أخلى رئيسا المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري ساحة السجال السياسي في لبنان، لتصريحات السياسيين والنواب، تعليقاً على ما حفل به الجدل الذي خاضاه وملأ صفحات الجرائد خلال الايام الاخيرة. وأهم التعليقات على هذا السجال جاء من نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، الذي نقل عنه النائب وجيه البعريني دعوته الى "الحفاظ على وحدة الصف القيادي اللبناني" واعتباره ان "الظروف الراهنة تستلزم التنسيق والتعاون بين الرؤساء والقيادات كافة بدلاً من التناحر وتبادل الاتهامات في شكل يسيء الى لبنان". وعن الاستحقاق الرئاسي قال خدام ان "الامور لا تزال موضع دراسة ومن المفيد توخي الدقة في طرح الموضوع ولا يزال الوقت مبكراً لطرح الاسماء والبدائل". ونقل زوار آخرون للعاصمة السورية عن خدام استياءه من التصعيد الذي شهده السجال بين الجانبين، مشيراً الى الاسلوب الذي استخدمه بري بالقول ان "من غير الجائز لأي من الرؤساء ان يكون مشاركاً في السلطة وان يتحمل غيره المسؤولية، لان هذه مشتركة وتحديداً بالنسبة الى سلسلة الرتب والرواتب، شرط الحفاظ على استقلال السلطات". واضاف خدام ان "الحرب انتهت في لبنان وخرج من المرحلة الانتقالية بعدما عولجت ذيولها وآن الاوان للدخول في مرحلة بناء الدولة". واعتبر ان "السجال يلحق الضرر بالبلد ونحن نمارس احياناً دور الحكم وعندما يخطىء احدهم لا بد من مصارحته اذ لا يجوز ان تترك المشكلات تتراكم بل يجب الدخول في مصارحة لاجراء دور توفيقي وعندما يخطىء غيره نصارحه ايضاً". وعلمت الحياة ان المسؤولين السوريين طلبوا وقف الحملات المتبادلة وترك الاستحقاق الرئاسي الى تشرين الاول اكتوبر المقبل، انما مواصفات الرئيس الجديد تقوم على ان يكون خطه السياسي واضحاً، وان يكون نزيهاً ونظيف الكف وذا سمعة حسنة يرضي غالبية اللبنانيين على ان يشكل انتخابه صدمة ذات وقع سياسي". ونسب الزوار الى خدام قوله "نحن مع رئيس يرضي المسيحيين ولا يقهر احداً في البلد من مسيحيين ومسلمين، اي ان يكون مقبولاً عموماً، وحليفاً لسورية". الا ان مصادر مقربة من الرئيس بري أشارت امس الى ان ما يحصل ليس مزحة والخلاف يدور على نقطة محورية اساسها رفض المجلس النيابي اعطاء رئيس الحكومة صلاحيات استثنائية". وقالت ان بري "كان على علم بكل التمهيدات للتجاذب الراهن وخصوصاً الطريق التي سيسلكها رئيس الحكومة. وسبق لرئيس الجمهورية الياس الهراوي ان أبلغ بري ان الحريري سيمتنع عن توقيع مرسوم فتح الدورة الاستثنائية. وهو في حال انتهى به الامر الى توقيعه في ضوء الحاح الهراوي ومسايرة له سيدير ظهره للمجلس النيابي وسيطلب من الحكومة عدم المثول امامه حتى لو نجح بري في توقيع عريضة نيابية بالغالبية المطلوبة كما قال الحريري للهراوي بالفم الملآن في شكل يضع الكرة امام المجلس الذي يصبح امام خيارين: اما ان يذهب الى آخر الطريق وينزع الثقة من الحكومة غياباً، واما ان يرضخ المجلس للاعتبارات الداخلية والاقليمية. والرئيس الحريري كان متأكداً من حتمية الامر الاخير". واشارت المصادر الى