بث تلفزيون "هيئة الإذاعة البريطانية" بي. بي. سي ليل أول من أمس تحقيقاً عن مزاعم بتورط جهاز الاستخبارات الخارجية "أم. آي. 6" في مؤامرة مزعومة لاغتيال الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي عام 1996. وخلص برنامج "بانوراما" الذي بثّته ال "بي. بي. سي" بعد اتفاق مع وزارة الداخلية على حذف أجزاء منه، إلا ان ثمة مؤشرات عديدة تدعو الى اجراء تحقيق في الدور المزعوم ل "أم. آي. 6" في مؤامرة اغتيال القذافي. وكان بث التحقيق تأجل ليلة من الخميس الى الجمعة بعد تهديد وزارة الداخلية بممارسة حقها في "تكميم فم" وسيلة اعلامية يمكن ان تسبب معلوماتها خطراً على الأمن القومي او كشفاً لأسرار الدولة. وبعد مفاوضات مكثفة بين الطرفين اتُفق على بث البرنامج ولكن بعد حذف قرابة ربعه. وفُهم ان الاجزاء المحذوفة تتعلق بمعلومات قد تؤدي الى كشف هوية عميل ل "أم. آي. 6". وأجرى البرنامج لقاء طويلاً مع عميل سابق لجهاز الاستخبارات الداخلية "أم. آي. 5" يدعى ديفيد شايلر أكد فيه ان "أم. اي. 6" دفعت قرابة مئة الف جنيه استرليني 160 الف دولار الى "عميل ليبي" في جماعة اسلامية لقتل القذافي. وأُجري اللقاء مع شايلر قبل اعتقاله في باريس الأسبوع الماضي بطلب من لندن التي تريد محاكمته بتهمة كشف أسرار الدولة التي حصل عليها من خلال عمله في المكتب المعني بملف ليبيا في "أم. آي. 5". وقال شايلر انه كان يلتقي باستمرار ضابطاً في "أم. اي. 6" عرّفه باسم "ب. ت. 61. ب"، وان هذا الضابط كان يتكلم علناً عن علاقته بعميل ليبي أُطلق عليه اسم "تنويرث" وعن مؤامرة لقتل القذافي. وأضاف انه يعتقد ان التقرير الذي تضمّن الخطوط العريضة لخطة قتل الزعيم الليبي والذي أُطلق عليه اسم ملف "سي. أكس." وُزّع على دوائر في الحكومة البريطانية، وان وزارة الخارجية التي يتبع اليها جهاز "أم. اي. 6" تلقت على الأرجح نسخة منه. ومعروف ان "أم. اي. 6" تستطيع تنفيذ عمليات اغتيال في الخارج شرط الحصول على إذن من وزير الخارجية. وتولى الوزارة إبان فترة تنفيذ المؤامرة المزعومة مالكولم ريفكند من حكومة المحافظين السابقة. وقال شايلر، في المقابلة، ان العميل الليبي "تنويرث" ناقش مع ضابط "أم. اي. 6" "ب. ت. 61. ب" تمويل عملية اغتيال القذافي. وعالج التحقيق قضية تبني "الجماعة الاسلامية المقاتلة" الليبية عملية كانت تستهدف اغتيال القذافي في سرت في اواخر شباط فبراير 1996، والمعلومات التي نشرتها "الحياة" في حينه عن العملية. وكانت "المقاتلة" أعلنت في بيان في السادس من آذار مارس 1996 ان مجموعة منها حاولت تنفيذ عملية لاغتيال القذافي في سرت، لكن العملية اُلغيت في اللحظة الأخيرة لأن القذافي لم يأت الى المدينة بعكس ما كان متوقعاً، غير أن المجموعة اصطدمت مع قوات الأمن خلال انسحابها مما أدى الى مقتل ثلاثة من أفرادها قدّم البيان أسماءهم في حين نجح الرابع في الفرار. وتأسست "المقاتلة" في تشرين الأول اكتوبر 1995 من ليبيين قاتل معظمهم في أفغانستان مع المجاهدين ضد القوات الروسية. ووقّع بياناتها الأولى عبدالله الصادق. وتصدر بيانات "المقاتلة" حالياً باسم الناطق الرسمي بلسانها عمر راشد. ولا يُعرف اذا كانت هذه الأسماء حقيقية أم لا. ومعلوم ان بريطانيا نفت ادعاءات شايلر بعدما تسرّبت للمرة الأولى في صحيفتي "نيويورك تايمز" و"الغارديان" قبل أيام. ونقلت وكالة "رويترز" عن ناطقة باسم وزارة الخارجية البريطانية قولها ان "الادعاء الاساسي بوجود مؤامرة رسمية لاغتيال القذافي غير صحيح". وقال جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني "ام. اي. 5" الذي كان يعمل فيه شايلر في كتيب صدر أخيراً عن عمله الداخلي انه "لايقتل الناس او يرتب لاغتيالهم". لكن شايلر رسم صورة مختلفة تماماً لاجتماعه مع مسؤولين كبار من كل من "ام. آي. 5" و"ام. آي. 6". وقال شايلر في المقابلة ان "عشرات الالاف من الجنيهات من اموال دافعي الضرائب استخدمت في محاولة لاغتيال رئيس دولة اجنبية". ويخشى أقارب ضحايا كارثة لوكربي ان يكون توقيت تصريحات شايلر سيئاً. ووجهت واشنطنولندن الى ليبيين يشتبه بتدبيرهما تفجير طائرة ركاب اميركية فوق لوكربي اسكوتلندا في كانون الاول ديسمبر عام 1988 مما ادى إلى قتل 270 شخصاً، اتهامات بزرعهما القنبلة على متن الطائرة. وفرض قرار اصدره مجلس الامن في 1992 حظراً على الرحلات الجوية وعلى ارسال اسلحة الى ليبيا وخفض العلاقات الديبلوماسية مالم تسلم طرابلس المشتبه فيهما لمحاكمتهما في بريطانيا والولايات المتحدة. وقال شايلر في هذا المجال: "اعتقد انه لا توجد اي فرصة لتسليم الرجلين. اعتقد انه سيكون من الافضل بكثير ان تنشر الحكومة البريطانية الادلة كاملة وتقول ان هذا ما لدينا ضد النظام الليبي". ويحاول شايلر المحتجز حالياً في زنزانة انفرادية في أحد سجون باريس وقف تسليمه الى بريطانيا.