إذا كان أحد أهداف فرض الحصار على العراق قبل ثماني سنوات هو اضعاف النظام وربما اسقاطه، الواضح اليوم انه اضعف الشعب اكثر من النظام الذي استطاع ايجاد الوسائل اللازمة للاستفادة منه بل انه رفض رفعه جزئياً لما يزيد عن العام، كما الحال بالنسبة الى قرار النفط مقابل الغذاء. فعلى رغم ان النظام وصل سياسياً الى مستوى من الانحطاط والسوقية لا يُحسد عليه، الا ان سيطرته على مفاتيح الحكم والسلطة أشد مما كانت عليه بعد هزيمته المذلّة في حرب الخليج الثانية حين أُجبِرَ على قبول شروط المنتصرين ومواجهة انتفاضة ثلاثة ارباع السكان ضده. فهو الآن يملك امكانات المبادرة على النطاق الداخلي وان كانت فرص المناورة دولياً مسدودة امامه او على الاقل محدودة حتى الوقت الحاضر. ومنذ فترة تزداد الدعوات بشكل مستمر لرفع الحصار عن العراق. هذه الدعوات تجد آذاناً صاغية على مستوى حكومات ومؤسسات دولية، وتحولت في بعضها، وبقدر مصالح الجهات المعنية بلا شك، الى محاولات جادة لايجاد آلية وخلق ظروف تؤدي في النهاية القريبة، حسبما يُشاع، الى احراج الولاياتالمتحدة وبريطانيا، الدولتين الاساسيتين المعارضتين لرفع الحصار، وذلك بهدف دفعهما الى الموافقة على انهاء الحصار. ومن الطبيعي ان تأتي غالبية هذه الدعوات من البلدان العربية التي تحسّ في معظمها بمأساة العراقيين قبل كل شيء. والحجّة التي تقدم هي معاناة الشعب العراقي التي لم تعد موضع شك لأحد. النظام العراقي لم يجد منذ ثلاثين عاماً غير القتل وسيلة لديمومته. ولن يجد غير ذلك بعد رفع الحصار. بل سوف يضطر بحكم ماضيه وحاضره وطبيعته الى ممارسة القمع بشكل ابشع حين يُشبِع العراقيون بطونهم ويحمون انفسهم من الامراض ويتمكنون من التساؤل عما حدث لهم خلال العقود الثلاثة الماضية. كم كانت خسارتهم بشرياً ومادياً ونفسياً؟ ومن الصعب ان يكون الا قلّة قليلة ممن نجوا من النتائج المدمّرة لسياسات النظام. لذلك لن يؤدي رفع الحصار الى تحوّل الحكم من أبشع الديكتاتوريات واكثرها عنفاً الى نظام ديموقراطي. الدعوة الى رفع الحصار عن العراق هي ايضاً دعوة الى رفعه عن النظام. وسوف يكون الشعب العراقي من المستفيدين من رفعه بلا شك، مثلما استفاد ولا يزال يستفيد من رفعه جزئياً في عملية النفط مقابل الغذاء على رغم كل محاولات وعمليات النظام المعروفة لسرقة قسم مما يعود الى جياع العراق. ولكي تكون الدعوات العربية، خصوصاً في المحافل الثقافية والسياسية، اكثر صدقية امام الرأي العام العالمي يجدر ان ينتبه المثقفون والسياسيون، ناهيك عن الحكومات الى ضرورة الدعوة الى رفع حصارين عن الشعب العراقي: الحصار الدولي وحصار النظام ذاته. وهذا يعني بالذات المطالبة بمحاكمة المسؤولين عن مسأة العراقيين. الدعوة الى رفع الحصار عن العراق تضع المؤيدين لإبقائه في موضع المسؤولية الوحيدة امام هذه المأساة. في حين ان المسؤولية الاولى يتحملها النظام. فمن المنطقي ان يتساءل الانسان عن موقف المثقفين العرب من النظام العراقي. فاذا كانت لغالبيتهم الغالبة القدرة على خلق حركة عارمة دفاعاً عن انتهازي مثل روجيه غارودي فكيف لا يستطيعون ان ينظّموا حركة تطالب الدول الكبرى والامم المتحدة في الوقت نفسه برفع الحصار عن الشعب العراقي ومحاسبة المسؤولين عن مأساته؟ قد تجد آنذاك الكثير من الحكومات العربية الفرصة سانحة ايضاً لدعم مثل هذا الطلب. خصوصاً ان الاشارة الى الغرب كمسؤول عن بؤس العراقيين هي اشارة ايضاً الى الحكومات التي وقفت ضد احتلال الكويت وشاركت عسكرياً ضد الجيوش العراقية ووافقت ضمنياً او عملياً على فرض الحصار. والحركة التي تطالب في الوقت نفسه برفع الحصار عن العراقيين ومحاسبة مسؤوليهم تدلّ على فهم اوسع وادراك اعمق وموضوعية واضحة لطبيعة الظلم الذي يعيشه العراقيون منذ ثلاثين عاماً، وهي تضفي من دون شك بعض الوضوح على مواقف يمكن ببساطة نعتها بالكيل بمكيالين. * جامعي كردي مقيم في فرنسا.