تنشر "الحياة" تقريراً صادراً عن المركز اللبناني للدراسات والتوثيق في بيروت يبحث في مستقبل الصناعة اللبنانية بعد انجاز السلام والتطبيع مع اسرائيل، ويستعرض التقرير احتمال التراجع الذي ستؤول اليه الصناعة اللبنانية أمام اقتصاد منظم وصناعة حديثة متطورة. وهنا الحلقة الثانية: التجهيز البنيوي 1- وسائل النقل لا سبيل الى المقارنة بين شبكتي الطرق والمواصلات اللبنانية والاسرائيلية ولا يتوقع للبنان ان يتمكن من تحديث أداء قطاع النقل فيه بما يوازي أو يقارب ما هو قائم في الكيان الاسرائيلي قبل ردح طويل من الزمن. فالمواصلات في لبنان هي الأعلى كلفة بالمقارنة مع المحيط بأسره على رغم ورشة اعادة البناء وتجهيز البنية التحتية حيث يبدو من حجم الانجازات ان أعمال شق الطرق وتعبيدها وصيانتها تسير بوتيرة أدنى من الحاجات المحلية اذ يقدر طول الطرقات التي جرى تأهيلها أو شقها خلال الاعوام 1995 - 1997 بنحو 366 كلم فقط، ويبدو ان هذه الطرقات تخدم قطاعات اقتصادية محددة كما ان مسالك التصدير لم يطرأ عليها تطور نوعي. فالصناعة كما هو معروف تقوم على سهولة استيراد المواد الأولية والوسيطة حيث تعتمد في لبنان على ايصال المنتجات الى المرافئ والمطار أو نقلها بالشاحنات الى مختلف اسواق المنطقة، بيد ان ضعف التجهيز البنيوي واضح في منشآت المطار والمرفأ ووسائل النقل على رغم التخمينات الملموسة والمشاريع المزمع تنفيذها. وليس هناك من شك ان اكلاف النقل الداخلي مرتفعة الى حد بعيد، فالطرقات اللبنانية ضيقة، وتعرجاتها شديدة، والجبال تؤثر على الوقت المطلوب لكل رحلة وهذا ما يستدعي تطويراً في التجهيزات وشق بعض الانفاق مع سورية. ولا يتجاوز طول الطرقات البرية في لبنان 7000 كلم. ويمكن الاستنتاج بسهولة ان طرقات لبنان لم تعد تستوفي الشروط الفنية لناحية الكسوة والعرض والطرق المصنفة طرقاً دولية لا يمكن وصفها بأنها طرق رئيسية، بل انها أقل من الطرق الرابطة التي تربط طريقاً رئيسياً بآخر وهي أكثر بقليل من الطرق الثانوية. وبالمقابل يبلغ طول الطرقات البرية في فلسطينالمحتلة 14700 كلم وفق أرقام العام 1995 يضاف اليها 600 كلم من السكك الحديد اذ بلغ معدل المسافة من السكك الحديد للطن الواحد 125 كلغ ومعدل عدد الشاحنات التجارية والعربات الخاصة للكلم الواحد 99.2 مقابل 167 في لبنان. واستطاع الكيان الاسرائيلي خلال 25 سنة من زيادة طول شبكة الطرق لديه بمعدل 58.2 في المئة وهي اكثر تجهيزاً وتأهيلاً وبما لا يقاس إزاء الشبكة اللبنانية التي نمت ببطء خلال الفترة نفسها. وبالمقارنة بين اعداد وسائل النقل في كلا البلدين نتبين وعلى نحو معبر تفوق عدد السيارات السياحية في لبنان عن مثيله في الكيان الاسرائيلي 1.237 مليون سيارة سياحية مقابل 1.112 مليون فيما يساوي عدد الشاحنات والعربات المغلقة المعتمدة في النقل التجاري في الكيان الاسرائيلي ثلاثة اضعاف نظيره في لبنان 247000 مقابل 81400. وتأسيساً على ما تقدم بوسعنا الاستنتاج بأن قطاع النقل الاسرائيلي اكثر كفاءة وقدرة على تلبية الحاجات الانتاجية في اقتصاده وهو ما سينعكس حتماً على التكاليف. 