أسباب عدة تؤدي الى انحدار طلاب جامعيين الى عالم الجريمة، تأتي في مقدمها الرغبة في الحصول على المال لمحاكاة الأصدقاء المقتدرين مادياً. فالجامعة، فضلاً عن كونها معهداً للعلم تعتبر مركز لقاء لطلاب من بيئات ومستويات اجتماعية مختلفة، وفي هذا الاختلاط تحصل احياناً صدمات تؤدي الى انحراف بعض الطلاب. قصص كثيرة وراء سقوط طلاب الجامعة من الشباب والفتيات، وهذه القصص نجمعها من وراء أسوار السجون أو من مراكز التوقيف. من أجل مزاجي: في قسم شرطة العجوزة في الجيزة التقت "الحياة" شاباً يدعى ياسر عبدالخالق 20 عاماً طالب في الفرقة الثانية في احدى الكليات الجامعية، تم القبض عليه في قضية سرقة. يقول: "كانت البداية عندما دخلت الجامعة، وانضممت الى شلة من أولاد الذوات، وكنت أذهب معهم الى كل مكان وتعلمت منهم تعاطي "المسحوق الابيض" الهيرويين. وكنت أنفق مصروفي كله على شرائه، لكن مصروفي لم يكن كافياً لتحقيق السعادة التي أبحث عنها، فكنت احصل من والدي، واحيانا من أمي على المزيد من الاموال، لكن ذلك ايضا لم يحقق المطلوب، إذ كنت أشم في اليوم الواحد بنحو مئة جنيه. لذلك بدأت أفكر في أسلوب للحصول على مزيد من الاموال، ولم يكن أمامي سوى سرقة مجوهرات والدتي". ويستطرد: "حين اكتشفت أمي الأمر، لم يكن أمامها سوى اتهام خادمتها فألقي القبض عليها، لكن، حين توجهت في احدى المرات الى الصائغ لأبيع المجوهرات شك فيّ وأبلغ الشرطة. فاعترفتُ بكل شيء، وكانت المفاجأة قاسية لأسرتي". لكن عبدالخالق يلقي باللوم في النهاية على والده ووالدته اللذين انشغلا عنه بعملهما، فلم يجد من يحيطه بالرعاية. صديقتي السبب: اما محمود جمال علي 19 عاماً طالب في الفرقة الاولى في احدى الكليات الجامعية، يقول: "بهرتني الحياة في الجامعة واستطعت في فترة بسيطة ان أتعرف الى فتاة حسناء، وكانت الفجوة المادية بيننا كبيرة، فهي ابنة رجل أعمال معروف، اما أنا فمن أسرة بسيطة، ووالدي يعمل ميكانيكياً. وعلى غرار فيلم "أنا لا أكذب ولكني أتجمل"، أخبرتها ان والدي مدير عام في احدى المصالح الحكومية، لكنها أبدت دهشتها من عدم وجود سيارة معي، فلم أتردد في سرقة سيارة، وادعيت انها ملكي". ويزيد: "بدأت بسرقة سيارة واحدة من ورشة والدي، ثم هداني تفكيري الى سرقة المزيد من السيارات حتى أبدو كأنني فاحش الثراء، وتحولت الى لص محترف في سرقة السيارات. لكن رجال المباحث توصلوا الى شخصيتي والقي القبض عليّ لأتحول من طالب جامعة الى مسجل خطر سرقة سيارات". ملابس شيك: اما ريهام عطية أحمد 21 عاماً طالبة في الفرقة الثالثة في كلية الآداب تقول: "بدايتي مع الضياع كانت عندما حاولت ان أظهر أمام زملائي بأنني من عائلة كبيرة وابنة أصول، وكنت اعلم ان ذلك لن يتحقق إلا بالمظهر الأنيق والملابس الغالية الثمن، وتعرفت الى زميلة اخرى قرأت في عيني ما يحدث في داخلي، وكانت المفاجأة انها عرضت علي العمل معها مقابل مبالغ مالية كبيرة. وتضيف: "اصطحبتني زميلتي الى صاحبة بوتيك في منطقة المهندسين، أخبرتني انني سأجلس مع عدد من الاثرياء فقط. وفهمت اللعبة وكان لا بد ان أتخذ القرار الصعب، لكن بعد تفكير توصلت الى الحل، ووافقت ان أبيع نفسي لحاجتي الى المال، لكن ألقي القبض عليّ بعد فترة وجيزة". تاجر بانغو: وفي مديرية أمن القاهرة التقينا ايمن عبدالفتاح طالب في الفرقة الرابعة في كلية الزراعة يقول: "مصروفاتي كثيرة، ووالدي موظف بسيط في الحكومة، ودخله لا يكفي لإطعامنا، لا سيما ان لي خمسة أشقاء أصغر مني. لذلك طلب مني والدي ان اعتمد على نفسي، وابحث عن عمل، وهذا ما دفعني الى دخول دنيا البانغو، وعلى رغم أنني لم أدخنه ولا مرة في حياتي، لكن الظروف الصعبة دفعتني اليه. وكانت النتيجة ان مستقبلي ضاع". المغتصب وفي مخفر بولاق الدكرور التقت "الحياة" خالد عبدالفتاح علي 19 عاماً. طالب جامعي في السنة الاولى في كلية الخدمة الاجتماعية فقال: "اعتدت ارتياد مقهى معين على مدى اسابيع، وهناك تعرفت الى مجموعة من أصحاب السوابق، حاولوا إغرائي بالاشتراك معهم في السرقة لكنني رفضت، فطلبوا مني ان أتعاطى المخدرات ولم ينجحوا أيضا، ولذلك عرضوا عليّ الاشتراك معهم في اغتصاب فتاة، فلم أستطع مقاومة الفكرة". ويستطرد: خرجنا معاً الى شارع الهرم، وشاهدنا فتاة جميلة فتتبعناها وتمكنا من خطفها في سيارة ميكروباص الى شقة أحدنا، وتناوبنا اغتصابها، لكن، ألقي القبض علينا". ويبرر فعلته بقوله: "الاغراءات الكثيرة تحيطني من كل اتجاه، والفتيات الحسناوات كثيرات، في الوقت نفسه اعلم جيداً ان الزواج مكلف جدا، ولن اتمكن من الزواج قبل سن الثلاثين على أقل تقدير، وهذا ما دفعني الى الاشتراك في هذه الجريمة البشعة". ويبدو من الامثلة السابقة أن كلمة "الحرمان" هي المحرك الرئيسي لإنحراف اولئك الشبان والفتيات. سرقة سيارات واموال، الاتجار في المخدرات، الاغتصاب. اختلفت الاساليب لكن الغاية واحدة. يقول الاستاذ في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتور أحمد المجدوب إن ارتكاب الجرائم له دوافع سياسيه واقتصادية واجتماعية. وفي مثل هذه الجرائم فإن الدافع الرئيسي اقتصادي "فهم يعانون ضيق ذات اليد المصحوب بطموحات مستحيلة التنفيذ، وكل ذلك بهدف الظهور بمظهر لائق امام زملائهم او الانفاق ببذخ على مزاجهم وشراء المخدرات". ويضيف المجدوب "ان السبب الثاني إجتماعي، وإن كان وثيق الصلة بالأول، وهو محاولة الطلاب الذين ينتمون الى طبقة اقل الصعود الى طبقة اعلى، وهو ما يوجب الحصول على اموال للظهور بمظهر افضل كشراء ملابس او امتلاك سيارة او غير ذلك".