عندما جلست قبل يومين مع وزير خارجية مصر الاستاذ عمرو موسى ليحدثني عن بعض نشاطه على هامش الدورة الثالثة والخمسين للأمم المتحدة وجدنا انه عقد 51 اجتماعاً ثنائياً ارتفعت بسرعة في اليوم التالي، وستصل الى اكثر من مئة قبل مغادرته نيويورك. واعتقد ان لوزير الخارجية السوري الاستاذ فاروق الشرع نشاطاً مماثلاً، وكذلك لأكثر الوزراء العرب. وهذه الاجتماعات قد تكون مع وزير خارجية دولة عظمى، او مع وزير من دولة أراهن بشنبي ان القارئ لم يسمع بها مساعد وزير الخارجية الاميركية للشرق الاوسط مارتن انديك حلق شنبه، ولعله خسره في رهان سخيف مثلي، وفي الطائرة الكونكورد رأيت الملاكم اليمني المشهور نسيم حميد شبه حليق الرأس، كما رأيت سفير اليمن لدى الاممالمتحدة الصديق عبدالله الاشطل حليق الرأس، من دون رهان طبعاً. الاجتماعات الثنائية، وبعضها سري، تكون احياناً اهم من الخطابات الرسمية للدول، فهذه متوقعة، اما تلك الاجتماعات فتعقد فيها الصفقات وتطرح المشاكل الحقيقية، لا قضية العولمة التي يطرحها الوزير كأنها لازمة اغنية تردد بعد كل مقطع. ومع ذلك فنحن نأتي لنسمع الخطابات، خصوصاً العربية من وزراء بلادنا وسفرائها، وهي لا تخلو احياناً من شيء جديد. وعندما خرج رئيس وزراء لبنان السيد رفيق الحريري عن النص رداً على رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو، وجدت ان الخروج عن النص افضل من الكلام الاصلي. ولكن وجدت في نص كلمة السيد موسى في اليوم التالي كلمة تغني عن كل ارتجال هي "نرفض" فمصر ترفض السياسة الاسرائيلية الحالية. وأمس ألقى وزير خارجية البحرين الشيخ محمد بن مبارك كلمة راقية، وتبعه الشيخ صباح الاحمد الصباح بكلمة مثلها، تجاوزت الجرح لتثير هموم الكويت الاقليمية واهتماماتها الدولية. ثم جاء وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر فهاجم نتانياهو كما لم يفعل وزراء دول الطوق، بل ووزراء الرفض قبلهم. واثبت الوزير القطري ان جرأته المعروفة ليست انتقائية بل تصل الى رقبة ذلك العنصري البغيض الذي يختال في شوارع نيويورك كالطاووس. ووقف الشيخ حمد خمس صفحات من خطابه على انتقاد حكومة اسرائيل ومواقفها من السلام جملة وتفصيلاً، فهو تحدث عن نكوصها عن تنفيذ التزاماتها الموقّعة، كما تحدث عن قضايا محددة مثل رفض مشروع القدس، او رفع الجمعية العامة درجة تمثيل فلسطين. وقلت للشيخ حمد بعد خطابه "والله ما قصّرت". وابتسم وقال انه أخذ الدور عني. وبدا الأمين العام لمجلس التعاون السيد جميل الحجيلان مسروراً بما سمع من وزراء المجلس عصر الجمعة، ولعله كان يقول في سرّه "اولئك وزرائي فجئني بمثلهم اذا جمعتنا... المجالس" وهو كان يحضر لاجتماع مهم بين وزراء المجلس ووزيرة الخارجية الاميركية السيدة مادلين اولبرايت في نيويورك غداً. ماذا أزيد؟ الأممالمتحدة هي كاسمها مجتمع أمم، واجمل ما في دورتها السنوية ان الكاتب مثلنا يرى وزراء بلاده كلهم تحت سقف واحد، بدل الطيران من المحيط الى الخليج طلباً لهم. وكنت قبل دخول المبنى في اليوم الاول رأيت السيد موسى والشيخ مبارك في الشارع داخلين وعانقتهما مرحباً. غير ان سمير صنبر، الامين العام المساعد المتقاعد، غلبني، فهو عانق روزاريو غرين، وهذه كانت في منصب امين عام مساعد ايام الدكتور بطرس بطرس غالي، وطردها خلفه كوفي انان، فعادت اليه هذه السنة وزيرة خارجية المكسيك. ومع انني ارى المنظر نفسه كل سنة، فانني ابقى معجباً بمنظمة يتحدث امامها ساعة مندوب موناكو، ويتحدث ساعة اخرى مندوب الصين، واعتقد انه لا ينتهي الرئيس الصيني او السفير من القاء خطابه حتى يكون ولد في الصين او مات 4500 هم سكان موناكو كلها. الامير البير، ولي عهد موناكو سبق الرئيس الحريري، واستمعت الى الاثنين باحترام، فانا مواطن موناكو في الصيف، ومواطن لبنان في الشتاء. كذلك استمعت الى خطاب رئيس نيجيريا عبدالسلام ابو بكر وهو كان قائد القوة النيجيرية في قوات السلام الدولية العاملة في جنوبلبنان. ولم اضطر الى سماع ترجمة لخطابه فقد كان في يدي بالانكليزية. ووجدت الترجمات الدقيقة دائماً، مضحكة احياناً، وامامي في القاعة وزير افريقي في حجم فيل، يتحدث بصوت أجش، والترجمة تنساب الى أذني بصوت رخيم من فم امرأة. وكما يرى القارئ فقد تحدثت عن كثيرين، من دون ان اعرج على الفلسطينيين، والسبب ان هناك طبخة تُحضرّ مع وصول ابو عمار، ونزوله في الفندق نفسه مع نتانياهو، ثم قدوم السيدة اولبرايت عليهما، مع امكان ذهاب الجميع الى نيويورك لإكمال معاملات الزفاف. اكتب وأزيد مسرعاً ان نتانياهو طرف، لذلك فالارجح ان تكون الطبخة هذه طبخة بحص. واختتم بالسيد حكمت عبدالعزيز، فقد كنت في صالة المندوبين مع بعض الوزراء العرب عندما جاء ووزع علينا أحاديث نبوية ودعاء وصلاة من مسند احمد. وسألته ما عمله، فقال انه مندوب سابق لتركيا. وكيف لا يكون سابقاً وهو من نظام علماني أخرج المواطن التركي من ثيابه، ويصرّ عبثاً على إخراجه من دينه. ويا أخ حكمت انت محظوظ لأنك مندوب سابق بدل راحل.