ربما لم يسبق ان ضمّت أي قمة روسية سوفياتية - اميركية او أي قمة اخرى في العلاقات الدولية العصرية رئيسين "أعرجين" يواجهان أزمات حادة تضعف، على اختلاف طبيعتها من سلطتهما وتؤثر في هيبتهما، مثل قمة الرئيسين الروسي بوريس يلتسن والاميركي بيل كلينتون في موسكو. ذلك ان أولهما أخفق إخفاقاً ذريعاً في معالجة مشكلات روسياالمالية والاقتصادية، وعجز حتى الآن عن اقناع مجلس الدوما بالموافقة على طلبه تعيين فيكتور تشيرنوميردين، مرة اخرى، رئيساً للوزراء، بينما يواجه الثاني، كلينتون، نتائج كذبه على الناس في بلاده في شأن علاقته بمونيكا لوينسكي المتدرّبة السابقة في البيت الابيض وباتت هيبته مهزوزة وكلمته موضع شك ومركزه الرئاسي في خطر. وواقع الحال ان كلينتون يزور بلداً ليست له حكومة، أي انه يفتقر الى سلطة تنفيذية تستطيع اتخاذ اجراءات - مطلوبة في صورة عاجلة - على غير صعيد: دفع المرتبات المتخّلفة لأفراد القوات المسلحة وعمال المناجم والطلبة، ومعاودة دفع أقساط الديون الاجنبية ومنع تفاقم انهيار قيمة الروبل، ومواصلة السير في طريق الاصلاح المالي والاقتصادي. حتى الآن رفض مجلس الدوما ترشيح يلتسن لتشيرنوميردين مرتين كانت الثانية منهما مهينة جداً ب 251 صوتاً ضد الترشيح و94 لمصلحته. وقد ألقى متكلمون كثيرون من النواب باللوم على سياسات تشيرنوميردين عندما كان رئيساً للوزراء في الفترة 1992 - 1998 في المشكلات التي تواجهها روسيا الآن: الانهيار المالي والاقتصادي، وتفاقم شرور المافيات، وانتشار الفساد والجريمة، وتهرّب الاثرياء ومصالح الاعمال من دفع الضرائب …الخ. ولا يبدو حالياً حلّ في الأفق لأزمة يلتسن - تشيرنوميردين - روسيا سوى: إما اذعان الرئيس لضغوط تحالف اليسار والشيوعيين في البرلمان بزعامة غينادي زيوغانوف بتعيين عدد كبير من الشيوعيين في مناصب وزارية مهمة والموافقة على تعديل دستوري يحدّ من سلطات الرئيس، او ان يقدم يلتسن على مخاطرة من الصعب معرفة نتائجها بحلّ البرلمان وفقاً لسلطته الدستورية عندما يرفض البرلمان في ثلاث مرات متتالية ترشيحاً يعرضه على النواب. وفي ظل هذه الاوضاع لا بد ان يكون جدول اعمال محادثات كلينتون ويلتسن محدوداً جداً. ويبدو ان الاتفاق الوحيد الذي سيتم الاعلان عنه هو اتفاق على تخليص روسيا من ثلث مخزونها العسكري من البلوتونيوم المستخرج من الصواريخ التي تدمّر بموجب اتفاقات نزع الاسلحة. ولا بد لكلينتون ان يكون حذراً في قراءة المزاج الشعبي الروسي الغاضب والمحبط، خصوصاً ان هموم العيش اليومي تتقدم على اي خطط مباشرة، او طويلة الأجل للاصلاح. ومع ان يلتسن احسن صنعاً أمس بتأكيده لكلينتون ان حكومته غير الموجودة الآن ستواصل السير في طريق الاصلاح الاقتصادي، فان رئيس مجلس الدوما اكد صباح امس ان تشيرنوميردين "لا يملك اي فرصة" ليوافق مجلس الدوما على تعيينه وان الكرة ما تزال في ملعب يلتسن "فإما الاستمرار في السياسة القديمة، وإما تغيير السياسة الاقتصادية"! ويتركز السؤال هنا على ما اذا كان الشيوعيون يريدون من يلتسن وقف عجلة الاصلاح الاقتصادي فيما هو يسيء ادارة دفّة الاصلاح وبينما هم لا يقدمون بديلاً ذا صدقية. ويؤمل بأن يتبين كذب الإشاعات التي تقول ان مطابع العملة بدأت تطبع كميات كبيرة من أوراق الروبل لتسديد الرواتب المتخلّفة، لأن هذه ستكون وصفة لكارثة تضخم مالي بشع، ينصح الخبراء الاقتصاديون وكلينتون والوفد المرافق له - بتجنبها بأي ثمن.