ان بري رد على تهديد رئيس الحكومة "باصدار جدول بمشاريع القوانين ال126 العالقة في المجلس قبل ان يبصر الجدول النور"، سائلاً "كيف يطلب رئيس الحكومة اقرار مشاريع قوانين عالقة وهو يرفض فتح دورات استثنائية؟". ولفتت مصادر بري الى انه ذكّر الحريري بانه أشاد غير مرة بانجازات المجلس في عهد رئاسة بري الى درجة انه قال "ان هذا المجلس يصدر قانوناً كل ثلاثة ايام الا ربع اليوم وهذا رقم قياسي". واوضحت ان بري "استعاد ما حصل اخيراً في مجلس الامة الكويتي في درس جدوى اي مشروع قانون قبل اقراره ملمحاً الى وجوب تطبيقه في لبنان، مشيراً بذلك الى وجوب الطلب من المجلس درس جدوى مشروع القرض الذي تقدمت به الحكومة وقيمته بليونا دولار قبل اقراره. ولفتت اخيراً الى ان بري عدّد المراحل التي قطعها مشروع السلسلة، مشيراً الى اعتكاف الحريري حياله المشروع. وكان نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر زار الرئيس بري مساء امس في المقر الخاص في عين التينة وعرض معه الوضع، في ضوء العلاقة المتوترة بين الرئاستين الثانية والثالثة. ويُنتظر ان يزور المر دمشق اليوم للقاء كبار المسؤولين السوريين وفي مقدمهم خدام. وفي المقابل، وفي وقت أملت الاوساط السياسية ان يؤدي سفر رئيس الحكومة الى سردينيا في اجازة لبضعة ايام، مناسبة تساعد على وقف السجال، رجحت اوساطه الا يصدر مكتبه الاعلامي بعد الآن ردوداً على التصريحات التي تصدر عن اوساط بري، وان البيان الذي صدر الاحد الماضي كاد يمتنع الحريري عن طلب توزيعه على الصحف، وانه عاد فقبل بذلك على ان يتجنب لاحقاً اصدار أي ردّ. في هذه الاثناء، نقل النائب احمد فتفت عن البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير ان "على رئيس الجمهورية العتيد ان يكون أعلى من كل المتاهات وان يكون منفتحاً "لا يمثل طائفته فحسب بل كل اللبنانيين، وان يكون رجل مؤسسات يؤمن بالقانون ويدافع عنه، ويؤمن بفصل السلطات وعدم التدخل في عمل القضاء". وتوقع وزير الاعلام باسم السبع ان "تهدأ العاصفة الكبرى بين الرئيسين بري والحريري لتتبلور من خلالها اتجاهات سياسية جديدة يمكن ان تحكم مسار المتغيرات التي سينتقل اليها لبنان مع الاستحقاق الرئاسي المقبل". ونقل عنه نقيب المحررين ملحم كرم ان "المهم ان يبقى السجال بينهما محكوماً بالخطاب الديموقراطي ولا يتجاوزه الى ما يمكن ان يمس الكرامات الشخصية، وقد تعودنا ان نشهد سجالات مماثلة على ابواب المعارك الرئاسية". ولاحظ ان السجال تجاوز الحدود المتعلقة بسلسلة الرتب والرواتب والدورة الاستثنائية الى كلام يتعلق بالعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية"، آملاً"الا يجر البلاد الى ازمات سياسية واقتصادية مستعصية". واعتبر ان السلسلة "قد تكون اصبحت في مهب الرياح التي انطلقت اخيراً" لكنه توقع ان تقر اما في هذا العهد واما في العهد المقبل، واصفاً حال الدورة الاستثنائية بانها "ليست افضل من حال السلسلة". وقال "صحيح ان ليس هناك ناخب مجلسي كبير في معركة الانتخابات الرئاسية، علماً ان اياً من المتقاصفين بري