القضية الفلسطينية والحرب الأهلية في سورية كانتا «لازمة» كل خطاب عربي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والستين هذه السنة. وكان الشيخ حمد بن خليفة، أمير قطر، أول المتحدثين العرب فعرض أطر الموقف العربي، وكان وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة آخر مَنْ سمعت من المتحدثين العرب، وبقي الكلام ضمن هذه الأطر. الشيخ حمد قال إن: «القضية الفلسطينية تظل القضية الأساسية، وتحدث عن الاحتلال والاستيطان، ورفض إسرائيل التفاوض»، وسأل لماذا لا يفعل المجتمع الدولي شيئاً لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية فيُصدر مجلس الأمن قراراً تحت الفصل السابع لفك الحصار عن قطاع غزة ووقف الاستيطان وإعادة عملية السلام إلى مسارها. والشيخ حمد دعا إلى تدخل عربي سياسي وعسكري في سورية، لوقف نزيف الدم وضمان الانتقال السلمي للسلطة، وحضّ كل الدول الأعضاء على تقديم كل أنواع الدعم للشعب السوري حتى تتحقق حقوقه المشروعة. الشيخ خالد قال: «إن الأزمة السورية هي القضية الشاغلة هذه الأيام، إلا أن فلسطين ومعاناة شعبها ما زالتا القضية الرئيسية للعرب»، ودعا إلى حل عادل ودائم وشامل يضمن قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس. القضية الفلسطينية تحظى بتأييد غالبية عالمية واضحة، وما رأيت السنة الماضية في الجمعية العامة تكرر هذه السنة، فقد دخل الرئيس محمود عباس لإلقاء كلمة فلسطين وصفق له المندوبون طويلاً، داخلاً وخارجاً، وقاطعوا خطابه بالتصفيق ثماني مرات أخرى. أبو مازن قال: «إنه يتحدث باسم شعب غاضب، وقدم نماذج على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ووحشيته، مثل 535 اعتداء ارتكبتها ميليشيات المستوطنين الإرهابية التي استهدفت المواطنين والمساجد والكنائس والأديرة والبيوت والمدارس، وحتى الأشجار والحقول، مع تواطؤ قوات الاحتلال والحكومة الإسرائيلية». وهو أكد أن إسرائيل ترفض حل الدولتين مع أن الفلسطينيين قبلوا بدولة على 22 في المئة من أرضهم، ودعا الأسرة العالمية إلى التدخل لأن إسرائيل تعِد الشعب الفلسطيني بنكبة جديدة. مجرم الحرب بنيامين نتانياهو تبِع أبو مازن (بعد خطيب آخر) و«نتانياهو» كلمة تنطوي على نَتِن، وهي مرادف للوقاحة أو النذالة، فمجرم الحرب الذي يمثل دولة مُختَرَعة تحتل بلداً بكامله وتضطهد أهله، وتملك ترسانة نووية مؤكدة، أخذ يتحدث عن برنامج إيران النووي وما تملك أو لا تملك ويحرِّض عليها، فيما هو يرأس حكومة نازية جديدة، وآخر دولة ابارتهيد، أو تفرقة عنصرية، في العالم. ولم أتحمل رؤية نتانياهو وكلامه فخرجت. أخونا نجيب ميقاتي نأى بنفسه عن نتانياهو وقذارته، فقد وجد أن توقيت خطابه في الصباح قريب من توقيت خطاب رئيس وزراء إسرائيل فطلب تأخير كلمته إلى ما بعد الظهر، وجلست ساعة مع أسرة رئيس الوزراء والأصدقاء بانتظار أن يحين دوره، كما جلست ساعة مع أسرة الشيخ خالد بن أحمد والأصدقاء في المساء، أيضاً بانتظار أن يحين موعد إلقائه كلمته. وكانت الساعتان أجمل ما في النهار كله. شخصياً، سررتُ برؤية وفد ليبيا الجديدة، والدكتور محمد المقريف، رئيس المؤتمر الوطني العام، لم يمزّق ميثاق الأممالمتحدة وهو على المنصة، وإنما ذكرنا بما فعل معمّر القذافي قبل سنتين، وتحدث عن معاناة الشعب الليبي في ظل النظام السابق، وشكر الدول التي انتصرت لثورته، وبقي ضمن نطاق الكلمات العربية كلها وهو يتحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال، ويطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة. وعندما راجعت كلمة الأخ المقريف في النسخة العربية «اللغة الموزعة» وجدت إسرائيل بين هلالين صغيرين إنكاراً لها أو استنكاراً، وأنا معه. وجريدتنا «الحياة» نشرت أجزاء من كلمتَي رئيس وزراء الكويت الشيخ جابر المبارك الصباح، ونائب الرئيس العراقي خُضير الخزاعي، فلا أزيد، وإنما أقول إن: «الكلمات العربية كانت متزنة في عرض المشكلات وإعلان المطلوب»، إلا أنني لا أجد حلاً سريعاً للنازية الإسرائيلية، أو الرعونة الإيرانية، أو نزيف الدم في سورية، وإنما أنتظر مزيداً مما نحن فيه، قبل أن يبدأ انفراج الأوضاع، لتقطف الشعوب العربية ثمار ثوراتها، فلا تقوم ثورات على الربيع العربي الذي أرى حتى إشعار آخر أنه لا يستحق اسمه. وأكمل غداً. [email protected]