«الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    جدّة الظاهري    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة السادسة . بوش : أبلغني بريماكوف ان صدام قال ... سأموت قبل ان أنسحب . سكوكروفت : الرئيس توصل الى قرار تحرير الكويت قبل 3 اشهر من بدء الحرب
نشر في الحياة يوم 03 - 10 - 1998

في القسم الأخير من الفصل ال 15 من كتاب "عالم تحوّل"، وعنوانه "توازن دقيق" يشرح الكتاب كيف أمكن التغلب على خلاف فرنسي - اميركي بشأن أهداف الجهود الدولية في الازمة الناجمة عن الاحتلال العراقي للكويت، والتهديدات التي سمعها يفغيني بريماكوف، مبعوث ميخائيل غورباتشوف الى العراق، من الرئيس صدام حسين، ومتاعب الرئيس بوش مع الكونغرس في شأن الموازنة، وتعجل رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر لتوجيه ضربة للعراق قبل ان تضغط احداث على التحالف الدولي مما يمكن ان يسبب تفككه.
يقول جورج بوش: "مع احتفال الامم المتحدة بقمة الاطفال وبذكراها الخامسة والاربعين، صارت منبراً نشيطاً لإلقاء بيانات سياسية عن الخليج. وندّد كل خطاب من الزعماء السياسيين في الجمعية العامة بالعراق، وذكّر بعضها، بما في ذلك خطاب شيفاردنادزه، صدّامَ بأن لدى الامم المتحدة السلطة ل "قمع العدوان" اذا ما استمر احتلال الكويت. استخدم فرنسوا ميتران خطابه في 24 ايلول سبتمبر ليعرض خطة سلام قال انها قد تؤدي الى عملية مفاوضات للمنطقة كلها. ومع انه أضاف انه لا يمكن ان يكون هناك حل وسط ما لم يتقيد العراق بقرارات الامم المتحدة، فقد تعمّد المناداة بخيار ديموقراطي للكويتيين، مبدياً عدم ارتياحه الى جعل عودة الأمير شرطاً.
على رغم ان خطاب ميتران لم يكشف أي فجوة كبيرة بين سياسة الولايات المتحدة والسياسة الفرنسية فقد قلقت من كرهه لجعل عودة عائلة الصباح شرطاً مسبقاً للتقيّد العراقي…. لم يكن بوسعنا اعطاء صدام أي مكسب سياسي من الغزو. لو كنا أصررنا على فرض الديموقراطية كجزء من استعادة السيادة، لكان بوسع صدام ان يصوّر نفسه كدافع للاصلاح السياسي الكويتي.
بعد بضعة ايام من خطابه في الامم المتحدة، بعث اليَّ فرنسوا برسالة يشرح فيها الخطاب. شدّد على موقف فرنسا بأن قرارات الامم المتحدة شرط أساسي غير قابل للتفاوض. "موقف فرنسا لا لبس فيه: لا يمكن تصور وفاق او حل وسط مع صدام حسين من دون تحرير الرهائن وانسحاب القوات العراقية من الكويت...". فرنسا ايضاً تدعم "التنفيذ الفعّال" للحظر. غير ان ميتران جادل لمصلحة إعطاء الكويتيين ديموقراطية. كتب يقول: "فرنسا تضطلع بجهد عسكري كبير، الى جانب اصدقائها خصوصاً الى جانب الولايات المتحدة، من اجل ضمان نجاح الحظر ولإرغام صدام حسين على التراجع. لكنني لن أجازف بموت جندي فرنسي واحد اذا كان الامر مقتصراً على استعادة نظام مطلق. ما من بلد، باستثناء الولايات المتحدة، فَعَلَ اكثر مما فعله بلدي على سبيل التضحية من اجل ضمان انتصار القانون في الشرق الاوسط. ان هذا يعطينا سبباً إضافياً لنقول ما نعتقد به". أجبتُ برسالةٍ تحضّ على انه ينبغي ألا يكون هناك مظهر خلافات بيننا…".
