سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الاولى - قسم أول . بوش : وجدت من الصعب ان أصدق أن صدام سيغزو الكويت . ثاتشر : اذا انتصر العراق فإن أي دولة صغيرة لن تكون آمنة
تبدأ "الحياة"اليوم نشر مقتطفات مسهبة من كتاب الرئيس الاميركي السابق جورج بوش ومستشاره لشؤون الامن القومي برنت سكوكروفت، وهو كتاب تعاقدت "الحياة" على الحقوق الحصرية الكاملة لنشره بالعربية. سيتضح للقارئ الذي يتابع قراءة هذه المقتطفات ان لعنوان الكتاب دلالات ومبررت واضحة. ذلك ان السنوات الاولى من رئاسة بوش، ابتداء من كانون الثاني يناير 1989، شهدت تحولات هائلة في العالم: انهارت أنظمة الحكم الشيوعية في اوروبا الشرقية، وانهار سور برلين، وتحققت وحدة المانيا، وتفكّك الاتحاد السوفياتي. وهكذا، فإن عالماً كان ثنائي القطبية عندما تسلّم بوش الرئاسة من رونالد ريغان، صار أحادي القطبية والزعامة في حلول انتهاء فترة رئاسة بوش، وانتهت فيه واحدة من اطول حروب العصر الحديث - الحرب الباردة. لكن من بين التحولات العميقة التي شهدها العالم خلال رئاسة بوش تلك المتصلة بأزمة الخليج الناتجة عن الغزو العراقي للكويت في 2 آب اغسطس 1990 و"عاصفة الصحراء" التي انتهت بإخراج القوات العراقية من الكويت وادت الى عواقب كثيرة ما زال العالم العربي يعيش آثارها الى يومنا هذا. يخصص بوش وسكوكروفت لأزمة حرب الخليج سبعة فصول من الفصول ال 22 التي يتألف منها كتابهما. وتقع هذه الفصول ال 7 في 191 صفحة، مشكلة بذلك نحو 33.6 في المئة من مضمون الكتاب ككل. وهذه الفصول السبعة 13-19 هي التي نبدأ اليوم بعرضها ابتداء من الفصل ال 13 ونتابع نشر حلقات منها مرورا"ب "عاصفة الصحراء" و"ما بعد العاصفة" بالنظر الى أهميتها للقارئ العربي. لكننا سنعود الى بقية الكتاب وننشر مقتطفات ضافية من فصوله كلها المعنية بقضايا وتحولات اخرى مهمة. بقي ان نشير الى نقطتين اولهما ان مؤلفيّ الكتاب، بوش وسكوكروفت، كتباه ب "صوتين"، اذ يروي كل منهما الاحداث من منظوره وتحت اسمه، لكن هناك صوتاً ثالثاً للربط بين الاحداث واعطاء خلفياتها، وسيراه قارئ "الحياة" كما يراه قارئ كتاب "عالم تحوّل" مطبوعاً بحروف سوداء ثخينة لتمييزه عن كلام كل من بوش وسكوكروفت. اما النقطة الثانية فهي اني عمدتُ في ترجمة هذا الكتاب الى جعل الترجمة "صورةَ مرآةٍ" للنص الانكليزي الاميركي بنكهته ولهجته ومفرداته وعباراته وتشبيهاته وظلال معانيه ومصطلحاته. وقصدت ان تكون بهذا "نقلاً الى العربية" لا "تعريباً" مع ما قد يعنيه مصطلح ال "تعريب" من اعادة صوغ العبارات بقوالب عربية الاسلوب. وقد توخيتُ ان تكون الترجمة دقيقة ولكن غير حرفية، وأمينة من دون ان تعصى على الفهم. ترجمة - ماهر عثمان يقول جورج بوش في بداية هذا الفصل ال 13 من الكتاب: "حوالي الساعة 20:8 من مساء الاربعاء، 1 آب اغسطس 1990، ظهر برنت مهموماً في المكتب الطبي للبيت الابيض في الطابق تحت الارضي مع ريتشارد هاس، خبير الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي، وراءه. كنت جالساً على حافة طاولة الفحص مرتدياً قميصاً للرياضة خلال خضوعي لعلاج بالحرارة