تجرب إيران صاروخاً متوسط المدى، فيعلن الرئيس كلينتون أن ذلك يشكل "تهديداً للاستقرار" في المنطقة، خصوصاً أن الصاروخ يمكن أن يصل إلى إسرائيل، وكأن إيران هددت إسرائيل فعلياً في يوم من الأيام. لكن الرئيس الأميركي لم ينسَ في الوقت نفسه تأكيد أن بلاده مستمرة في السعي إلى تطوير علاقتها مع إيران. يجري ذلك كله في وقت يبدو أن أزمة جديدة ستندلع بين الولاياتالمتحدةوالعراق، عبر تأكيد فريق المفتشين الدوليين العثور على وثيقة تشير إلى أن بغداد أخفت معلومات مهمة تتعلق بأسلحة كيماوية انتجت أو استخدمت خلال الحرب العراقية - الإيرانية. ويجري ذلك كله في وقت تبدي أميركا اعتراضاً على إمكان تصدير النفط العراقي عبر سورية، رغم ان العراق يصدر نفطه بموجب قرار لمجلس الأمن يسمح له بذلك... ورغم أنه معروف منذ سنوات عدة أن كميات كبيرة من النفط العراقي تهرب من خلال إيران ولا مَن يسأل ولا مَن يحاسب... ولا من يعترض جدياً! ما تكشفه السياسة الأميركية هو أن ثمة رغبة في التعاطي مع إيران، أي إيران، والضجة المثارة حول تجربة الصاروخ المتوسط المدى كان يفترض أن تثار أيضاً، بعدما مارس بنيامين نتانياهو سياسة تؤدي إلى نسف عملية السلام وتهدد بالفعل الاستقرار في المنطقة. والواقع ان نتانياهو لم ينتظر طويلاً حتى يعلن بدوره أن إسرائيل "قلقة" من التجربة الإيرانية، وكأن هذه التجربة نفذت من ناحية توقيتها لصرف النظر عن المأزق الذي دخلته عملية السلام بسبب سياسات "بيبي". من الواضح أن السياسة التي اتبعتها الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا والخليج في حاجة إلى عملية إعادة تقويم. والدليل على ذلك، أن الاحتواء المزدوج لم يعد قائماً، بل هناك غزل مع إيران رغم عدم استقرار النظام فيها على رأي، وهناك عداء مستحكم مع العراق. بل أكثر من ذلك، أن واشنطن تسعى إلى تقارب مع طهران على رغم عدم وجود ما يشير إلى أي تغيير في سياساتها الخليجية. فالنزاع مستمر مع دولة الإمارات على الجزر الثلاث المحتلة، والجديد الوحيد هو الكلام الذي لا يُفهم منه شيء، الصادر عن وزير الخارجية الإيراني الدكتور كمال خرازي أخيراً، إذ قال إن العلاقات بين إيرانوالإمارات باتت تتسم ب "تفاهم جديد"! اضف إلى ذلك، أن أميركا فشلت في متابعة فرض العقوبات على ليبيا، وهي تبحث عن طريقة أخرى لاستمرارها عبر طرح اقتراح كان متداولاً منذ سنوات عدة. فلماذا أفاقت على هذا الاقتراح الآن؟ الثابت وسط كل ما يدور حالياً أن سياسة الاحتواء المزدوج الأميركية حلت مكانها سياسة المعايير المزدوجة. فكل ما هو غير عربي مقبول أميركياً في حين أن العرب يصلحون مثلاً لتأديب الآخرين بهم ليس إلا!