. وقد وجد العلماء في حفر عميقة تحت سطح المحيطين الأطلسي والهادي والبحر المتوسط كائنات حية غريبة تعيش تحت القشرة الأرضية... كائنات تتغذى بالحرارة اللاهبة لباطن الأرض وتنمو تحت الضغط الساحق للأعماق. بعض هذه الكائنات، التي يُطلق عليها اسم "عاشقات الحرارة" تملك قدرات عجيبة على تحويل العناصر غير المعدنية الى معادن الحديد والذهب. ويُعتقد أن هذه الكائنات أنشأت ثروات النفط والغاز التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي حالياً. يُعتبر العثور على أحياء مجهرية على عمق يراوح ما بين 500 متر و15 كلم تحت سطح الأرض ثورة علمية. فالاعتقاد السائد بين علماء الأحياء معظم القرن الحالي هو أن أشكال الحياة تمتد مسافة متر ونصف المتر فقط في تربة سطح الأرض ثم تبدأ بالتلاشي. وذكرت المجلة العلمية البريطانية "نيوساينتست" أن ادعاءات علماء الأرض الجيولوجي العثور عميقاً في الأرض على كائنات مجهرية كان يقابل بالشك دائماً. وتفند مزاعمهم على أساس أن هذه الكائنات انتقلت خلال الحفر من السطح الى باطن الأرض. ويقول جون بيركز عالم الأحياء المجهرية في جامعة بريستول البريطانية معلقاً على تلك الشكوك "لقد كانوا ينكرون الفكرة لاستحالة قيام هذه الكائنات في المختبرات، وليس لأنها غير موجودة هناك". لكن تنقيبات في مواقع مختلفة من العالم جرت في العقد الماضي بيّنت وجود كائنات قادرة على الحياة حتى في مواقع التجارب الذرية. وكشفت تقنيات جديدة خاصة باستكشاف الجراثيم وجود كائنات مجهرية تعيش في الفجوات الساخنة وسط المحيطات، حيث درجة الحرارة 113 مئوية. ووجدت أنواع من الحياة على عمق 500 متر تحت قعر نهر سافانا في الولاياتالمتحدة. وذكرت "نيوساينتست" أن علماء الأحياء المجهرية اندفعوا بعد ذلك في اجراء سلسلة استكشافات ليس في ترسبات قشرة الأرض، بل حتى في الصخور الأصلية التي تجمدت عن الحمم البركانية لجوف الأرض، كالغرانيت والبازلت. وبينت الحفريات في قعر البحار وجود كائنات حية على عمق 750 متراً عن قيعان البحار. عاشقات الحرارة وعُثر في مناجم الذهب في جنوب أفريقيا على كائنات غريبة تعيش على مسافة نحو 4 كلم. ذكر ذلك توليس اونتسوت، الذي يشرف على أبحاث "برنامج الحياة في الظروف القصوى" التابع للصندوق القومي للعلوم في الولاياتالمتحدة. وقال العالم الأميركي إنهم عثروا على كائنات تعيش في ظروف جحيمية، حيث درجة الضغط الجوي 400 والحرارة أكثر من 60 مئوية. وتعتبر هذه الكائنات من فصيلة يطلق عليها اسم "عاشقات الحرارة" Thermophilic. و"عاشقات الحرارة" نوع من فصيل كائنات تملك قدرات حيوية عجيبة تحول العناصر غير المعدنية الى معادن. وهي تحصل على طاقتها عن طريق هضم مختلف العناصر غير المعدنية وتكوين معادن الحديد والمنغنيز والكوبالت. ويُعتقد بأن "عاشقات الحرارة" مسؤولة عن تكون عروق الذهب في طبقات الصخور. ويرجح تقرير منشور في "نيوساينتست" بعنوان "الكائنات الأرضية" أن هذه المخلوقات مسؤولة عن تكون ثروات تحت الأرض، بما في ذلك النفط والغاز الذي يستخدمه البشر كوقود ويعتمد عليها الاقتصاد العالمي. حافرات الأنفاق وعُثر على نحو 100 مليون كائن حي في الغرام الواحد من الترسبات على عمق ما بين 5 و10 كيلومترات تحت قيعان المحيطات. وذكر ديفيد بلاكويل من جامعة فلوريدا في تالاهاس في الولاياتالمتحدة أن الكائنات المجهرية الحية لا تعيش فحسب في كل مكان، بل توجد بأنواع هائلة. وقال العالم الأميركي إنهم شخصوا تحت قاع نهر سافانا أكثر من 10 آلاف نوع من الكائنات لم يدرسوا بعد سوى 400 منها. بعض هذه الأنواع من الكائنات المجهرية عريضة الذيل واخرى ناعمة، أو تشبه سلسلة من البراعم، أو قريبة الشكل من الفطر. وتوجد أنواع خيطية تضيء كالمصابيح. وبعض الأنواع معروفة على الأرض، لكنها تعرضت كما يبدو لتكيفات الحياة في باطن الصخور تحت القاع، وأنواع اخرى غير معروفة كلية. ويترك بعض هذه الكائنات أثراً خلفه أثناء تذويبه للصخور ويفتح أنفاقاً يراوح قطرها ما بين 1 و10 مايكرومتر جزء من المليون من المتر. "الأوالي" وهناك أنواع أكثر رقياً من البكتيريا في باطن الأرض. فقد عثر العلماء على الحيوانات وحيدة الخلية، التي يطلق عليها اسم "الأوالي" Protozones. معظم هذه الكائنات من نوع السوطيات التي تقتات على البكتيريا ويبلغ طولها نحو 3 مايكرومتر وتستطيع التحرك عبر المسافات بين الجزيئات المعدنية. ويرجح العلماء أن هذه الكائنات تشكل دورة غذائية تقتات فيها البكتيريا على الصخور والأوالي على البكتريا. ويوجد هذا النوع من الكائنات المتعايشة على مسافة آلاف الأمتار تحت سطح الأرض. ويدفع وجودها في باطن الأرض الى الاعتقاد باحتمال وجود حياة من هذا النوع تحت سطح المريخ والكواكب الأخرى.