في كل القطاعات الفنية من المسرح الى السينما وفي كل فروع الآداب، ثمة نقص فادح في الكتب والمراجع التي يحتاج اليها كل باحث ومتتبع لهذا الفن أو ذاك. ويبلغ هذا النقص أوجه في مجال الكتب الموسيقية أكانت تتناول رموزاً يعملون في الموسيقى أم كتباً تتناول الموسيقى نفسها كأشكال مناهج وغيرها، وهي أمور يحتاج اليها الطالب في دراسته. ومن الطبيعي أن يحظى أي كتاب موسيقي جديد باهتمام خاص من قبل المهتمين بالشأن الموسيقي، وأخيراً أصدر الباحث والمؤرخ فكتور سحاب كتاباً جديداً عنوانه "أغنيات نزار قباني" وأرفق بالكتاب 4 أشرطة كاسيتات تتضمن الأغنيات التي غناها المطربون من كلمات الشاعر الراحل. الكتاب صدر عن "دار الحمراء" ونشير الى أن الدار المذكورة سبق أن أصدرت لسحاب قبل أشهر قليلة وفي سلسلة "اقرأ واسمع" كتاباً قيّماً عنوانه "الأنواع والأشكال في الموسيقى العربية" وهو مرفق أيضاً بأربعة أشرطة كاسيتات يشرح فيها سحاب للقارىء وبشكل مفصل محتويات الكتاب، وهذا الكتاب هو الأول في هذه السلسلة وستتبعها كتب أخرى. وبعد رحيل نزار، وجدت الدار فرصة لتكريمه من خلال هذا الكتاب. يتناول كتاب سحاب تحليلاً موسيقياً للقصائد التي كتبها نزار ووصلت الى الجمهور بأصوات وألحان رائعة من فيروز الى نجاة وماجدة الرومي وأم كلثوم وكاظم الساهر. ومع أن سحاب لم يبحث في شعر نزار بعيداً عن الموسيقى الا أنّ ارتباط الكلمة والشعر بالإيقاع والموسيقى فرض عليه بشكل أو بآخر أن يقول رأيه في أكثر من مكان في أهمية وقيمة وفرادة الكلمة لدى نزار على المستويات كافة. وفي احصاء سحاب يتبين أن هناك 24 قصيدة لنزار تحولت الى أغنيات غناها كبار المطربين والمطربات العرب منهم عبدالحليم حافظ "قارئة الفنجان" و"رسالة من تحت الماء" من ألحان محمد الموجي و"لا تسألوني ما اسمه" و"لقد كتبنا وارسلنا" و"وشاية" لفيروز والرحابنة و"أيظن" و"أسألك الرحيل" و"الى حبيبي" لنجاة الصغيرة، ومحمد عبدالوهاب و"أصبح عندي الآن بندقية" لأم كلثوم وهي أيضاً من ألحان محمد عبدالوهاب و"مع جريدة" و"بيروت" لماجدة الرومي صوتاً وجمال سلامة تلحيناً وسواها... وبشكل مفصّل يتناول فكتور سحاب بالتحليل الموسيقي كل أغنية من هذه الأغنيات وهو يقول في مقدمته عن علاقة الموسيقى والشعر نقلاً عن حوار أجراه مع الشاعر قبل رحيله "تمتاز موسيقى الشعر العربي عن موسيقى الشعر الأوروبي بغنى الإيقاعات فيها، فمقابل ست عشرة نواة للشعر العربي هناك نواة موسيقية وحيدة في الشعر الأوروبي". ويعتبر سحاب ان شعر نزار احتفظ بموسيقى الشعر العربي وبقدرته على الهام المحلنين وبقابلة الشعر للتلحين شكلاً قبل البحث في مضمون الشعر. ويرى سحاب أن نزار لم يتزلف ولم يتنازل ولم يعتمد التقرب الى المعايير الدارجة التي يستخدمها كتاب الشعر الغنائي بلا ظل طبيعياً و"شاعراً" أولاً وأخيراً. ويعتبر سحاب أن أغنيتي "رسالة من تحت الماء" و"قارئة الفنجان" لعبدالحليم ألحان الموجي هما "من أرقى هذه الأعمال من الناحية الموسيقية" كما أن قصيدة "أيظن" التي غنتها نجاة عام 1960 وابتكر فيها عبدالوهاب نمطاً جديداً من الغناء العربي هي أغنية قصصية وتبعتها أغنيت عدّة مثل "فاتت جنبنا" و"ساكن قصادي" و"لا تكذبي" وسواها. اضافة الى هذا الدليل الموثق بالتحليل والتسجيل لجميع الأغنيات التي ألفها الشاعر يتضمن الكتاب حواراً أجراه المؤلف مع الشاعر الراحل قبل سنوات وينشر للمرة الأولى. ويؤكد سحاب أخيراً على ضرورة قراءة تحليل القصائد المغناة أثناء الاستماع اليها، تلمساً للتعبير الموسيقي المواكب للتعبير الشعري فيها. في هذا الكتاب يتابع سحاب بجدية التأريخ للموسيقى ويقول "أن لديه مشاريع أخرى سترى النور تباعاً".