كانت الأيام القليلة الماضية مناسبة لإعادة اكتشاف الأردن، وذلك بعد الأزمة الصحية التي تعرض لها الملك حسين والتي تبين انها لا تشكل تهديداً على حياته بقدر ما أنها اظهرت قدرة البلد على التعايش مع أزمات من هذا النوع. ما كشفته الأزمة الصحية الأخيرة للعاهل الأردني ان البلد قادر على مواجهة الصعوبات عبر الصراحة بعدما تبين ان لديه المؤسسات التي تضمن له استمراريته. ولذلك لم يجد الملك حسين عيباً في ان يحدد في رسالة موجهة الى ولي العهد الأمير الحسن طبيعة مرضه ومدى خطورته، ثم ظهر على شاشة التلفزيون وتحدث شخصياً عن مرضه وكيفية معالجته وعن فرص نجاح العلاج. لا شك ان الملك حسين لم يكن ليعلن عن طبيعة مرضه لو لم يكن لديه الحد الأدنى من الثقة بمستقبل الأردن وبأنه وضع الأسس التي تضمن هذا المستقبل: هناك أولاً مؤسسة العرش، وهناك مؤسسات الدولة وهناك نظام سياسي قائم على التعددية جدد نفسه مع اجراء انتخابات نيابية في تشرين الثاني نوفمبر 1989. ولكن يبقى الأهم من ذلك كله ان الملك حسين رسم حدود المملكة عبر سلسلة من القرارات اتخذها في السنوات العشر الأخيرة. أحد أهم القرارات كان فك الارتباط مع الضفة الغربية في تموز يوليو 1988. وكان فك الارتباط اللبنة الأولى في بناء الدولة الفلسطينية التي لا يزال يراهن، الذين لا يعرفون الأردن، على ان عمان تقف ضدها. وكان القرار الثاني الانتخابات النيابية في الأردن مع ما يعنيه ذلك من تكريس لفك الارتباط مع الضفة الغربية من جهة واستيعاب الحركة الاسلامية الصاعدة سياسياً من جهة أخرى. أما القرار الثالث فكان اتفاق السلام مع اسرائيل الذي جاء بعد توقيع اتفاق اوسلو. وهنا لم يفوت الملك حسين الفرصة للحصول على اعتراف بالأردن كأردن قاطعاً الطريق نهائياً على المنادين بنظرية الوطن البديل للفلسطينيين في اسرائيل وغير اسرائيل. وصار اتفاق السلام الأردني - الاسرائيلي خط الدفاع الأول عن مشروع اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعدما رسم قسماً من حدود هذه الدولة. يستطيع الملك حسين ان يتعافى مرتاحاً، وان يأخذ كل وقته لاستعادة صحته، ذلك انه كلما مر يوم يتبين ان الكيان الأردني وجد ليبقى، وان التعقيدات التي تواجه البلد أقل بكثير من تلك التي تواجه غيره بعدما عرف العاهل الأردني كيف يتعامل مع كل مرحلة ومع الفرص التي توفرها والتي قد لا تتكرر. ألم يقل في أحد خطاباته ان العرب لم يدخلوا يوماً عملية التسوية في ظروف أفضل من تلك التي كانت متوافرة لهم في مرحلة سابقة؟