يسرد الكتاب: "جلبَ تشرين الاول اكتوبر ضغوطاً على التحالف. اذ بدا ان المشكلات السوفياتية السياسية الداخلية أخذت تنعكس على الأزمة. في 4 - 5 تشرين الاول اكتوبر، زار بريماكوف بغداد، حاملاً في ما يبدو رسالة من غورباتشوف. لم نكن مرتاحين الى الرحلة، خصوصاً عندما علمنا ان شيفاردنادزه غضب لعدم علمه بها مسبقاً ولم يعلم بالتحديد ما هي الرسالة التي كان يُفترض ان ينقلها بريماكوف…. سرعان ما أبلغنا شيفاردنادزه أن بريماكوف أُرْسِلَ مبعوثاً شخصياً لغورباتشوف في محاولة إخراج التقنيين السوفيات ال 5000 او ما يقرب من ذلك الذين كانوا لا يزالون محصورين في العراق، والذين ادعى العراقيون ان بعضهم مطلع على أسرار عسكرية قد يمررها الى التحالف. واحتجّ بريماكوف في ما يبدو ايضاً على استخدام الرهائن دروعاً بشرية. أبلغنا شيفاردنادزه ان صدام قال ان سحب قواته سيكون ممكناً "ولكن ليس في ظروف الانذار: إما انسحاب، وإما ضربة عسكرية للعراق". هدد صدام بالانتقام من كل آبار النفط في شبه الجزيرة العربية اذا هوجم. أراد حلاً سياسياً يتضمن تنازلات من التحالف تمكّنه من انقاذ ماء الوجه امام شعبه والعالم العربي. تكهن شيفاردنادزه بأن هذا يعني تسوية للمشكلة الفلسطينية واعطاء العراق حق المرور الآمن في الخليج. كان صدام مستعداً للانسحاب من الكويت في مقابل سيطرة كاملة على حقول نفط الرميلة وجزيرتين في رأس الخليج. بعد يومين، أصدر الرئيس بوش تعليماته الى بيكر بأن يُعلن أننا نرفض أي تنازلات جغرافية".
جورج بوش
عَمَد ميخائيل الى إرسال بريماكوف الى واشنطن لاطلاعي على رحلته في 9 تشرين الاول اكتوبر، وكان ما سمعته مثبطاً للعزيمة. قال بريماكوف ان صدام لا يجري اطلاعه بشكل حسن من جانب حلقته الداخلية وانه يسمع عن التأييد له اكثر مما يسمع عن عزلته السياسية. وتكهن ايضاً بأن العقوبات ستحتاج الى خمسة او ستة اشهر اخرى كي يبدأ مفعولها، لكن هذه وحدها لن تُرغم صدام على الانسحاب ويمكن ان تكون نتائجها عكسية، وتشجعه على ضرب اسرائيل. قال صدام، اذا كان خياره بين الانسحاب او التعرض لهجوم: "سأموت قبل ان أنسحب... انني مستعد لأن أموت، لكن هذه المعركة ليست مقتصرة على بلد بمفرده. انني واقعي. أعلمُ انه يجب عليّ ان انسحب من الكويت لكنني لا استطيع ببساطة ان أنسحب". كان بريماكوف قد عرض اقتراحاً يفصّل ما كان التحالف على استعداد لعمله بعد ان يكون صدام قد انسحب من الكويت. أبرقت الى غورباتشوف قائلاً انني اشعر بأن هذا ينتهك المبادئ الاساسية التي عرضناها في هلسنكي. "بدلاً من الاصرار على انسحاب صدام غير المشروط، فإن هذه المقاربة ستعطيه عوامل &انقاذ ماء وجه& كبيرة سيقدمها بشكل لا مفر منه على اساس انها &مكافأة&". عززت محادثة بريماكوف تشاؤمي بالعثور على اي حل للأزمة من دون استخدام القوة. حتى لو أثّرت العقوبات في العراق، فإنها لن تبدو قوية ما فيه الكفاية لإخراج صدام من الكويت.
برنت سكوكروفت
كانت هذه واحدة فقط من رحلات كثيرة قام بها بريماكوف في ذلك الخريف الى بغداد وعواصم اقليمية اخرى لمحاولة التوصل الى تسوية، مشتغلاً بجدٍ لإخراج أرنبٍ من طاقية للسياسة الخارجية السوفياتية….