والحريري لا يشكل مثل هذا الناخب، لكن الصحيح ايضاً ان اياً من هؤلاء لا يمكنه عزل نفسه عن المتغيرات المترتبة على الانتخابات الرئاسية". واعتبر ان "مواصفات الرئيس المقبل هي مواصفات اللحظة الاقليمية المقبلة، وان قراءة سياسية اخرى تكون قراءة في الهواء. وأجزم ان ليس للرئيس الحريري مرشح سوى الذي تنطبق عليه هذه المواصفات على ان يكون ممثلاً حقيقياً للمسيحيين اللبنانيين ومنفتحاً حقيقة على المسلمين". وقال ان الكلام على تعديل المادة ال49 من الدستور "سابق لاوانه". واعتبر النائب بطرس حرب "ان للاستحقاق الرئاسي هذه المرة طابعاً مهماً وخطيراً على اعتبار ان اللبنانيين يشعرون ان استمرار الحال على ما هي عليه اليوم ستدفع بالبلاد نحو الكارثة على الصعيد الوطني او على الصعيد الاقتصادي كنظام". وقال، في حديث الى الاذاعة الاسترالية الرسمية ان "لا أصول للترشح، عملياً، الى انتخابات الرئاسة في لبنان الى درجة ان في إمكان المجلس النيابي انتخاب اشخاص غير مرشحين من دون علمهم، لانعدام الأصول التي تنظم عملية الترشح او تقيّد المجلس النيابي في تقديم اي ترشيح أو قبوله". ورأى ان "هذا ما يدفع اللبنانيين الى انتظار الظروف الاقليمية والدولية والاتفاق السياسي الذي يتم في الخفاء وراء الكواليس ليقال لهم لاحقاً هذا رئيس جمهوريتكم من دون ان يكون لهم اي دور او معرفة بافكاره وبرنامجه وتوجهاته"، معتبراً "ان من الواجب تغيير هذا التقليد". وأكد ان المطلوب رئيس للجمهورية مستعد للتضحية، يدرك انه آت لترؤس ورشة عمل كبيرة في البلاد، ومطلع على مشكلاتها السياسية، وقادر على حلها ومدرك الثغر الموجودة في نظامنا، ولديه اطلاع ايضاً على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهنا". وختم "ان الواجب يقضي بنقل العملية الديموقراطية من ملف الكواليس ومن تحت الطاولة ومن السر الى العلن لتتم بشفافية وليتسنى للشعب مواكبة العمل السياسي والاستحقاقات الرئيسية، كاستحقاق رئاسة الجمهورية، ومن واجبنا، احتراماً لهذا الشعب، اشراكه في هذه العملية حتى لا يكون متفرجاً ليعرف لاحقاً من هو الذي "قرروه" رئيساً له". واعتبر النائب محمد كباره ان "الوضع الاقتصادي الاستثنائي الذي تعيشه البلاد يتطلب حلولاً استثنائية واعادة تقويم لكل منطلقاتنا، وان أولوياتنا الاقتصادية يجب ان تهدف الى تأمين العدالة الاجتماعية والعدالة المناطقية". ودعا النائب رشيد الخازن النواب الى "ضرورة تحمل مسؤولياتهم كسلطة رقابة لعدم اتهام المجلس النيابي بالمشاركة في التجاوزات المرتكبة على حساب مصلحة الشعب". واضاف "اننا وكل الغيارى على سمعة الحكم والحكومة والمجلس والنظام الحر أصبنا بالهلع من جراء استمرار هذا الوضع بين حكومة صورية ورئيس حكومة متهم ورئيس مجلس نيابي يوجه الاتهامات في صورة علنية الى رئيس هذه الحكومة، فيما دور المجلس النيابي اساساً محاسبة السلطة التنفيذية". ورأى ان "استمرار هذا الوضع المتردي في ظلّ استمرار تبادل الاتهامات وعدم تحرّك المجلس النيابي والقضاء للتحقيق، حال مرضية خطيرة بات يعانيها الحكم والحكومة في آن".