عدا الإعلان المفاجئ لانسحاب السيد مارك مولر في حفلة افتتاح الدورة الحادية والخمسين لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي، بعد إدارته هذه التظاهرة في السنوات الست السابقة، بدا كل شيء طبيعياً وكما كان مرسوماً له. لكن صدمة القرار أثرت في المشاركين في المهرجان الذي يعتبر معلماً ثقافياً لهذه المدينة الغافية على أقدام جبال الألب والمحتضنة بحيرتها الشهيرة. الخلافات الحادة حول وجهة وبرمجة هذا المهرجان كانت وراء هذا القرار، وعند سؤالنا السيد مولر عن الموضوع فضل عدم الإجابة قائلاً: "ان من السابق لأوانه مناقشته والمهرجان في أيامه الأولى". الموضوع شأن داخلي لإدارة المهرجان وهي التي تحسمه لاحقاً. اما الافتتاح فكان مع العرض الأوروبي الأول لشريط الأطفال "مولان" للاميركيين باري كوك وتوني بانكروفت اللذين سبق وان قدما "علاء الدين" و"الملك الأسد". و"مولان" مقتبس من الفولكلور الصيني، ويدور حول شابة تتلبس زي المقاتلين لمنع والدها العجوز من الذهاب الى جبهات القتال. شركة والت ديزني اهتمت بتوظيف الديكورات والملابس والرسوم والموسيقى. وفي خانة المسابقة الدولية 20 فيلماً، منها فيلم "الظلمة" للفرنسي فيليب غراندري، وهو الشريط الروائي الأول له بعدما عرف في مجال الأفلام الوثائقية. ويدور "الظلمة" حول شاب يتورط في سلسلة جرائم قتل بشعة الى ان تتكشف خباياه السوداء عند تعرفه بالصدفة على فتاة. يضع المخرج في هذه العلاقة ثقل فيلمه، فكلما تزداد الفتاة معرفة بأسرار هذا الشاب كلما يمعن في حبها، لكن المراحل النهائية للفيلم جاءت غير موفقة وخاوية، ما دفع نصف الجمهور للخروج من القاعة، ما يذكر بتجربة الكندي ديفيد غروننبرغ في "الصدمة". ومثله شريط "شجرة الكرز" للاسباني مارك روشه، جاء ثقيلاً وفاقعاً، إذ يتناول رتابة وتشابك شخصيات تتقاسم العيش في قرية قرب فالنسيا، ويعقد مقارنة بين القرية وصخب المدينة وفوضاها، فالطبيب مارلي يقرر فجأة الانتقال الى المدينة والتقاعد، بسبب إصابته بسرطان الحنجرة، لا يبوح بذلك إلا آخر الفيلم للطبيب الذي يحل محله. وهناك الشابة دولارس عاملة المخبز التي تعيل أخاها وجدتها بعد ان تركت والدتها العائلة لتلتحق بالسيرك. ودولارس ضائعة بين شابين لا تعرف أيهما تحب، وبين ان تتقرب من الطبيب القادم حديثاً لهذه القرية الرتيبة. لكن النهايات تتبدل، فشجرة الكرز ثابتة ومصدر الحكايات يتقطع، وتقع دولارس في حب الطبيب. لكن شريط "رقصة التراب" للإيراني أبو الفضل جليلي أعاد بعضاً ممن نفرتهم حبكات الافلام السابقة والطقس الحار. ترك المخرج لكاميرته وبقليل من الحوارات المبتورة، العربية والكردية، تبوح بما هو قابع في قرية نائية في جنوبايران تمتهن صناعة الطابوق وتخاف المطر. وغلف المخرج حبكة شريطه بقصة حب بين صبي وطفلة وببعض السعادات الوقتية عندما يبتاع رجال القرية أساور لزوجاتهم ويقضون أوقات الفراغ في مقهى يتبادلون النكات السمجة بلغات ولهجات مختلفة. أما الألماني هانس - كريستيان شمد، فقارب حادثة حقيقية وقعت خلال الثمانينات، قصة شابين يهويان الكومبيوتر. فالشاب كارل، المتمرد على عائلته، يتمكن من دخول مراكز معلومات الشركات الكبرى ودوائر القرار العسكري ومراكز الصناعات الحربية عبر كومبيوتره الشخصي، وعند جمع. المعلومات الخطيرة يقرر بيعها الى KGB. مغامرة كارل سرعان ما تنكشف ويدفع ثمنها غالياً، اذ تتلبسه حالة الشخص الذي يترصده الجميع ويتجسسون عليه.