ويروي الكتاب: "كانت هناك تحديات اخرى ايضاً. في 8 تشرين الاول اكتوبر، اندلعت تظاهرات عنيفة على جبل الهيكل في القدس ملاحظة من المترجم: المقصود هنا المسجد الاقصى المبارك وأطلق الجنود الاسرائيليون النار على الجمهور، فقتلوا 21 فلسطينياً وجرحوا اكثر من 150. وأثارت الحادثة غضباً في العالم العربي، وكان علينا ان نتصرف بسرعة لضبط ردّ الفعل في الامم المتحدة وتجنّب انقسام التحالف. وبالمصادفة، كان هناك نقاش يدور في الامم المتحدة في مشروع قرار تقدمت به كولومبيا وكوبا وماليزيا واليمن، يحضّ الاعضاء على تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية العامة، بالحسم نفسه الذي كانوا يبدونه بشأن الغزو العراقي للكويت. ودعا ممثل منظمة التحرير الفلسطينية مجلس الامن الى التحقيق في الحادث. وتقدم بمشروع قرارٍ يطالب المجلس بالتنديد بالعمل الاسرائيلي باعتباره "عملاً اجرامياً" وتشكيل بعثة للتحقيق في كل من الحادث والوضع العام في غزة والضفة الغربية توصي بطرق لحماية الفلسطينيين. لم نشأ ان نوضع في موضع نقض القرار، او ان نبدو غير مهتمين بفقدان الارواح في القدس، مُعزّزين التصوّر بأننا نحمي اسرائيل على حساب العرب. اضافة الى هذا، كان العراقيون يتحدثون عن ربط معالجة الحادث بحلّ ازمة الخليج.
في اليوم التالي… بعد قدر من المفاوضات الصعبة مع دول عدم الانحياز التي رعت مشروع القرار الآخر، وكذلك نقاش بين الرئيس وميتران في الصياغة، تمكنا من الفوز بالموافقة على مشروع قرار معدّل في 12 تشرين الاول اكتوبر. دعا القرار الى ارسالِ بعثةٍ تقدّم تقريراً عن الطريقة التي يمكن بها حماية الفلسطينيين، لكنه اكد ان المسؤولية الرئيسية عن حمايتهم تقع على عاتق اسرائيل بصفتها قوة الاحتلال بموجب ميثاق جنيف. ومن سوء الحظ ان اسرائيل صدّت البعثة بغضب، مسبّبة مزيداً من المشكلات. وندّدت الامم المتحدة مرة اخرى باسرائيل لعدم تعاونها…".
جورج بوش
"أدّت العاصفة الدولية بشأن جبل الهيكل المقصود هو المسجد الاقصى المبارك الى تكهن في اوساط المحللين في واشنطن بأن التحالف اخذ يتفكك، في الوقت الذي بدأت العلاقات مع الكونغرس بالتدهور…".
دبّ خلاف حقيقي بين الكونغرس وادارة بوش بشأن الموازنة واحتمال زيادة الضرائب. وفي ظل الخلاف اضطر بوش الى اغلاق مكاتب الحكومة، مشترطاً على الكونغرس تمرير موازنته في حلول 19 تشرين الاول اكتوبر. ثم يقول بوش: "ولكن كان هناك ايضاً تشريع ايجابي. في 1 تشرين الاول، مرّر مجلس النواب قراراً غير ملزم ب 380 صوتاً في مقابل 29 يدعم اهدافنا في الخليج ويحضني في الوقت ذاته على الاستمرار في السعي الى حلول ديبلوماسية. وسرعان ما وافق مجلس الشيوخ على قرارات مماثلة تدعم نشر القوات واعمالنا في الخليج. ولم تبلغ الاجراءات حدّ دعم عمل عسكري، ولكن كانت تلك المرة الاولى منذ الغزو التي اعلن فيها الكونغرس مساندته لنشرنا القوات.
كان قولي الخِطابي في مؤتمر 1988 "إقرأوا شفتي، لا ضرائب جديدة" لغةً قوية. كانت تلك نيتي في ذلك الحين. ولكن في خريف 1990، كان عليّ ان اقرر بين حل وسط بشأن الضرائب او ان أقُفلَ حرفياً دوائر الحكومة. عندما ابلغت الكونغرس ان كل شيء موضوع على طاولة التفاوض مما سيشمل الزيادات في الضرائب، اندلعت انتقادات صاخبة…. وسرحت وسائل الاعلام في واشنطن - اليمينية واليسارية - ومَرَحت في ما يتصل بما سمّته "كارثة" سبّبتها للحزب بتقلقل مواقفي في القضايا ولنكثي بوعدي…. وكان خصومي السياسيون جيدين بصورة استثنائية في تذكير الناس بأنني قد نكثتُ بتعهدي بخصوص الضرائب. وما تجاهلوه هو اننا وضعنا سقفاً مشدداً على الانفاق ما زال سارياً وخفّضنا بصورة واضحة الانفاق الاختياري. عندما غادرت البيت الابيض، كان الاقتصاد قد نما بنسبة 5.8 في الربع الرابع من 1992 وكان النمو للسنة برمتها اكثر من 3 في المئة. كانت عبارة "إقرأوا شفتي" مبالغة لفظية. وعندما جدّ الجدّ وكان جنودنا ينتقلون الى ما وراء البحار، احتجنا الى حكومة تعمل في صورة كاملة. وكان عليّ ببساطة ان اتوصل الى حلٍ وسط لإبقاء الحكومة في حالة عمل، لكنني دفعتُ ثمناً فظيعاً.
