أكثر من ظاهرة لفتت الأنظار في الحدث الجزائري الأخير، من اغتيال المغني معطوب الوناس الى ردود الفعل الشعبية في المنطقة القبلية أو البربرية. الأولى ان انتفاضة البربر اختلطت فيها العفوية بالجهوزية، أي كأن المنطقة تعيش احتقاناً شكل له الاغتيال فرصة كي يتفجر ويتدفق الى الشارع. والثانية ان الإعلام الغربي سرعان ما تلقف هذه الانتفاضة وسلط عليها الأضواء كأنه مهيأ لها مسبقاً، من دون أن يعني الأمر تغليباً ل "نظرية المؤامرة". أما الظاهرة الثالثة فهي أن الأمازيغيين عبروا عن نقمة مزدوجة على الاسلاميين المتطرفين وعلى السلطة. لم يكن الوناس أول من يتعرض للاغتيال في صفوف المغنيين أو محترفي الموسيقى. فالاسلاميون الجزائريون، خصوصاً الجناح الأكثر تطرفاً فيهم، اشهروا دائماً عداء حاداً ضد كل من هو مثقف، وضد كل ما هو ثقافي، ربما لعلمهم أن تسوية سياسية تبقى ممكنة مع أي نظام حاكم، إلا أنها مستحيلة مع المثقفين حتى المعتدلين منهم الذين لا ينطلقون من أفكار مسبقة معادية لأي مشروع اسلامي. وفي أي حال، طرح الحدث الجزائري باستمرار جدلاً حول مدى "اسلامية" ممارسات الاسلاميين ومدى "ديموقراطية" المواقف التي اتخذها خصومهم. ولا شك أن تطورات الأحداث ماضية في اعطاء كل ذي حق حقه، وان بمقدار، أي ان المذابح لم ترجح كفة الاسلاميين، كما أن "الاصلاحات" التي أقدم عليها النظام تمكنت من احداث اختراق في الوضع لكنها لا تزال تحت التجربة محاطة بكثير من علامات الاستفهام. وفي غمرة الأحداث الأخيرة كاد يُنسى أن البربر أو القبليين أو الأمازيغيين هم مسلمون أيضاً، وأنهم يعيشون اسلامهم كيفما تيسر لهم، وأنهم قاموا في الماضي بكل ما يفترضه الواجب في معارك استقلال الجزائر بكل مراحلها. وإذا كانوا احتفظوا بشعورهم القومي وخصوصيتهم، فليس في ذلك أي عيب أو خطأ، كما أنه لا يفترض تخوينهم في شيء. أما قضية اندماجهم في مجتمعهم فهي مسألة أخرى يتحمل النظام قسطاً كبيراً من المسؤولية فيها. والحرص على الاندماج يكون متبادلاً ومتساوياً أو لا يكون. لكن المؤسف ان التجربة السياسية أظهرت تقصيراً في احترام المشاركة ليس فقط بالنسبة الى الأمازيغيين وانما أيضاً بالنسبة الى معظم فئات المجتمع كافة. ليس مستغرباً ان يشعر بربر الجزائر بأنهم أقلية، فلو لم يعاملوا على أنهم أقلية لما كان هذا الشعور. وليس مستغرباً أن يبحثوا عن عطف وتعاطف من الخارج طالما انهم يفتقدونهما في الداخل. فهذا هو المسار الوحيد الممكن والمتاح لأي أقلية تعاني من تجاهل غير مبرر لحقوقها وخصوصياتها، وبالأخص للغتها أي لثقافة متوارثة لا تعبّر عن تميزها فحسب وانما تشكل عنواناً لمساهمتها في ثقافة اجتماعية ووطنية. من هنا، ان قتل المغني لبس ابعاداً أكبر من مجرد حادث عابر في مواجهة لم تنته بعد بين النظام والمتطرفين. قد لا يكون خيار التعريب، كما تبنته السلطة في الجزائر، خطأ. وهو ليس بالضرورة ترضية للاسلاميين أو استجابة لضغوطهم. لكنه، كما برهنت الأحداث، ناقص. وفي المواقف الأخيرة التي أعلنتها السلطة محاولة لاستدراك الثغرات. من المهم جداً أن تعالج قضية الأمازغيين بجدية وبُعد نظر لئلا تتحول مشروعاً سياسياً يقلق كل دول شمال افريقيا أكثر مما أقلقها "الخطر الأصولي".