العميقة لتخفيف ألم في كتفي نتج عن ضربي ما يعادل سطلاً من كرات الغولف في وقت سابق من ذلك اليوم. وفيما زررت قميصي خرجنا ثلاثتنا الى الردهة الساطعة الضوء. قال برنت بلهجة رزينة قاتمة: "سيدي الرئيس، يبدو الامر سيئاً جداً. العراق قد يكون على وشك ان يغزو الكويت". كان ذلك اول نبأ سمعته يؤكد اسوأ مخاوفنا. كانت هناك انباء متفرقة واشاعات طوال النهار مفادها ان العراق يحرك قوات على حدوده مع الكويت. وكان اعضاء مجلس الامن القومي ووكالات استخباراتنا يرصدون الوضع، وابقاني برنت على علم بالتطورات. كانت التوترات بين البلدين مرتفعة لأسابيع، مع مجابهة في اوبك بشأن انتاج النفط واسعاره. وزاد من تحريك تلك التوترات امتعاض عراقي قديم من الكويت بسبب نزاعات على الاراضي. وبعد مؤتمر لأوبك في 25 تموز يوليو وبعض الجهود الديبلوماسية الاقليمية، بدا ان الازمة السياسية قد خفت. غير ان الانباء بدأت تزداد بشأن نشاط عسكري جديد، برغم اننا لم نستطع تأكيد اي شيء اكثر دقة بشأن النيات العراقية ما عدا التحركات نفسها. قدم لي ريتشارد ايجازاً عن الوضع المتطور واقترح ان اهاتف صدام حسين لاحاول اقناعه بألا يهاجم. وفيما كنا نتحدث، رد برنت على مكالمة من بوب كيميت من وزارة الخارجية وعلم ان سفارتنا ابلغت عن اطلاق نيران في وسط مدينة الكويت. قلت هازاً رأسي "يا لفائدة المكالمة مع صدام!". وغادر برنت وريتشارد ليعرفا المزيد عما كان يحدث. لا بد ان اعترف ان تفكيري كان منصباً في تلك الامسية على اشياء اخرى غير العراق. اذ كنا وسط انكماش اقتصادي ومعركة حزبية بشعة بخصوص الموازنة. وكانت هناك اجتماعات جارية مع زعامة الكونغرس للعثور على حل وسط. وكانت هناك متاعب اجنبية اخرى ملحة تجتذب اهتمامي ايضاً، مثل اخذ الرهائن في ترينيداد وحرب اهلية مفجعة في ليبيريا حيث كان اميركيون معرضين للخطر. بعد نحو ساعة اتصل برنت وقال "الامر واضح. انهم عَبْرَ الحدود". لم يعد الامر نزاعاً مصحوباً بنوع من قرقعة السلاح الميلودرامية، انه عدوان مباشر. لقد اكدت استخباراتنا ان العراق اجتاح الكويت بعدد كبير من الجنود. ورتب برنت باجتهاده التام المعهود اجتماعاً لاستعراض الموقف والبدء بعملية التوصية …. "وجدت من الصعب ان اصدق ان صدام سيغزو. وظننت للحظة، او أملت، بأن القصد من خطوته كان ممارسة ضغط أشد على الكويت وارغامها على تسوية نزاعاتهما، وانه قد ينسحب، بعد ان عبّر عما يريد. وساورني القلق في شأن اثر الغزو على بلدان اخرى في المنطقة، خصوصاً على صديقتنا المعرضة للخطر، المملكة العربية السعودية. طلبت من برنت ترتيب اجتماع لمجلس الامن القومي في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي، قبل مغادرتي الى آسبين، كولورادو، حيث كان من المقرر ان القي خطاباً والتقي مارغريت ثاتشر. وبعد دقائق قليلة، بينما كان موظفو مجلس الامن القومي يتشاورون مع وزارة الخارجية، اتصلت هاتفياً بسفيرنا لدى الاممالمتحدة توم بيكيرنغ. وبينما كنت مستعداً للتعامل مع هذه الازمة من طرف واحد اذا دعت الضرورة، اردت ان يكون للامم المتحدة ضلع في الأمر كجزء من ردنا الاول، بدءاً بتنديد قوي بهجوم