يقول الكتاب انه: "بينما استَعَرَ الصراعُ على الموازنة اجتمعت مجموعة النواة في مجلس الامن القومي في غرفة الموقف في 11 تشرين الاول اكتوبر لتستمع من باول والميجر جنرال روبرت جونستون من القيادة المركزية ما كان يفكر فيه شوارتزكوف اذا قررنا اتخاذ موقف هجومي في الخليج…".
برنت سكوكروفت
لم أكن مسروراً بالايجاز. اذ بدا غير حماسي، وألقاه أناس لم يريدوا القيام بالعمل. وبدا الخيار الذي قدموه الينا، أي شن هجوم عبر قلب الجيش العراقي، مضاداً للاحساس البديهي الى درجة انني لم استطع البقاء ساكتاً. سألتُ لمَ لا تكون هناك حركة التفاف الى الغرب والشمال حول القوات ووراءها في الكويت لقطعها. كان جواب مقدِّم الايجاز انه لا توجد لديهم شاحنات وقود كافية لمثل هذه العملية الواسعة وان الدبابات سينفد وقودها عند كتف التطويق. يضاف الى هذا، انهم لم يعرفوا ما اذا كانت رمال الصحراء الغربية المتحركة ستدعم عمليةً مدرعة. بناءً عليه لم يكن هذا ممكناً من ناحية عملية. روِّعتُ بالتقديم واتصلتُ في ما بعد بتشيني لأقول له انني اعتقد بأن علينا ان نكون افضل من ذلك. وشاطرني تشيني قلقي وأعادَ المخططين الى لوح الرسم مرة اخرى.
جورج بوش
جعلني الايجاز ادرك ان امامنا شوطاً طويلاً قبل ان يصبح العسكريون جاهزين وشعرتُ بأن لدينا الوسائل لتحقيق المهمة بسرعة، من دون خسائر مستحيلة في الارواح. كان لا يزال عندي قدر كبير من الاسئلة من دون اجابات، خصوصاً بشأن الطريقة التي قد نبدأ بها الحرب في نهاية الامر. وبالنظر الى طول المدة التي يمكن ان تمضي قبل نجاح العقوبات، اعتقدتُ بأن الردّ على استفزازٍ قد يكون النهج الأرجح…".
برنت سكوكروفت
كان انطباعي ان الرئيس بوش توصّل، في وقت ما بين اوائل تشرين الاول اكتوبر ومنتصفه، بوعي او من دون وعي، الى ان عليه ان يفعل مهما يكن ضرورياً لتحرير الكويت وكانت الحقيقة ان هذا يعني استخدام القوة. بدأتُ أستشفّ فيه هدوءاً معيناً. لم يعد يبدو متصارعاً مع قضية إرسال الشباب الاميركي ليُقْتَل، ذلك القرار الفظيع الذي لا يمكن لأحد ان يتخذه إلا رئيس…".
جورج بوش
يحتمل ان برنت على صواب. لا اعلم بالضبط متى صرتُ مستسلماً لحقيقة ان الامر سيصل الى حرب. مفكرتي تعكسُ ما شعرتُ به من إحباط ونفاد صبر:
المفكرة، 17 تشرين الاول اكتوبر
انه يوم غربلة للأفكار. برنت سكوكروفت، صديقي الصدوق، جاء الى العشاء. تحدثنا عن كيف يمكننا تحريك الامور، وماذا نفعل في ]مسألة[ الاستفزاز ]لتبرير استخدام القوة[. تقول الانباء ان بعض اعضاء الكونغرس يشعر بأنني قد استغل حادثة طفيفة للذهاب الى الحرب، ويمكن ان يكون هؤلاء مصيبين. يجب ان ننتهي من هذه المسألة. اذ كلما استمرت، طال التآكل. اعتقد بأن في وسعنا ان نرسم الخط في الرمل، ان نرسمه في الرمل بحياة اميركيين. هناك ثمانية اشخاص في السفارة و40 موظفاً غير ديبلوماسيين، ولا أريد تسليمهم لمصير مجهول…".
