بعد مرور اقل من شهر على وفاته، في 25 حزيران يونيو الماضي، صدر للمغني الجزائري البربري، معطوب الوناس، اسطوانة كما اعادت دار "ستوك" الباريسية اصدار كتابه الذي نشر عام 1995 تحت عنوان "متمرّد" ووصلت مبيعاته، حينذاك، الى 12 ألف نسخة. وكان الوناس سجّل الاسطوانة توزع في الجزائر بشكل كاسيت، في اواخر شهر أيار مايو الماضي وهي تضم احدى عشرة اغنية بينها اغنية "رسالة مفتوحة" يقتبس فيها المغني النشيد الوطني الجزائري ويدين التقارب بين السلطات الجزائرية وبعض من الاسلاميين. وكلمات الاغاني كان وضعها المغني، وأما الموسيقى فهي مزيج من الغناء القبائلي البربري ومن "الشعبي" او الموسيقى الشعبية الجزائرية. وكان الوناس طلب ان تصدر الاسطوانة في 5 تموز يوليو الماضي، يوم الاستقلال والتاريخ الذي كان سيبدأ فيه تطبيق التعريب في جميع المناطق الجزائرية. وصدرت الاسطوانة بعد هذا التاريخ بقليل حاملة غلافاً صممه رسام الكاريكاتور الجزائري "ديليم" تصور العلم الجزائري ملطّخاً بالدم والوناس ينظر الى البعيد، يحيط به ممثلون عن الحكم من جهة ووجوه بعض الاسلاميين من جهة اخرى. وأما نص التقديم فوضعه يلا صدّيقي في 16 حزيران 1998 اي قبل مصرع الوناس بأيام قليلة، يقول فيه: "أليس فاضحاً ان نحضر انكار الهوية البربرية من دون ان ترتفع اي شكوى؟.. الا يوجد سوى عدد قليل جداً من العقول العادلة والنيّرة والمستعدة لمجابهة الابادة الدستورية للهوية البربرية ومصير مشابه يحاصر الفرنكوفونية التي حُقّرت الى صف الاشياء الباطلة والركام الفولكلوري؟ من هنا، نفهم اهمية غناء "رسالة مفتوحة": يسخر فيها معطوب من كل الاكاذيب الوطنية وتزييف التاريخ. يشبّعها بالتهكمات وبالسخرية من رأس الحكم وأقدامه. يمزج فيها الخيوط التي تحوك مصالح الجميع. هذا العمل الطويل جاء من اجل الاخذ بثأر هؤلاء الذين لا يغيّرون اتجاههم والذين يدعون عيونهم مفتوحة وجافة...". وأما حياة الوناس فيستعيدها الكتاب الذي اعيد نشره في منشورات "ستوك" وكان وضعه المغني بالتعاون مع الصحافية الفرنسية، فيروني تافو، ويخبر فيه عن طفولته ونشأته في المنطقة الجبلية في الجزائر، وبداياته الصعبة كولد "مشاغب" وتم اكتشافه الغناء والموسيقى وانطلاقته الفنية الفعلية في باريس عام 1980. وينقل الوناس في الكتاب محاولات الاغتيال التي تعرض لها: خلال احداث تشرين الاول أوكتوبر 1998، اصابه شرطي بطلقات رصاصية كادت تكون قاتلة، وفي 1990 طعن بالخنجر، وفي 25 أيلول سبتمبر 1994 خطفته مجموعة مسلحة من الاسلاميين وحجزته خلال اسبوعين وثم اطلقت سراحه. وعلى رغم ان المغني القبائلي فرحات مهنى اتهم الوناس، آنذاك، بأنه دبّر عملية خطفه ليدعم بها الخط السياسي والايديولوجي ل"التجمع من اجل الديموقراطية"، بعدما تخلت عنه "الحركة الثقافية البربرية"، الا ان شعبية الوناس ازدادت بعد الحادثة. وهو بقي يتحدى السلطات وينتقد النظام والاسلاميين ويدافع عن هويته القبلية وعن اللغة الامازيغية الى ان لقي مصرعه الاخير عند مقربة من مدينة تيزي أوزو، عاصمة المنطقة القبلية.