على عضو آخر في المنظمة الدولية. ذلك ان اجراء حاسماً من جانب الاممالمتحدة سيكون مهماً في تعبئة معارضة دولية للغزو وفي دحره. ووجهت توم نحو العمل مع الكويتيين وعمل كل ما يستطيع لعقد اجتماع طارئ لمجلس الامن. … "كانت المساعدة السوفياتية بالذات اساسية، اولاً لأن السوفيات كانت لهم سلطة النقض الفيتو في مجلس الامن، ولكن ايضاً لانهم يستطيعون اكمال عزلة العراق السياسية. كان ما حاولنا تحقيقه على مسار مضاد لمصالح موسكو وسياستها التقليدية في المنطقة. اذ كان الاتحاد السوفياتي راعياً سياسياً وعسكرياً للعراق منذ مدة طويلة، ببيعه صدام حسين صواريخ "سكاد" وانظمة دفاع جوي، وكذلك دبابات ومعدات اخرى. وكان لموسكو حوالي مائتين من المستشارين العسكريين وبضعة آلاف من الفنيين المدنيين. وبشّرت علاقتي المتينة بغورباتشوف وعلاقة جم جيمس بيكر بشيفاردنادزة بنية حسنة، ولكن لم يكن معروفاً بعد الى اي حد سيمضون او يمكنهم ان يمضوا معنا. برنت سكوكروفت كنت في مطعم قريب مع صديق عندما طن جهاز النداء الاليكتروني بعد السابعة بقليل. استأذنت لأهاتف غرفة الموقف وقيل لي ان ريتشارد هاس يطلب ان اعود الى البيت الابيض فوراً. … "عندما وصلت الى البيت الابيض ذلك المساء، كان ريتشارد قد عاد للتو من اجتماع مشترك للوكالات. اطلعني على احدث تقارير الاستخبارات القاتمة مضيفاً ان المجموعة عبرت عن اعتقادها بأن الرئيس بوش يجب ان يهاتف صدام فوراً ليحضه على ضبط النفس. ربما يكون الاوان قد فات، لكننا ذهبنا الى جناح مسكن الرئيس لنبلغه بما يجري. تلقى النبأ بهدوء واستمع بهدوء الى ما كان عندنا من تفاصيل. بعد المكالمة التي قال فيها كيميت ان الغزو جار، اصدرت تعليماتي بعقد لجنة النائبين مكوّنة من نواب الوزراء والمسؤولين التي كنت سأرأسها بالنظر الى كون بوب غيتس في اجازة …. اتفقنا على ان نوصي ببعض الاجراءات التي يمكن اتخاذها بسرعة، مثل تحريك قوات، بما في ذلك ارسال سرب طائرات ف - 15 الى المملكة العربية السعودية، مفترضين موافقة سعودية. وكان الاهم من ذلك حاجتنا الى تجميد الارصدة العراقية ولكن بصورة اخص الكويتية في الولاياتالمتحدة - وكان تحقيق الامر الاخير مستعجلاً بصورة خاصة قبل ان ينهبها العراقيون عن طريق الحكومة الدمية التي علمنا انهم اقاموها. وأعد بويدن غراي، المستشار القانوني للبيت الابيض، اوامر تنفيذية لتحقيق ذلك اخذتها، في الرابعة والنصف صباحاً، الى الرئيس ليوقع عليها". يقول الكتاب بعدئذ: "لم تكن منطقة الخليج بين مشاغلنا الرئيسية في اوائل عهد الادارة. اذ برغم عدد من الخلافات المثيرة للسخط احياناً مع العراق، كانت التطورات في المنطقة قد بدأت في العودة الى حالها العادية بعد الصراع الايراني - العراقي في فترة 1980 - 88 …. "لقد شغل صناع السياسة الاميركيون بأمن منطقة الخليج واستقرارها منذ ان انسحب البريطانيون منها في نهاية الستينات. ومع سقوط الشاه، خيارنا الأول كقوة استقرار في المنطقة، اتجهت الولاياتالمتحدة نحو سياسة موازنة بين ايرانوالعراق. وقاد ذلك ادارة ريغان الى الميل نحو بغداد خلال الصراع الايراني - العراقي، لا تفضيلاً لأحد نظامي