لستُ واثقاً اين يقف بلدنا نفسه. ولكن اذا رأوا استفزازاً واضحاً، وأحسبُ ان هذا سيشمل عدم الاستعداد للسماح لنا بإخراج موظفي سفارتنا من الكويت، فسيكونون داعمين لضرب ذلك الشخص بأقصى ما يمكن من شدّة…".
برنت سكوكروفت
بقيت مسألة كيف سنبدأ باستخدام القوة، اذا وصل الامر الى ذلك. كيف يمكننا ان نتصرف من دون ان يبدو هذا عدواناً من جانب التحالف؟ اخذ الرئيس يعتقد بأنه يجب علينا ان نتصرف بمجرد ان يقع استفزاز، ولكن هل يمكننا عمل ذلك من دون استفزاز؟ …. كانت الأهداف الاستراتيجية السياسية العليا محددة في قرار الامم المتحدة: بصورة رئيسية، إخراج العراق من الكويت وإعادة الحكومة الكويتية. ولكن بعد هذا كانت هناك أهدافٌ عسكرية استراتيجية لقوات التحالف، وأهدافنا نحن من الحرب: ما هي النتيجة التي تريد الولايات المتحدة ان تراها؟ هذه الامور سارت جنباً الى جنب. وكان في مقدمها تقليص القوات العسكرية العراقية قدر الإمكان، ابتداءً بحملة جوية. من وجهة نظر عسكرية، سيؤدي هذا الى "تطريتهم" قبل أي حملة برية للتحالف لدحر الجيش العراقي الى الخارج وتحرير الكويت. ستكون هناك فؤاد اخرى ايضاً لتدمير اكبر ما يمكن من الآلة العسكرية العراقية، منها تقليص التهديد الذي يمثّله صدام لجيرانه. كانت الحيلة هنا إلحاق الضرر بقدرته الهجومية من دون إضعاف العراق الى درجة ايجاد فراغ، وتدمير التوازن بين العراق وايران، مما سيزيد عدم الاستقرار في المنطقة لسنوات. طلبتُ من لجنة النائبين النظرَ في هذه المسائل ووضع بعض التوصيات لأهدافنا.
جورج بوش
كانت مارغريت ثاتشر فارغة الصبر لتخطيط عمل عسكري مبكّر على اساس القرارات الموجودة. رفضت الاعتماد على استفزاز، مُعتقِدَةً بأنه سيجعلنا نضرب قبل ان نكون جاهزين. من الافضل الدخول في حرب بشروطنا. في نهاية ايلول سبتمبر، تناولنا العشاء معاً، برنت، وتشارلز باول، ونظيره البريطاني، في وولدورف استوريا في نيويورك خلال افتتاح الجمعية العامة للامم المتحدة. تحدثنا، أنا ومارغريت، عن أهداف التحالف، والتخطيط الذي ستتطلبه الحملة، وكيف نقلّص التهديد المستقبلي من العراق في المنطقة. جَادَلتْ بأننا يمكننا، بمجرد ان نفرغ من التخطيط للحرب، ان نلتفت الى الشؤون السياسية والتواريخ، وبقيت حذرة بشأن العودة الى الامم المتحدة. قالت: "نخاطر بتعديلات... لا اعتقد بأننا نحتاج الى سبب اضافي كي نبدأ".
قلتُ لها انني اعتقد بأنه سيكون هناك استفزاز، ربما عمل ارهابي، قبل ان تكون كل قواتنا في مكانها ولن يكون امامنا خيار سوى الرد، وعندئذ يمكننا ان نشن ضربة جوية ضخمة بكل ما هو في حوزتنا. بسبب الضغط السياسي من اجل السماح للعقوبات بالعمل، لم أُرِد ان أسمي تاريخاً بعد لتنفيذ اي عمل مُخطّط. ذكّرتني مارغريت بأن أي خيار عسكري سيكون موجوداً لوقت قصير فقط. علينا ان نتحرك خلال الاشهر الباردة - من تشرين الثاني نوفمبر حتى آذار مارس. اذا انتظرنا العقوبات كي تنجح فإن هذا سيوصلنا الى تشرين الثاني الذي يليه…".
