المصالحة في لبنان، كما في أي مجتمع متنوع آخر، هي فعل مستمر، لا مجرد اتفاق يتم انجازه واعتباره سقفاً يغطي خلافات صغيرة تحمل بذور تجديد النزاع. والمصالحة شأن المجتمع قبل أن تكون شأن حكم يختزل المصالحة في تأييد الناس له أو مشاركتهم فيه، إذا رضي. بل ان الحكم الحالي في لبنان مشروخ باستقطابات طائفية أزالت الحدود بين الإدارة والطوائف، فصار المواطن اللبناني يبحث عن دولته فلا يراها قائمة في شكل موصوف. التداخل بين إدارات الدولة والطوائف ليس جديداً في لبنان، ولكن، كان للدولة قبل الحرب الأهلية المديدة شيء من نصاب شكلي سمح لبعض اللبنانيين أن يخرجوا من الطائفة الى المواطنة، وهؤلاء نجدهم في عداد رجال الأعمال والتكنوقراطيين والمثقفين الذين يعود اليهم فضل طفرة حضارية وديموقراطية جعلت من بيروت متنفساً للبنان وللعالم العربي لعقود من الزمن. ولا يزال الحنين الى زهو بيروت قائماً على ألسنة اللبنانيين والعرب من دون أن يحدد هؤلاء الجهة التي كوّنت الزهو ويحاولوا إعادة تكوينها من جديد. ومن باب الأحلام ان ينتظر اللبنانيون، ليسلم مجتمعهم ويتصالح ولتحقق دولتهم شكلها وتمارس سيادتها، ان تتصالح سورية واسرائيل، وأن تبتعد عنهم صراعات المحاور الاقليمية، وأن يفقد لبنان أهليته كممر للتأثير الأجنبي أو مقر. أحلام كهذه لن تتحقق، وسيبقى للبنانيين أن يمارسوا ويتقنوا جدلية الاتفاق والخلاف كفعل يومي للمجتمع لا كقرار سلطة مجهول المصدر، وأن يعرف كل طرف لبناني هناك في الواقع أكثر من طرفين أن هيمنته ستضعف بضعف شروطها الداخلية وحبالها الخارجية. ومن باب الفعل المستمر للمصالحة مسعى رئيس الوزراء الناجح لتأمين كافة في مجلس بلدية بيروت، ومن باب الحنين الى قسمة المجتمع الى أبيض وأسود قول سياسي بيروتي معارض ورئيس وزراء سابق ان المشاركة هذه كانت خطأ، بعد اتهام أعضاء في "القوات اللبنانية" بالضلوع في أعمال تخريب ضمن مخططات اسرائيلية. وإذا أثبت القضاء الجريمة فالاثبات تزكية لفعل المصالحة المستمر الذي يتطلب حضور الأطراف السياسية جميعاً في البلديات وفي المجلس النيابي، والحضور هذا يتجلى بالطبع، موالاة ومعارضة. * كاتب لبناني من أسرة "الحياة".