الحكم المستحقين للشجب، ولكن لأننا لم نرد لأي منهما ان ينتصر في الحرب ولأننا كنا قلقين من ان العراق سيكون الاضعف. وبعد الحرب، سعت ادارة ريغان الى مأسسة تلك العلاقة المتحسنة نوعاً ما مع العراق. وكانت تلك محاولة لتشجيع سلوك معتدل الى حد مقبول من جانب صدام حسين. وكان هناك ايضاً الأمل بتأمين دور كبير لمصالح الاعمال الاميركية في ما افترض انه سيكون جهداً عراقياً كبيراً لاعادة الاعمار. بدت لنا تلك الاهداف معقولة، وفي انتظار نتيجة مراجعة السياسة، واصلنا متابعتها. لم يكن ذلك سهلاً. اذ كان صدام حسين ديكتاتوراً صلباً، قاسياً جنونيَ الارتياب، ذا انفتاح ضئيل على الغرب وشك عميق فيه …. ثم يسجل الكتاب مآخذ واشنطن على الرئيس العراقي. ومن هذه المآخذ السجل السيئ لنظامه في مجال حقوق الانسان، و"ايواء الارهابيين"، وامتلاكه اسلحة بيولوجية واسلحة كيماوية استخدمها ضد الايرانيين والاكراد، وامتلاكه صواريخ باليستية ومحاولته بناء قدرة نووية. ويسجل بعدئذ ان تحليلاً قدمه مجلس الامن القومي أوصى بدعم سياسة ادارة ريغان تجاه منطقة الخليج. وبناء على ذلك اصدر الرئيس بوش في 2 تشرين الاول اكتوب 1989 "توجيهاً أعاد تأكيد مصالحنا الاستراتيجية في المنطقة مع تحذيرات تعبر عن دواعي قلقنا، وأكد عموماً السياسة السابقة القاضية بالتعاطي مع العراق: "ان علاقات عادية بين الولاياتالمتحدةوالعراق من شأنها ان تخدم مصالحنا الطويلة الاجل وتشجع الاستقرار في كل من الخليج والشرق الاوسط. ويجب ان تقترح حكومة الولاياتالمتحدة حوافز اقتصادية وسياسية كي يجعل العراق سلوكه معتدلاً وكي نزيد نفوذنا لدى العراق". برنت سكوكروفت "في اوائل 1990، اتضح لي تدريجاً ان صدام قد احدث تغييراً مفاجئاً في سياسته نحو الولاياتالمتحدة …، بدأ يدعي ان هناك مؤامرة ضده تقودها الولاياتالمتحدة واسرائيل وبريطانيا. اذ انضم الى تنديدات تلك الدول بهجرة اليهود السوفيات الى اسرائيل وهدد، في بداية نيسان ابريل بحرق الدولة العبرية اذا هاجمت العراق مرة اخرى، كما فعلت عام 1981، عندما ضربت منشأة نووية. وقد اثار التهديد ضجة كبرى في الغرب …". ثم يسرد الكتاب انه "اضافة الى الكلام الطنان الحاد ضد اسرائيل، برزت دلائل مزعجة على ان العراق ما زال يسعى الى تطوير اسلحة دمار شامل". ويروي اكتشاف واحباط محاولة العراق الحصول على اجهزة تفجير لأسلحة نووية، واحباط جهود بغداد لتطوير "مدفع عملاق"، واعتراض افران تنغستون يمكن ان تكون مفيدة لبرنامج العراق النووي في ميناء نيوجيرزي. ويقول مشيراً الى صدام: "… استنتجنا أن علينا أن نرسل إليه رسالة لا غموض فيها نقول له فيها ما نريد ونتوقع: ما لم تكن هناك تغييرات واضحة في السلوك الدولي للعراق، فلن نواصل العمل كالمعتاد. وبعبارة أخرى، انه أمام تفرع في الطريق، وإذا اخطأ في الاختيار فإنه يجازف بجعلنا خصماً له". أرْسِلَت الرسالة أولاً عبر سفيرتنا في بغداد، آبريل غلاسبي، الى وزير الخارجية طارق عزيز. وفي واشنطن اجرى لاري ايغيلبيرغر محادثة مماثلة مع السفير العراقي …. واضافة الى هذا، قررنا ان نستفيد من رحلة مجموعة أعضاء في مجلس الشيوخ من الحزبين الى الشرق الأوسط، برئاسة زعيم الأقلية الجمهورية بوب دول وتضم الديموقراطي هوارد ميتزينبوم، كان مقرراً ان تزور بغداد في منتصف نيسان ابريل للاجتماع مع صدام وتقويم الحاجة لمزيد من العقوبات. وبعد رحلة المجموعة، قال دول في تقريره ان صدام مقتنع فعلاً بأن ثمة مؤامرة ضد العراق، برغم ان الزعيم العراقي بدا مسروراً عندما أكد له أن الرئيس بوش لا يتآمر ضده. وبدأ صدام الذي كان في حاجة ماسة للدخل يشكو بمرارة من هذه الممارسة، مركزاً حنقه على الكويت والإمارات العربية المتحدة. يروي الكتاب بعدئذ ان صدام بدأ "يتشابك" مع جيرانه في شأن النفط وانخفاض اسعاره علماً ان صادرات النفط كانت مثل آنذاك نصف الانتاج القومي العراقي تقريباً. ويقول ان صدام "الذي كان في حاجة ماسة للدخل "بدأ يشكو من قيام الكويتوالامارات العربية المتحدة بإنتاج وبيع كميات من النفط زائدة عن حصصها المتفق عليها ضمن منظمة اوبك". ويضيف ان النفط لم يكن مصدر الاحتكاك الوحيد بين العراقوالكويت وانما كان هناك ايضاً النزاع على حقول نفط الرميلة وعلى جزيرة بوبيان التي أعارتها الكويت للعراق اثناء حربه مع ايران والديون البالغ مجموعها 30 بليون دولار التي طالبت الكويت بسدادها قُدّمت للمساعدة خلال الحرب مع ايران. قدم العراق رسلة احتاج عنيفة اللهجة سلّمها نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز الى الامين العام لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي عن نزاع الحدود مع الكويت، وأمر الرئيس صدام حسين فرقتين من الحرس الجمهوري في 19 تموز يوليو بالتوجه الى الحدود، وبتعبئة قوات اضافية. يواصل سكوكروفت سرد الاحداث: "… كتذكير بمصالحنا المهمة في المنطقة، وعلامة على عدم سرورنا بالتهديد العراقي، أرسلنا طائرتي تزويد بالوقود في الجو وطائرة نقل وصلت في 24 تموز يوليو. ووضع السعوديون قواتهم في حال استنفار في 23 تموز، لكنهم قالوا لنا انهم بينما يقدرون اظهار الولاياتالمتحدة دعمها، فإن الأفضل هو أن يحل العرب المسألة بأنفسهم. لم نكن متأكدين من أهداف صدام بالنظر الى تأكيداته المتكررة، وآراء زعماء عرب كالرئيس المصري حسني مبارك، والعاهل السعودي الملك فهد، والعاهل الأردني الملك حسين الذين كانوا جميعاً على اتصال بالجانبين كليهما، بأنه لن يقع هجوم. ووفقاً لسفيرنا في الكويت، ناثانيل هاويل، كان الكويتيون أنفسهم مرتبكين حائرين …. استنتجنا أن العراقيين لا يخططون لعملية كبرى على الفور. ومع هذا، قررنا أن لا مناص من أن نصعّد تحذيراتنا. لم يكن لدينا التزام رسمي تجاه الكويت أو دول أخرى في المنطقة، لكن مصالحنا هناك اعلنت في بيانات صدرت عن كل رئيس منذ عهد ايزنهاور. استدعت وزارة الخارجية السفير العراقي وذكرته بأنّ أعمال الولاياتالمتحدة خلال الحرب الايرانية - العراقية أظهرت التزامنا بسيادة دول الخليج ووحدة أراضيها، موضحة اننا سنستمر في الدفاع عن مصالحنا في المنطقة. وصدر توجيه الى السفيرة غلاسبي بابلاغ وزارة الخارجية العراقية بالشيء ذاته، وقد كررت على أساس يومي بعد 20 تموز يوليو مطالبتنا بتوضيح لنيات العراق. اندفع الزعماء العرب المعتدلون لنزع فتيل الأزمة المتعاظمة عبر مكالمات هاتفية، ومبعوثين وزيارات شخصية. اجتمع مبارك مع طارق عزيز في 22 تموز يوليو في القاهرة حيث انضم اليهما الملك حسين في اليوم التالي. بعد يومين ذهب مبارك جواً الى بغداد، والكويت والمملكة العربية السعودية في محاولة للتوسط واقترح ان يجتمع وزراء خارجية دول الجامعة العربية في القاهرة. وأبرق الى الرئيس بوش فحوى مناقشاته. قال انه حض صدام على احتواء التصعيد والموافقة على حل النزاعات عن طريق التفاوض. وكتب يقول ان "الرئيس حسين كان متفهماً ومستجيباً". قال مبارك انه "واثق من أن بالامكان التوصل الى تسوية من دون تأخير"، وطلب ان تتجنب الولاياتالمتحدة "أي عمل استفزازي يمكن أن يضيف وقوداً الى النار ويجعل تخفيف التوتر أكثر صعوبة. ويجب أن يكون الهدف من وراء الاعلانات عن تدريبات عسكرية مشتركة في الخليج والبيانات الصادرة عن الدول الأجنبية التقريب بين الجانبين لا تعميق عدم الثقة بينهما". صدام يستدعي غلاسبي في 25 تموز يوليو استدعى صدام غلاسبي فجأة الى القصر الرئاسي. وأرسلت بعدئذ موجزاً برقياً عن محادثاتها معربة عن اعتقادها بأن صدام كان قلقاً. وكتبت تقول "انه لا يريد استعداءنا أكثر. لقد جذبنا انتباهه كلياً بالمناورات في الامارات العربية المتحدة، وهذا أمر جيد. اعتقد ان من الحكمة أن نخفف انتقادنا العلني للعراق الى أن نرى كيف تتطور المفاوضات". واشتكى صدام من أن مناوراتنا المشتركة لن يكون من شأنها إلا أن تشجع الامارات العربية المتحدةوالكويت على تجاهل الديبلوماسية التقليدية. وحذر في صورة مسرحية من أنه إذا ما أُهين العراق علناً من جانب الولاياتالمتحدة، فلن يكون أمامه خيار سوى أن "يرد"، مهما يكن ذلك غير منطقي وتحطيماً للذات. وأبرقت غلاسبي: على رغم ان رسالة صدام الى الولاياتالمتحدة ليست صريحة تماماً، بدا انها تقول انه سيبذل جهداً كبيراً للتعاون مع ديبلوماسية مبارك، ولكن يجب علينا أن نحاول ان نفهم ان "الأنانية" الكويتية/ الاماراتية لا تطاق. السفيرة أوضحت اننا لا يمكن أن نغتفر أبداً تسوية نزاعات بوسائل غير الوسائل السلمية. فصلت غلاسبي في تقريرها الأطول والأوفى الأسئلة التي طرحتها كي تنتزع صورة أوضح لنيات صدام: أليس من المعقول ان يساورنا القلق عندما يقول الرئيس ووزير الخارجية كلاهما علناً ان الأعمال الكويتية معادلة لعدوان عسكري، ثم نعلم ان وحدات كثيرة من الحرس الجمهوري قد أرسلت الى الحدود؟ أليس من المعقول ان نسأل، بروح الصداقة، لا المجابهة، السؤال البسيط: ما هي نياتك؟ قال صدام ان ذلك سؤال معقول فعلاً. وأقر بأن علينا أن نكون قلقين على السلام الاقليمي، وان هذا واجبنا في الواقع كدولة عظمى "ولكن كيف يمكننا إفهامهم الكويتوالامارات بمدى عمق معاناتنا؟". وصفت غلاسبي كيف ترك صدام الغرفة ليرد على مكالمة من مبارك، الذي قال له انه قد رتب للقاء وفدين عراقي وكويتي في الرياض، وأن ولي العهد الكويتي سيأتي بعدئذ الى بغداد لاجراء مفاوضات. قال صدام: "قلت لمبارك ان لا شيء سيحدث حتى الاجتماع"، ولا شيء سيحدث خلال الاجتماع أو بعده إذا كان الكويتيون في النهاية "سيعطوننا بعض الأمل".