تشكل حال القلق لدى رئيس الجمهورية الياس الهراوي، ورئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري قاسماً مشتركاً، وان كان لكل منهم اسبابه الخاصة التي تدفعه الى التصرف بقلق تتفاوت نسبته بين هذا الرئيس او ذاك. وتتراوح الاسباب بين قلق دائم على الوضع السياسي العام وآخر حيال اوضاعهم الشخصية ومستقبلهم في التركيبة السياسية مع المجيء برئيس جمهورية جديد، ولا بد من ان يستمر القلق الى حين تظهير صورة الرئيس العتيد. ويبدو ان التوتر المسيطر على العلاقة بين الرئيسين بري والحريري، ما هو الا انعكاس لحال القلق في ظل استبعاد التمديد للرئيس الهراوي الذي بادر في الخطاب الذي ألقاه الخميس الماضي في حفل التأبين الذي اقيم لمناسبة مرور اربعين يوماً على وفاة الرئيس عادل عسيران، الى صياغة برنامج سياسي لرئيس الجمهورية الذي سيخلفه اراد من خلاله التذكير بأنه حاول مراراً وتكراراً ادخال تعديلات على الدستور من دون ان يفلح في تحقيق ما اراده. ومن واكب عودة السجال بين الرئيسين بري والحريري منذ اكثر من اسبوع، يستخلص ان الاسباب تتجاوز تأخر فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي للتصديق على مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب الى التباين في رؤيتهما لطبيعة العلاقة بين السلطتين الاجرائية والتشريعية التي لا يمكن ان تبقى على حالها مع بدء العهد الجديد. فالعلاقة بين المجلس النيابي والحكومة لم تستقر على صيغة ثابتة للتعاون وانما تراوحت بين مد وجزر حفل بتجدد الصراع من حين لآخر، وذلك لغياب المؤسسات التي يفترض الاحتكام اليها للنظر في الخلافات العالقة او المحدثة لئلا يتطور التباين الى صراع شخصي على غرار ما نشهده في الوقت الحاضر. وفيما اعتبر الرئيس بري ان حديث الرئيس الحريري لصحيفة "الاهرام" القاهرية شكل خرقاً للتفاهم الذي تم التوصل اليه في القمة اللبنانية - السورية الموسعة المنعقدة في اللاذقية، لجهة التريث في فتح ملف انتخابات الرئاسة وعدم تناوله في الوقت الحاضر وقبل حلول موعده الدستوري حفاظاً على الاستقرار العام وعدم تكرار التجربة المريرة التي مرت فيها البلاد قبل اشهر من التمديد نصف ولاية للرئيس الهراوي، فإن مصادر رئيس الحكومة نفت ان يكون في وارد فتح الملف. وقالت انه ركز في حديثه على المواصفات التي يجب ان يتسم بها العهد المقبل. وأكدت مصادر الرئيس الحريري بأنه غير قادر على البقاء رئيساً للحكومة ضمن المواصفات القائمة اذ ان ادارة البلد في المواصفات نفسها تبدو مستحيلة، وبالتالي لا بد من اجراء مراجعة نقدية تسمح بتجاوز السلبيات لمصلحة تعزيز الايجابيات على قاعدة رسم حدود للتعاون بين السلطات يحول دون العودة الى الاشتباك السياسي الذي كاد يحجب الانظار عن الانجازت التي تحققت طوال حكم الرئيس الهراوي. وسألت المصادر: هل ان حديث رئيس الحكومة عن دور رئيس الجمهورية في علاقته بالسلطة التنفيذية وهو يعتبر رأسها يشكل خرقاً لقمة اللاذقية؟ وأضافت: الا يحق للرئيس الحريري ان يقوّم تجربته في توليه رئاسة الحكومة والتي حفلت بإنجازات كثيرة وتخللتها عثرات ابرزت وجه الخلل الذي يسود العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبالتالي تستدعي التوقف امامها بغية تفادي السقوط فيها، لاحقاً، ناهيك عن الثغرات التي برزت من خلال تصدي الحكومة للملف الاجتماعي والمعيشي. وتابعت: ان الرئيس الحريري يرفض ان يتبرأ من الثغرات التي عابت تجربته على رأس الحكومة وصولاً الى القاء تبعاتها على الآخرين مشيرة الى ان الجميع يتحمل المسؤولية كأساس لمعالجة الاخطاء بدلاً من توجيه الاتهام الاحادي الذي سيبقي المشكلة عالقة. ولفتت الى ان رئيس الحكومة لا يسمح لنفسه بأن يكون في موقع محاكمة او محاسبة للوضع برمته بمقدار ما اراد ان يطلق انذاراً يتوخى منه مبادرة الجميع الى القيام بمراجعة مع الذات لاستخلاص الشوائب التي لا يجوز ان تتكرر. وقالت ان الرئيس الحريري يلقي الضوء على كثير من الامور كانت سبباً في الخلل، لأن ما يهمه استحضار العلاج بدلاً من التركيز على توجيه الاتهامات او اتباع اسلوب السياسة الكيدية الذي يأخذ في معظم الاحيان اشكالاً من القدح والذم وتناول الكرامات. وأكدت ان اي مراجعة للعلاقات بين الرئاسات باتت تستدعي ايجاد ناظم لها يحول دون استمرار التداخل ويوقف المناكفات التي ادت وتؤدي الى عدم فك حال الاستنفار على قاعدة اعادة ترسيم الحدود كإطار لقيام علاقة حسن جوار بالمعنى السياسي للكلمة. ورأت ان الرئيس الحريري لا يتطلع الى الغاء هذا الفريق السياسي او ذاك، وعزت السبب الى ان طبيعة النظام اللبناني لا تسمح بإلغاء احد وانما تضغط في اتجاه تغيير النهج والعقلية السائدة والسلوك السياسي العام. وقالت انه يرى ان وضع البلاد والناس على السواء لم يعد يحتمل وبالتالي لا يمكن التمديد للشكوى التي لن تجد العلاج الناجع لها، بمجرد انتخاب رئيس للجمهورية. والا نكون اسقطنا انفسنا في دوامة ادارة المشكلات التي تعاني منها الادارة والتي لا تتيح للبلد في ان يسترد عافيته الادارية. وفي المقابل، قال وزير بارز ان تجاوز الثغرات، امر لا مفر منه، وان تصحيح الاوضاع سيصب في مصلحة العلاقة اللبنانية - السورية خصوصاً وان دمشق شجعت وتشجع على محاربة الفساد وكان للرئيس السوري حافظ الاسد موقف من هذا الموضوع في حديث متلفز ادلى به عشية زيارته الى باريس. وأكد الوزير ل"الحياة" ان سورية ترفض اعطاء انطباع عن انها تغطي سلوكاً خاطئاً لأي وزير من الوزراء، وان من يلتقي كبار المسؤولين السوريين يسمع كلاماً صريحاً عن ضرورة تحقيق الاصلاح الاداري، باعتبار ان الدولة اللبنانية لا تستطيع ان تبقى واقفة على قدميها من دون تفعيل الادارة وتصحيحها. وختم "علينا التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي من زاوية اقرار الجميع بالاخطاء التي وقعوا بها، وبالاخص بالنسبة الى الادارة شرط العودة الى اجهزة الرقابة واطلاق يدها في محاربة الفساد والقضاء على الرشاوى التي اساءت للجمهورية الثانية وجعلتنا نترحم على الماضي".