برز مهرجان فجر السينمائي الدولي في دورته السادسة عشرة مناسبة للاحتفال بالسينما الايرانية الجديدة. ولئن بدت النجاحات العالمية التي حققتها هذه السينما غير كافية في ذهن القائمين على الشأن الثقافي، فقد اختير المخرج سيف الله داد - صاحب شريط "المتبقي" والمقتبس عن رواية "عائد الى حيفا" للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، ووكيل وزير الثقافة للشؤون السينمائية والبصرية - مديراً جديداً لدورة المهرجان الحالية باعتباره أحد أبناء المهنة وخطوة في سياسة الانفتاح التي بدأها السيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية عندما كان وزيراً للثقافة والارشاد الاسلامي. ومن جديد هذه الدورة استحدثت فقرة أطلق عليها اسم "المتابعة الدولية" ووقع الاختيار على 19 شريطاً سينمائياً لدخولها، من بينها ثلاثة أفلام ايرانية وشريط تركي. وخصتها الهيئة المنظمة بلجنة تحكيم دولية مؤلفة من خمسة أعضاء هم المخرج الهندي سانديب راي والمؤرخ والناقد الياباني تاداو ساتو والناقد الفرنسي جان ميشال فرودن والمخرج الايراني عباس كيارستحي ومدير مهرجان لوكارنو السينمائي ماركو مولر. "مسابقة الأفلام الايرانية" ضمت 19 شريطاً سينمائياً جديداً، تراوحت تواريخ انتاجها بين عام 1997 ومطلع 1998. وجاء شريط "التفاحة" شبه الوثائقي للشابة سميرة مخملباف 18 عاماً، ابنة المخرج محسن مخملباف مفاجأة هذه الفقرة من المهرجان ومبشراً بولادة مخرجة جديدة تضاف الى قائمة ابناء جلدتها. فهي تمكنت من سرد حالة واقعية تناقلتها الصحف المحلية بقدر من الجرأة والاقتصاد في التعبير السينمائي. وقاربت، كونها شابة، يوميات صبيتين 11 و9 سنوات تعيشان مع والدة بصيرة ووالد عجوز عاطل عن العمل. وحملت الأب مسؤولية الحيف الذي لحق بهاتين الصبيتين وحرمانهما من لهو الطفولة البريئة، والمتمثل في اللعب مع أولاد شارع الحارة. وسعت دائرة نقدها لينصب على النظرة الضيقة التي دفعت بالأب، بحكم احساس الخوف والجهل، الى سجن ابنتيه طوال غيابه في البيت. لكن زيارات المرشدة الاجتماعية المتكررة لبيت تلك العائلة ومواجهتها وانتقادها لسلوك الأب، يوقظ في الجيران نوعاً من التقصير يخرجهم من عدم مبالاتهم بتلك القضية الى مساندة المرشدة والوقوع مع الصبيتين. ولئن كانت حياة الطفولة مبعث قلق وانشغال المخرجة سميرة، فإن شريط "حب الأم" للمخرج كمال تبريزي يصب هو الآخر في الاطار نفسه، ولكن من زاوية مختلفة. فالمخرج يضع اصبعه على حالة صبي مشرد، صاحب سوابق جرمية. فهو نزيل اصلاحية ويجد تعويضاً لفقدانه والدته يحلم بها على شكل صورة ملائكية عبر مدرسته، الزائرة الاجتماعية. وما ان تتطابق مواصفات تلك الزائرة في ذهن الصبي مع الصورة التي يحملها ويحلم بها، حتى يقرر الهرب من الاصلاحية ومتابعة المعلمة يومياً من اجل تبنيه. وأثار الحاح الصبي في المرشدة أوجاعاً، فهي أم لطفلة تعيش وحيدة، ولا تعرف مصير زوجها الا من خلال صورة يتيمة تختزل غيابه. فالمخرج أراد ان يصل الى حاجة الصبي والمرشدة والجميع الى الحب والحنان. ومن دونهما يواجه المجتمع خسائر وانكسارات. وشكلت لجنة تحكيم خاصة بهذه الفقرة وتكونت من الممثل البارز عزت الله انتظامي، الذي خصته الدورة بتحية إكبار وستعرض أفلامه التي تغطي مراحل سيرته الفنية وتمتد منذ نهاية الستينات وحتى اليوم. اضافة الى الناقد كيومارس بور أحمد والمخرج أحمد رضا درويش والناقدة والمنتجة فرشتي طاربور والمخرج مجيد مجيدي. وفي مجال التكريم ستعرض أفلام الممثل انطوني كوين، الذي كان من المفترض ان يحل ضيفاً على المهرجان الا انه اعتذر في اللحظات الأخيرة. وكذلك أفلام المخرج البولوني الراحل كريستوفر كيسلوفسكي، أفلام الأميركي الجنسية النمسوي الأصل فريد زينمان، أحد رموز الواقعية الكلاسيكية في السينما الأميركية. وستعرض الأفلام التي وضع موسيقاها التصويرية الايطالي انيو موركيوني وهي "مرة حدث في أميركا" و"معركة الجزائر" و"من اجل حفنة من الدولارات"، اضافة الى أفلام المصور والمخرج الحربي الايراني ابراهيم حاتمي كيا.