2-المناطق الصناعية يعد انشاء وتعميم المناطق الصناعية من ابرز التطورات التي طرأت على الصناعة في المنطقة خلال السنوات العشرين الماضية، ويفتقد لبنان الى مناطق صناعية حرة، اما المناطق الصناعية القائمة فلا تتمتع بالمواصفات المطلوبة سواء لجهة تصنيف الصناعات التي يرخص بانشائها في منطقة معينة أو لجهة توافر المياه تحت الضغط أو الكهرباء بأسعار معقولة وبوتيرة مستقرة وبسبب فقدان التنظيم والتجيهز تشوهت المناطق الصناعية وكذلك المناطق المتاخمة لها. وعلى العموم تفتقد المناطق الصناعية اللبنانية الى صفة الوظيفية كما ان توزعها الجغرافي يؤثر بيروت الكبرى على المناطق الثانية، في حين ان اختيار المواقع الصناعية له أهمية وأبرز المعايير في تحديد مواقع الاحواض الصناعية: توفر الأراضي ذات النوعية الجيدة والاسعار المنخفضة نسبياً وتوفر البنى التحتية الملائمة. أما في الكيان الاسرائيلي فقد تجاوزت المناطق الصناعية دورها المعروف واتخذت ابعاداً غير معهودة باتجاه بناء المجتمعات الصناعية وهو ما اندرج في اطار خطوات بناء الدولة ورسم خارطة الانتشار الاقتصادي والاجتماعي والديموغرافي لسكانها، إذ أن سياسة الحركة الصهيونية الاستيطانية قامت على اكتاف الاستيطانين الزراعي والصناعي، وعرفت ما يسمى بالصناعة الكيبوتسية المنتشرة في مختلف المستعمرات. وهناك ما هو أهم من القرى الصناعية التي انشئت لتلبي رغبة الحكومة بتخفيف ازدحام المدن الكبرى وبما يتوافق مع استراتيجياتها، ولحل مشكلة صغر حجم القرية جرى اعتماد صيغة اقامة قرى صناعية على شكل تجمعات قرى وهو ما ينجم عنه مجتمع سكاني مؤلف من نحو 5000 نسمة الأمر الذي يمكن من انشاء مرافق خدمات حياتية وصناعية منخفضة التكاليف. 3- الرعاية الحكومية للقطاع يقوم نموذج التنمية في "اسرائيل" على ما يمكن وصفه بنمط جدي من التخطيط المركزي الشامل يتلافى أوجه القصور التي تصاحب هذا النمط عادة عبر ترك مساحة مهمة للمبادرة الفردية ودمج وتوحيد أهداف العمل وطرقه في القطاعين الخاص والعام. ويتجاوز الحديث الاشراف الحكومي على الصناعة في اسرائيل بالمعنى التقليدي ليتصل بالجوانب والمستويات كافة، فقد تولت الدولة منذ البداية عملية تأسيس هذا القطاع وواكبت مراحله المختلفة وعملت على توجيهه الوجهة التي تلائم المصالح الاقتصادية والسياسية المختلفة ولم تتردد في هذا السياق عن أخذ زمام المبادرة الدائمة والمتعددة الأوجه: فقد نظمت عملية نشر الصناعة الجغرافي وتوطينها وشاركت في تحديد فروعها المناسبة وبذلت جهوداً اساسية في اقامة قنوات التسويق وفتح الاسواق على امتداد العالم وعقد الاتفاقات والبروتوكولات بأفضل الشروط. فالسياسة الصناعية في "اسرائيل" شديدة الوضوح وتقوم على ركائز ومعطيات مقدرة وتسعى الى تحقيق أهداف محددة وكان من ثوابتها: - تأمين قدر كبير من الكفاية الذاتية في الصناعات الاستراتيجية كالصناعات العسكرية والصناعات الاستهلاكية. - الاهتمام المبكر بقضايا البحث العلمي وفي أوقات سابقة على اقامة الدولة اليهودية نفسها