عند هذه النقطة، وصل جيم بيكر وطلبت منه ان يتحدث عن خياراتنا في الامم المتحدة عندما يصل الامر الى استخدام القوة، ذكّرنا قائلاً: "ما لم نستطع إظهار أننا حاولنا البقاء ضمن التفاهم الدولي، فإننا نجازف بفقدان الدعم العام بما علينا ان نفعله. علينا ان نميز الاستفزاز عما هو ليس استفزازاً. اعتقد بأن الوقت قد حان للتحرك ]في الامم المتحدة[" من المهم ان نكون قد تشاورنا". لم تقتنع مارغريت، وأصرّت على اننا اذا سعينا الى قرار فسنثير الشكوك في ما اذا كان بوسعنا أنْ نمضيَ الى الامام من دون قرار. ومع ذلك بقيتُ معتقداً بأن بوسعنا ببساطة ان ندمّر قوة العراق العسكرية ومنشآته الاستراتيجية بكل قوتنا الجوية بعد استفزاز. لكن برنت حذّر من أننا قد نُضطر في نهاية الامر الى أن نُتبِع ذلك بقوات برية لتحرير الكويت، واذا قصفنا من الجو أبكر من اللازم قبل ان تكون قواتنا جاهزة، يمكن ان يكون هناك ضغط عام لوقف كل القتال وان يتحول الرأي العام ضد شن حملة برية ابداً. هذا قد يُبقي صدام في الكويت ويبقينا من دون خيار عسكري.
برنت سكوكروفت
بعد تلك المحادثة تشاوَرَت فرق الامن القومي والفرق العسكرية البرىطانية والاميركية في اوائل تشرين الاول اكتوبر. قابل تشيني ثاتشر، وكنتُ وتشارلز باول، على اتصال وثيق. أرسلتُ الى تشارلز مواد تُجمِل مشكلة النطاق الزمني للحرب. لن نكون جاهزين عسكرياً للهجوم ربما حتى اوائل كانون الاول ديسمبر، على افتراض اننا واصلنا حشدنا العسكري. نافذة العمل العسكري ستُغلق بعد ذلك بوقت قصير. اواخر شباط فبراير تأتي بفترة طقس كثيراً ما يكون سيئاً في المنطقة، ثم يحلّ شهر رمضان 17 آذار/ مارس - 14 نيسان/ ابريل، ويتبعه الحج الى الاماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية….
جورج بوش
في 18 تشرين الاول اكتوبر، وسط مضاعفات حادثة جبل الهيكل، تبادلت ومارغريت برقيات ومكالمة هاتفية بشأن الخطوة التالية التي ينبغي اتخاذها. في رسالتها الأولى قالت انها عميقة القلق بشأن سؤالٍ هو الى متى نستطيع المحافظة على تماسك التحالف. كانت مقتنعة بأن علينا ان نتصرف في حلول منتصف شباط فبراير. أبْرَقَت تقول: "من الواضح ان العراقيين يحاولون تجنّب استفزاز... يميل رأيي بصورة متزايدة الى اننا بمجرد ان تكون لدينا القوات الضرورية في مكانها، يجب علينا ان نتحرك عاجلاً بدلاً من آجلاً، وإلا فإننا نجازف بفقدان دعم الحكومات العربية التي لن تفهم التأخير وستبدأ بالتشكيك في تصميمنا. وسنواجه ايضاً مزيداً من اقتراحات السلام، ومزيداً من الحوداث في المناطق المحتلة، ومزيداً من الضغط على التحالف ضد العراق. لا بد من ان يخسر صدام حسين ويجب ان يُشاهَد وهو يخسر".
أرسلتُ اليها ايضاً برقية تمهيداً لمحادثتنا الهاتفية. اتفقت معها على اننا لا نملك رفاهية الانتظار لنجاح العقوبات، لكني اعتقدتُ بأن من الافضل سياسياً العمل من خلال الامم المتحدة بدلاً من العمل وحدنا. كنتُ لا أزال أفكّر على اساس الردّ على استفزازٍ لإعطائنا السبب الضروري…. أكّدتُ لها انني لن اعود الى الامم التحدة الا اذا كشف التشاور المسبق اننا نستطيع الحصول على ما نريد بسرعة من دون قيود غير مقبولة. أضفتُ اننا نفكّر ايضاً في ان نجعلَ القرارَ يطلب الى الامين العام استخدامَ مركزه لتحديد حدٍ أقصى لصدام كي يتقيّد بالقرارات القائمة. سيعطى ثلاثين او خمسة واربعين يوماً لسحب القوات العراقية" وإلا فسيكون لدى الاعضاء ضوء اخضر لاستخدام القوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة