في عالم أجهزة الكومبيوتر الضخمة يتقلص فارق الوقت كثيراً بين صنع أسرع كومبيوتر في العالم وبين تحوله إلى خردة معدنية. لكن تحول جهاز كومبيوتر ضخم إلى جهاز قديم لا يتماشى مع التطورات التقنية المتسارعة ويفتقفر إلى أحدثها، لا يعني بالضرورة أنه لم يعد ذا فائدة. ومعلوم ان عدداً كبيراً من هذه الأجهزة الضخمة صار مهملاً وموضوعاً في غرف قلما تُستخدم، لكن عدداً قليلاً منها معروض في منازل خاصة وكأنه تحف فنية نادرة. وفي الامكان جعل جهاز من هذه الأجهزة آلة تدفئة أنيقة. ويدرك الجميع ان أجهزة الكومبيوتر الضخمة ستصبح يوماً ما عديمة الفائدة، أو على أقل فائدة مما كانت عليه وهي جديدة. ويعود ذلك إلى ما يُسمى بقانون مور. فمنذ ثلاثة عقود قال غوردن مور، الذي شارك في تأسيس شركة "انتل كورب"، ان من الممكن مضاعفة عدد الترانزيستورات التي تُركب على قطعة واحدة من السيليكون شريحة كل عام ونصف عام. وبناء عليه، صارت أجهزة الكومبيوتر الشخصية حالياً أسرع من الكومبيوترات الضخمة التي كانت قيد الاستعمال قبل فترة وجيزة نسبياً، مع ان الأجهزة الضخمة تكلف أكثر من الأجهزة الشخصية بعدد كبير من آلاف الدولارات. ومعلوم ان حياة أي جهاز كومبيوتر ضخم يكلف ما يتجاوز 30 مليون دولار، ربما لا تتجاوز عادة خمس سنوات، وربما أقل من ذلك بكثير. ويقول جاك دونغارا، عالم الكومبيوتر الناشط من جامعة تينيسي، الذي يدّون لائحة سنوية بأسرع 500 جهاز كومبيوتر في العالم، انه يشطب نحو 250 جهازاً من لائحته كل سنة. وإذا كان الإنسان يحيل فرسه إلى "التقاعد" والرعي بأمان وهدوء من دون تحميله أعباء ثقيلة، إلا أن الشيء نفسه لا ينطبق على الأجهزة الضخمة التي تحال على "التقاعد". إذ أن أحداً لا يهتم، مثلاً، ببرمجة جهاز ضخم ليهيئ فواتير شركة محلية من الشركات. وبات معروفاً ان حياة الآلة قصيرة وبشعة وما من "رحمة" في طريقة انهائها، وهنا يأتي دور الذواقة. ناثان ميرفولد، كبير العلماء الناشطين في شركة "مايكروسوفت" من سياتل في ولاية واشنطن، ويجمع في مستودع يملكه في ضاحية من ضواحي سياتل مجموعة تتزايد من أجهزة الكومبيوتر الضخمة صار عددها الآن ستة، ثلاثة منها من نوع "كراي" الذي انتج في بدء عمليات الانتاج وثلاثة من نوع "كونكشين ماشينز" التي صنعتها شركة "تنكينغ ماشينز كورب". واشتهر جهاز "كراي 1"، الذي صممه المخترع الاسطورة سيمور كراي عام 1976، لأسباب عدة منها أنه يشبه البراد المحدودب، ويحيط به مقعد محشو يسهّل قيام الفنيين بصيانته أو اصلاحه أو الوصول إلى احشائه براحة تامة. وتقل قوة أجهزة كراي الاصلية حالياً، في مجال المعالجة، عن قوة المعالجة في جهاز كومبيوتر شخصي يكلف نحو ألف دولار، ولكن قد حان الوقت لإعادة تأهيل هذه الأجهزة القديمة وإعادة الاعتبار إليها. وينوي ميرفولد حالياً بناء منزل ينافس في ضخامته وفخامته منزل رئيسه بيل غيتس، سيخصص فيه غرفة عامة تتسع لجهاز كومبيوتر ضخم. ويقول ميرفولد: "الشيء الجميل هو ان هذا الجهاز سيكون أغلى مقعد في العالم". وكان ميرفولد اشترى أجهزته كخردة أو لقاء بضعة آلاف من الدولارات. وليس ميرفولد وحده، بين مصممي أجهزة الكومبيوتر، ينظر بايجابية إلى تحويل الأجهزة إلى أثاث. فمنذ فترة قصيرة علم بورستر كال، أحد مؤسسي شركة "تنكينغ ماشينز كورب"، ان أحد أجهزة الشركة، التي هي من نوع كونكشين ماشينز، مهمل في طابق تحت أرض قسم علوم الكومبيوتر في جامعة ييل العريقة، وكان من أسباب هذا المصير الذي آل إليه هذا الجهاز "اكتشاف" المعنيين أن تشغيل الأجهزة الضخمة القديمة يكلف مبالغ طائلة. فجهاز "كراي 1" يكلف 30 ألف دولار شهرياً لاستهلاكه من الطاقة الكهربائية، و30 ألفاً أخرى لتغذية نظام التبريد فيه، بحسب داغ سبايسر، من المركز التاريخي الخاص بمتحف الكومبيوتر في بلدة ماونتن فيو في ولاية كاليفورنيا. لكن كال لم يعبأ بتكاليف التشغيل الباهظة واشترى جهاز كونكشين ماشينز لقاء 500 دولار، ثم انفق نحو ألف دولار على نقله من الجامعة. وينوي كال فعل الكثير بجهازه الذي يحتوي آلاف الأضواء التي تومض وتنطفئ، والذي يتناسب مع سفينة الفضاء انتربرايز ويُستحسن ان يكون فيها، لا حيث هو الآن. ويقول كال: "الجهاز ضخم جداً وأنا اعتقد انني بحاجة إلى غرفة مؤتمرات لأعرضه فيها أو ربما احتاج إلى توسيع غرفة الجلوس في منزلي المقبل". ولم يمنع صغر غرفة الجلوس في منزل دان لينش من تملكه لجهاز "كراي 1" الذي يقول عنه إنه موضوع كتحفة فنية في مزرعة يملكها في منطقة نابا فالي، مع عدد من سيارات شفرولية التي انتجت عام 1947. ومعلوم ان دان لينش كان من أوائل الناشطين في مجال انترنت وشارك في انشاء شركة سايبركراش، وهو إلى ذلك خبير هاوٍ في شؤون الخمور. منطقة نابا فالي هي أكبر منطقة تنتج الخمور في الولاياتالمتحدة. وعندما كان ستيفن والاش، مصمم أجهزة الكومبيوتر، يعمل في شركة كونفكس، الناشطة من تكساس في انتاج أجهزة الكومبيوتر الضخمة، استخدم في وقت من الأوقات جهازاً ضخماً من نوع "أللاينت" في مكتبه لكي "يحادثه" ويسند منضدته جزئياً. ولكن حتى والاش، الذي كان من المصممين الذين أتى على ذكرهم في الكتاب الذي ألفته تريسي كيدر بعنوان "روح آلة جديدة" نشرته شركة اتلانتيك - ليتل وبراون عام 1982، يقول إنه فوجئ عندما سمع أن شخصاً آخر من الذين يعملون في شركة كونفكس اشترى جهاز "كونفكس سي - 1" كخردة، وبثمن الخردة، ويستخدمه في تدفئة مرأب سيارته.