عرضت امس مختاراتي الشخصية من أهم مئة رواية بالانكليزية هذا القرن، حسب رأي لجنة من النقّاد والكتّاب. وسألت نفسي هل يمكن ان نختار اهم مئة رواية عربية هذا القرن؟ شخصياً لا استطيع الاختيار، ولكن أحاول ان أبدأ الجدل، ببعض الاختيارات الشخصية. الرواية العصرية جديدة على الأدب العربي على الرغم من وجود إرهاصات قديمة معروفة، من رسالة الغفران، الى حي بن يقظان، والتوابع والزوابع وغيرها. ولأن الأدب الروائي جديد، فعندما حاولت الاختيار وجدت ان كل اختياراتي الأولى مصرية. الواقع ان أول ما قرأت شخصياً كان سلسلة "روايات تاريخ الاسلام" للبناني المصري جرجي زيدان، مؤسس دار الهلال. كانت هذه الكتب في بيت جدي، وقرأتها كلها فعلقت بالذاكرة الفتية، حتى انني لا ازال اذكر تفاصيل "شجرة الدر" و"المملوك الشارد"، وهذه الرواية تنتهي نهاية ساذجة، بالتقاء ابطالها صدفة في وادي القرن في لبنان. بين الروايات الأفضل مهنة هناك "زينب" لمحمد حسين هيكل، وهي تتحدث عن القرية المصرية وتعتبر أول رواية عربية حديثة. واختار "سارة" لعباس محمود العقّاد، مع ان هذا الكاتب الموسوعي لم يكن روائياً، ويقال ان "سارة" وهي روايته الوحيدة، كانت في الواقع ابنة اسعد داغر، اللبناني النهضوي الذي عاش ونشط في القاهرة، وله مذكرات ذائعة. طبعاً يظل نجيب محفوظ أهم روائي مصري وعربي، وثلاثيته عن البيئة القاهرية في اجيال ثلاثة، من ثورة 1919 حتى ثورة 1952، تستحق جائزة نوبل، غير ان محفوظ نال هذه الجائزة عن "اولاد حارتنا" قبل غيرها، ربما لجرأتها. وأبقى مع المصريين، فهناك توفيق الحكيم، وأفضل ما قرأت له "عودة الروح" عن ثورة 1919، وإحسان عبدالقدوس الذي ألّف عشرات الروايات في الحب وحياة المراهقة، وباع كثيراً. مع انه لا يمكن ان يعتبر في مستوى نجيب محفوظ. ولا ننسى يوسف السباعي الذي كان يبيع كثيراً، وربما كانت "السقا مات" أفضل رواياته وأنضجها. ومع المصريين كان هناك اللبناني الاميركي جبران خليل جبران، واختار له "الأجنحة المتكسّرة" عن بشرّي وحب بريء خائب. وأزيد اللبناني فؤاد كنعان، وروايته "على أنهار بابل" وهي رواية الانشاء اللغوي الجمالي السخرية والتهتك، واللبنانية إميلي نصرالله في روايتها "طيور ايلول" عن القرية اللبنانية والمهاجرين، والفلسطيني اميل حبيبي وروايته "المتشائل" عن نماذج ترمز الى فلسطين وتجمع بينها السخرية المرّة. وتصبح صورة الرواية العربية اليوم اكثر تعقيداً وحساسية، وأسجل "أنا أحيا" لليلى بعلبكي، و"فوضى الحواس" و"ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، وأترك لغيري ان يقرر إن كان بعض الروائيات العربيات يستحق شهرته، او ان هذه الشهرة أساسها الجرأة على طرح أمور الجنس ضمن مجتمع محافظ مكبوت. كذلك أترك لغيري ان يحكم على الكتّاب الجزائريين فبعض هؤلاء كتب بالفرنسية قبل ان يتحول الى العربية، ولا استطيع الحكم عليه. وهؤلاء يذكرون القارئ بأحد أشهر الروائيين الحاليين، اللبناني إميل معلوف الذي يكتب بالفرنسية، وربما كانت "ليون الافريقي" أشهر رواياته، وقد باعت رواياته اكثر من مليون نسخة، بلغات عدة، بعد ان اتفق صدور "ليون الافريقي" مع تسلّم آية الله خميني الحكم في ايران، وترددت اسئلة في الغرب عن الاسلام. ماذا أزيد؟ من المغرب هناك محمد شكري، وروايته "الخبز الحافي" تتحدث عن ازمة طنجة ومغامراتها ومباذلها، وقدرة الانسان على المحافظة على انسانيته على رغم الصعاب، وهناك ابراهيم الكوني، وله "المجوس"، وهي رواية عن الصحراء الافريقية واجوائها السحرية مع دمج تقاليدها بالميثولوجيا اليونانية. غير انني أفضّل ان يختار غيري الروائيين من شمال افريقيا والروايات، لأن هذا يحتاج الى معرفة واسعة بالثقافة الفرنسية افتقر اليها. ولا أنسى ان أزيد على كل ما سبق الصديق الدكتور غازي القصيبي، بروايتيه الاخيرتين "شقة الحرية" و"العصفورية" مع تفضيلي الثانية. هل يمكن ان تقارن اي من الروايات العربية التي سجلت، او التي اهملت تقصيراً او جهلاً، بأهم مئة رواية باللغة الانكليزية هذا القرن؟ استطيع ان اقول بثقة ان روايات نجيب محفوظ من مستوى عالمي، وهو يستحق جائزة نوبل بالتأكيد. ولا بد ان هناك روايات اخرى، الا انه لم تتح لي فرصة قراءتها وحدي، ثم مع أساتذة عظام في الجامعة، كما كان حظّي مع روايات نجيب محفوظ. وفي جميع الاحوال، فقد حاولت امس واليوم ان افتح حواراً بالعربية، لا ان اختار، فهناك من هم افضل مني لهذه المهمة، وأرجو ان نسمع عن اختياراتهم.