يقول العارفون بخلفية الانتقادات التي يوجهها «حزب الله» إلى الرئيس اللبناني العماد ميشال عون بأنه يبتعد عن محور الممانعة والمقاومة الذي جاء به رئيساً للجمهورية، إن انزعاج الحزب من بعض المؤشرات في هذا الشأن هو الذي يقف وراء العقد التي تحول دون تسريع تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري. ويعتبرون أن الخلاف على الحقائب والأوزان في التركيبة الحكومية العتيدة هو رأس جبل الجليد لقضية جوهرية أكثر من إسناد هذه الحقيبة أو تلك إلى هذا الفريق أو ذاك. ويرى هؤلاء أن مشكلات التوزير والحقائب هي الغطاء لتوجس من العهد الجديد حول توجهاته الإقليمية أكثر مما هي الحصص الحكومية. وتسرد الأوساط المطلعة على موقف الحزب جملة ملاحظات لم تخفها قيادته أمام بعض الحلفاء، وتظهر في بعض ملاحظات الركن الثاني في الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري الذي يتولى التفاوض بالنيابة عن الحزب حول الحكومة. ومن هذه الملاحظات: التنسيق مع سورية 1- إن الرئيس عون أخذ يتصرف على أنه يتولى تشكيل الحكومة بالاتفاق مع الرئيس الحريري وفقاً للصلاحيات الدستورية المعطاة له من دون الأخذ في الاعتبار موازين القوى في البلد، كما لو أن الأمور عادت إلى ما قبل اتفاق الطائف من جهة أو أن المعايير التي اعتمدت في تشكيل الحكومات في السابق صرف النظر عنها. فالحزب حين دعم ترشيح عون للرئاسة زهاء 3 سنوات لم يفعل ذلك حتى يكون للرئيس الجديد شيك على بياض في توجهاته الخارجية في الرئاسة. وأكثر ما أزعج الحزب الذي يتشارك في هذا الانزعاج مع القيادة السورية، هو أن الجانب السعودي تولى الإعلان عن أن عون أبلغه أن الزيارة الأولى التي سيقوم بها خارج لبنان ستكون للمملكة العربية السعودية فور تشكيل الحكومة. وينقل المطلعون على موقف الحزب عن قادته اعتبارهم أن الإقبال السعودي على لبنان لا يبرر لعون أن يتجاهل الواقع الإقليمي الحالي ويدير الظهر لسورية في علاقاته الخارجية في وقت اعتبرت قيادتها أن توليه الرئاسة حصل نتيجة إصرارها والحزب على دعم ترشيحه طوال هذه المدة. ويسأل هؤلاء: لماذا تكون الزيارة الأولى للمملكة ولا تكون مثلاً للفاتيكان أو لدولة أوروبية، أو لسورية؟ وحلفاء القيادة السورية ينقلون عنها كلاماً أكثر وضوحاً بأن عليه افتتاح زياراته الخارجية بالعاصمة السورية. ويؤكد العارفون أنفسهم أن جلسة التقويم التي تردد أنها عقدت بين قيادة الحزب وبين الرئيس السوري بشار الأسد قبل زهاء 10 أيام تناولت هذه الأمور، وأن المخاوف من تحول سياسة العهد عن تحالفاته الإقليمية، بدأت تظهر ملامحها لدى الحزب وأخذ يراقبها قبل انتخاب عون، أي بعد استدارة الحريري نحو خياره، وتعززت بعد المعلومات التي ذكرت أن اتفاقاً جرى مع زعيم «المستقبل» على ألا يزور الرئيس الجديد سورية إلا بعد الحل السياسي فيها واتضاح هوية النظام الذي سيحكمها، كما لمح إلى ذلك الحريري نفسه في خطاب دعمه خيار عون. وهذا التوجه يعاكس ما يعتبره «محور المقاومة» انتصاراً له في الرئاسة يواكب الانتصارات التي يحققها في سورية بالتحالف مع روسيا. ولذلك نقل بعض مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات لأحد النواب السوريين من الذين ينطقون عادة بكلام يعكس موقف القيادة، تحذر عون من الابتعاد عن سورية. ويتوقع هؤلاء أن تطرح على طاولة البحث مسألة التنسيق اللبناني الرسمي والحكومي مع الحكومة السورية في شأن قضية النازحين وغيرها من القضايا الأمنية والسياسية، في شكل علني كما طالب بذلك رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد الأحد الماضي. وينوي الحزب مع دمشق إنهاء الانقطاع الرسمي بين بيروتودمشق. القرار لمن في الحكومة؟ 