وقد سجل نصيب البحث العلمي من الناتج القومي نسبة مرتفعة اذ بلغ عام 1994 في الصناعة 2244.3 مليون شيكل أي نحو 750 مليون دولار تمثل 1 في المئة من اجمالي الناتج المحلي القائم ويقدر نصيب الحكومة منها بپ22.3 في المئة، اما اجمالي الانفاق على البحث والتطوير فقد مثل 2.3 في المئة من الناتج القومي القائم أي نحو 1432 مليون دولار توزعت على الشكل الآتي: 46 في المئة قطاع الاعمال، 11.6 في المئة الحكومة، 34.5 في المئة معاهد التعليم العالي، 7.5 في المئة مؤسسات خاصة لا تتوخى. وتضاهي هذه النسب مثيلاتها المسجلة في الدول المتقدمة نفسها، ويكفي دليلاً على الأهمية التي توليها الدولة للبحث العلمي والتكنولوجي ترؤس بن غوريون مؤسس دولة اسرائيل شخصياً المجلس العلمي الأول الذي اقيم عام 1949. ويبدو لنا تأثير السياسات الحكومية واضحاً في كافة المراحل وعلى جميع الاصعدة فقد بدأت بتوجيه النشاط الصناعي سنة 1954 عندما انشأت المركز الاستثماري ووافق الكنيست على قانون تشجيع الاستثمار الرأسمالي، وتحول المركز الاستثماري عام 1985 الى الهيئة الاستثمارية التي لا تزال تقوم حتى الآن بتوجه الاستثمار الصناعي ودعمه. وانشأت أهم الشركات نتيجة هذا الدعم، كما ان هناك "بنك التنمية الصناعية" الذي تأسس عام 1985 برأس مال حكومي لدعم الصناعات وفق الأولويات القومية، اضافة الى ذلك كانت الحكومات تشرف على الادخار في الصناعات المحلية، وعندما اخذت الحكومة اثر حرب 1967 تعمل على انشاء صناعات عسكرية محلية تطورت بنية الصناعة الاسرائيلية وأخذت فروع صناعية جديدة بالظهور كصناعة المعادن، الالكترونيات والأدوات الكهربائية. لقد كان لجميع هذه الاجراءات والتدخلات الحكومية دور حاسم في نمو الصناعة الاسرائيلية المتواصل على رغم بعض نتائجه السلبية، اذ كان الاستثمار والتراكم الرأسمالي احياناً أكبر مما تقتضيه الكفاءة الاقتصادية ولهذا فهناك الكثير من المنشآت التي تنتج أقل من طاقتها الانتاجية. الا انه ومع بدء تنفيذ برنامج "ترسيخ الاستقرار الاقتصادي" في أوساط الثمانينات، نحت السياسة الصناعية منحى تغليب قوى السوق طمعاً بتصحيح الاختلالات التي اسست لها الرعاية المتواصلة والكاملة للقطاع ودور الابوة الذي اختارته طوال الوقت ولا يعني سلوك طريق الليبرالية كف يد الرعاية عن الصناعة بل مساعدتها على تنفيذ عملية اصلاح تلقائية كان من نتائجها رفع القدرات التنافسية وزيادة انتاجية اليد العاملة وعوامل الانتاج الأخرى. فالرعاية الحكومية للقطاع الصناعي تتخذ شكل المشاركة التامة في تأسيس ودفع عجلة النمو، إذ يمارس القطاع العام دوراً محفزاً ومنظماً وقيادياً شديد الفعالية والجدوى، وبنيت السياسة الاقتصادية على تكامل دور كل من القطاع الخاص والقطاع العام، فحاجة القطاع الصناعي إلى الاقلاع حتم اللجوء إلى القطاع العام طوال عقدين من الزمن وما ان شق طريقه بنجاح حتى عادت الأمور إلى سابق عهدها من حيث تقدم مساهمة القطاع الخاص، إذ ارتفع نصيب القطاع الخاص من العمالة الصناعية إلى 2،78 في المئة عام 1995 مقابل 8،21 في المئة