الزيارة التي قام بها امس رئيس المجلس النيابي نبيه بري للعاصمة السورية، ولقاؤه الرئيس حافظ الاسد، ينتظر ان يبددا الكثير من الاجواء الملبدة بين اركان الحكم، في شأن الاستحقاق الرئاسي، والكثير من الهمس الذي رافق هذه الخلافات عن ان علاقة رئيس المجلس مع دمشق متدهورة نتيجة ملاحظات سورية على ادائه اخيراً. وعلى صحة الانباء التي تفيد ان للقيادة السورية ملاحظاتها التي ابلغتها الى بري اثناء لقاء المصارحة بينه وبين نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام قبل ثلاثة اسابيع والذي انتهى الى اتفاق على ضبط السجال بينه وبين رئيس الحكومة رفيق الحريري، فإن بعض السياسيين والمسؤولين اللبنانيين الذين تسنى لهم الاطلاع على جانب من هذه الملاحظات ذهب بعيداً في قراءتها، او في تأويلها او تضخيمها الى حد القول ان دمشق التي كان العارفون يعتبرون ان بري حليفها الرئيسي في لبنان، باتت مع تغييره في موقع رئاسة المجلس النيابي، وان العد العكسي بدأ بالنسبة اليه في الرئاسة الثانية. وأطلقت هذه القراءات والتأويلات سلسلة مواقف وتصريحات وتسريبات لسياسيين، بعضهم على علاقة وثيقة بالقيادة السورية مثل عضو القيادة القومية لحزب البعث عاصم قانصوه، غامزة من قناة بري، مثل قول قانصوه بتعديل الدستور في اتجاه عدم التجديد لرئيس المجلس ولاية ثانية، فازدادت التأويلات وأُخذ الكثيرون بهذه التصريحات والتسريبات، من خصوم بري السياسيين او الذين حال التنافس الشيعي على النفوذ ابان العهد الحالي دون التأسيس لعلاقة معقولة بينهم وبينه خصوصاً انه استأثر بمعظم المواقع الشيعية في السلطة. الا ان واقع الحال لم يصل الى الحد الذي تصوره البعض في العلاقة بين دمشق وبري. فالمحيطون برئيس المجلس كانوا خلال الاسابيع القليلة الماضية يؤكدون ان الامور لن تلبث إلا ان تسوّى، وأن دمشق لم تتخلَّ عن تحالفها معه ولم تكن في هذا الوارد لأسباب عدة منها: - ليس وارداً ان تلجأ سورية الى تغيير في الموقع الشيعي في السلطة، في وقت تقبل على معادلة جديدة بين اركان الحكم، تطاول الموقع المسيحي والماروني تحديداً، فهي تبقى حذرة حيال التغييرات والاشخاص على رغم كل شيء، في انتظار الاختبار العملي. ويفترض ان تحرص من باب اولى على ان يتجمع حلفاؤها ويجتمعوا في عملية قيادة المرحلة الجديدة بدقة. وإذا كانت تتفهم وجهة نظر الحريري في خلافه مع بري، ورفضه اللقاء به، فإنها تسعى الى تعاون بينهما ومع الحلفاء الآخرين، ما دامت سيبة الحكم ثلاثية، من اجل التهيؤ "للقرارات الصعبة في الزمن الصعب المقبل"، كما قالت صحيفة "الثورة" السورية اخيراً. - ان حرص سورية على اداء جديد لحلفائها في العهد المقبل، وتقوية المؤسسات وتفعيلها واعادة النظر في منطق المحاصصة في الحكم لتأثيره السلبي في الوضعين السياسي والاقتصادي، بما لا يخدم حاجتها الى الاستقرار اللبناني في مواجهة الظروف الاقليمية، لا يلغي حاجتها الى التوازن بين اركان "ترويكا" الحكم المقبلة، فلا يطغى تعاون الرئاستين الاولى والثالثة على التعاون الثلاثي في القضايا السياسية الكبرى. وبري بهذا المعنى حليف رئيسي تحرص دمشق على دوره، اياً تكن ملاحظاتها على ادائه، انطلاقاً من تجاربها معه في حركة "أمل" ابان الاجتياح الاسرائيلي للبنان ثم اسقاط اتفاق 17 أيار مايو ومواجهة سلطة الرئيس السابق أمين الجميل، الى غيرها من المحطات، التي لا يلغي الانتقاد السوري لبعض مواقفه، مفعولها وتاريخها اللذين جعلا منه حليفاً رئيسياً. وهي لا تريد ان تورث الرئيس الجديد تجاذباً بين الرئاستين الثانية والثالثة فتجعله رهينتهما منذ الآن. - ان مرور علاقة بري مع دمشق بمرحلة جفاء، يذكر بالاشكالات التي كانت تحصل بينها وبين حلفائها الآخرين حين كانت تقول عن الرئيس الياس الهراوي، اذا هدد بالاستقالة: "فلان" من المرشحين جاهز، وعن الرئيس الحريري حين يعتكف او يذهب بعيداً في الاعتراض: الرئيس سليم الحص موجود، وعن الوزير وليد جنبلاط حين يتمرد: هذا طلال أرسلان موجود. الا ان جميع هؤلاء بقوا في امكنتهم ومكانتهم لديها، تحت عنوان الحليف الرئيسي او الذي لا بديل منه او الاول مهما تدلّل او اخطأ او اصابه الشطط... - ان دمشق تهتم للتوازن على الساحة الشيعية. فمع تسليمها بحجم "حزب الله" ووزنه، الامر الذي يقلق بري، في الطائفة، فهي ليست في وارد ترجيح اي فريق على آخر. بل تهتم لتصحيح الامور داخل حركة "أمل"، التي ارهقتها مشاركتها في السلطة لإحداث التوازن. وليس مصادفة ان يأتي موعد بري مع الاسد قبل يومين من مؤتمر الحركة الهادف الى تجديد هيكليتها ودمها، خصوصاً ان رئيس المجلس سعى في مهرجان ذكرى تغييب الامام موسى الصدر آخر الشهر الماضي، الى فتح الباب ولو خجولاً امام النقد الذاتي واعداً بتغييرات، ما دامت المراجعة النقدية والوعد بالعودة عن الخطأ موجة عارمة هذه الايام لدى اركان العهد الحالي المشارف الانقضاء. وسبق تحديد موعد زيارة بري اتصالات مهدت لها، تناولت ما يعتزم القيام به من تغييرات في الاداء، وتولاها مقربون منه مع كبار المسؤولين السوريين. - ان دمشق تعتبر في كل الاحوال ان لبري دوراً محورياً في الاستحقاق الرئاسي وفي اخراج الخيار الذي سيسلكه الرئيس الاسد بالنسبة الى الرئيس اللبناني العتيد وبالتالي لا بد من ان تتشاور واياه في ظروفه وتزيل ما تلبد معه قبل ان يحين موعد الجد.