2- الريبة من تحالف عون مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قبل الانتخاب، نظراً إلى موقف الأخير العدائي حيال الحزب داخلياً وخارجياً. وهو تعزز بعدها حين كشف توزيع الأحجام والوزارات في الحكومة عن اتفاق الفريقين على حصة «القوات» الوازنة في التشكيلة الحكومية والذي شمل توليها حقيبة سيادية ثم التعويض لها عن إحداها (الدفاع) نتيجة اعتراض الحزب وبري بإسناد حقيبة الأشغال ونيابة رئاسة الحكومة إليها. وازداد الانزعاج لدى الحزب وفق قول المطلعين على موقفه عندما أنكر فريق عون وجود هذا الاتفاق مع أن «القوات» لم تتوان عن المجاهرة بوجوده. ويقول هؤلاء أن الحزب اشتم سلوكاً غير مريح ناجم عن القوة المستجدة للمكون المسيحي، نتيجة التحالف العوني- القواتي، أخذ العهد يوظفها في التعاطي مع الآخرين في تشكيل الحكومة وصولاً إلى التلويح بأنه يعطي مهلة للأجوبة عن التشكيلة الحكومية، وأنه قد يلجأ إلى إعلان الحكومة على رغم الاعتراضات عليها، في وقت لا مجال لذلك على الصعيد الدستوري إذا كان الرئيس المكلف ليس في هذا الوارد. فالوزن المسيحي الجديد في الرئاسة نتيجة تفاهم الفريقين المسيحيين الأقوى لا يعني أن الرئاسة قادرة على استعادة القدرة على فرض ما تريد بمعزل عن التوازنات المطلوب مراعاتها، وتقتضي الأخذ بمطلب تمثيل الحلفاء المسيحيين الآخرين في «تيار المردة» إضافة إلى «الحزب السوري القومي الاجتماعي» والنائب طلال أرسلان. ويذهب بعض هؤلاء العارفين بهواجس الحزب إلى حد القول أن نصيحته برفع عدد وزراء الحكومة من 24 إلى 30 وزيراً تهدف إلى ضمان حصول الثنائي الشيعي وحلفائه على ثلث أعضاء الحكومة، عبر إضافة وزير مسيحي من حصة «القوات» أو عون إلى الوزراء التسعة (6 شيعة و1 للمردة و1 للقومي وأرسلان) بحيث يكرس مبدأ الحصة الوازنة للمحور الذي ينتمي إليه في شكل يمكنه أن يرفعها إلى الثلث المعطل في الحكومة المقبلة، بعد الانتخابات، مراهناً على أن يربح عدداً أكبر من النواب. واستناداً إلى ذلك فإن الحديث عن حقيبة «المردة»، سواء كانت التربية كما يقترح عون والحريري، أم واحدة من ثلاث هي الطاقة أو الأشغال أو الاتصالات، ليس إلا وجهاً من وجوه الخلاف على القرار لمن في تأليف الحكومة، خصوصاً أن الرئيس بري يقول فليعطونا نحن والوزير سليمان فرنجية الأشغال والتربية ونحن نقرر لمن تذهب كل منهما بدلاً من إسناد الأشغال إلى «القوات». فبري يرفض أن تبقى حقيبتا الطاقة والخارجية مع «التيار الوطني الحر»، وألا تبقى الحقيبتان اللتان كانتا ل «أمل» في الحكومة المستقيلة. يرمز كل ذلك إلى معادلة، في اعتقاد العارفين بموقف الحزب وهي أن «التوهم» بإمكان استيلاد الحكومة باتفاق بين عون والحريري وبالاستناد إلى العودة السعودية إلى القرار اللبناني، يقابله إصرار على أنها لن تولد إلا على الطريقة السورية القديمة، أي بأن تأخذ جواز المرور من الفريق الأكثر تأثيراً في لبنان، لكن بإداة «حزب الله» هذه المرة بدلاً من ضابط المخابرات السوري. 3- إن الحزب قلق من التفاهمات التي يقوم بها الوزير باسيل على الصعيد الخارجي، سواء مع الدول الغربية أم مع الدول الخليجية، وهذا سبب الحملة الإعلامية عليه. ف «حزب الله» يركز في انتقاداته لباسيل على هدف يتجاوز حرصه على تجنب الاختلاف مع العهد الجديد منذ انطلاقته، إلى خشيته الجدية من اتفاقات يعقدها مع القوى الخارجية المعادية للحزب، في وقت تستمر دول غربية وعربية في عقوباتها على الأخير. أما في دمشق فإن ما ينقل عن الحلقة الضيقة المرتبطة بالقرار هو أن باسيل «غير موثوق به». ويلفت المطلعون على موقف قيادة «حزب الله» إلى أن الحملة على باسيل جاءت بعد الاتصال الذي جرى بين الرئيس عون وبين الأمين العام للحزب في 21 الجاري، بناء لطلب الأول، والذي تردد أن الجنرال أكد فيه أن الرئاسة لن تغير تحالفها مع الحزب، ويرتكزون إلى معطيات مفادها أنه كان لبعض العواصم الغربية ومنها واشنطن دور في ترجيح خيار عون، في الاتصالات مع جهات إقليمية عدة.