للقطاع العام والهستدروت، إلا أن الملاحظ ان المؤسسات الصناعية الأضخم هي تلك التي لا زالت بيد القطاع العام، فقد بلغ معدل عدد العاملين في الوحدة الصناعية الواحدة التابعة لكل من القطاع العام، والهيستدروت، والقطاع الخاص على التوالي 1165 عامل - مؤسسة، و103 عامل - مؤسسة، و64،16 عامل - مؤسسة. وعلى العموم، فإن الرعاية الحكومية للقطاع الصناعي أدت إلى خلق بنية علمية متطورة والاستفادة من الوفورات التقنية، بل والوصول بالصناعة إلى التركيز على الفروع شديدة الاعتماد على منجزات العلم والبحث العلمي. وعلى طرف نقيض تقف الصناعة اللبنانية مكشوفة من دون أية عناية حكومية، مستباحة بخطة السوق المفتوحة، وتستند بعض النجاحات التي حققتها إلى عوامل محلية واقليمية وأحياناً إلى جهود فردية صرفة. فلم يشهد تاريخ الصناعة اللبنانية تنفيذ خطة حكومية واحدة ولم تتجاوز السياسة المعتمدة حدود اجراءات متفرقة تتخذ بين حين وآخر لأسباب غير مترابطة أو متناسقة. وقد اتخذت الدولة اللبنانية في الماضي عدداً من التدابير الرامية إلى مساعدة القطاع الصناعي، إلا أن الاهتمام بالقطاع لم يكن يوماً محور عمل مدروس ومتواصل، فالاجراءات كانت مرحلية وعلى ضوء مشاكل ومصاعب آنية وظرفية، ومن أهم تلك التدابير: اعفاءات ضريبية قليلة التأثير، وحماية جمركية مفتوحة، وانشاء مؤسسات تسليف متخصصة لم تمارس دورها، ودعم أسعار الطاقة، ومنح افضليات محدودة للصناعات المحلية في مشتريات القطاع العام، وسياسة خجولة للاعداد المهني، وتشجيع الصادرات بواسطة اتفاقات تعقد ولا تنفذ على أحسن وجه... وقد أقرت الدولة خلال 25 سنة نحو 20 تشريعاً يخص القطاع، إلا أن المطلوب فعلاً للنهوض به ايجاد تشريع صناعي جامعي يتماشى مع المتغيرات في لبنان والمنطقة العربية والعالم. وينبغي على سياسة التنمية الصناعية أن تهدف إلى خفض الكلفة، وتحسين النوعية وتأمين الترويج، وهذا ما لا يلاحظ في التدابير والاجراءات الحكومية التي لم تجتمع بعد تحت إطار جامع يمكن من اطلاق تسمية سياسة متكاملة عليها والتي تقتضي توفر: جهاز احصائي منظم، واشراك معهد البحوث الصناعية في سبل مراقبة ومواكبة التحولات التقنية، وتعديل وتحديث برامج التعليم، وخفض تكاليف انشاء الوحدة الصناعية وتسييرها لا سيما عبر انشاء المناطق الصناعية، وتقديم المساعدة لاستيراد الآلات وتشجيع الاستثمارات الصناعية والأجنبية، وتبسيط وتفعيل أجهزة المراقبة وتنظيم الأجهزة المشرفة على القطاع ولا سيما وزارة الصناعة. وعلى رغم أن الدولة بذلت نشاطاً ملحوظاً في عقد الاتفاقات التجارية الثنائية وبروتوكولات التعاون التي تمكن السلع اللبنانية من بلوغ أسواق جديدة، إلا أن الجهد التسويقي لم يتعد حدود عقد الاتفاقات إلى المتابعة الدقيقة والفعالة، كما ان الاتفاقات الثنائية مع البلدان العربية والافريقية بحاجة إلى تجديد وتحديث كي تفي بالغرض المطلوب بعد التطورات الاقتصادية الكبرى التي طرأت على طرق الانتاج وأنواعه في أنحاء العالم كافة. وبلغ مجموع المعاهدات والاتفاقات الموقعة في عهد حكومة الحريري الموقعة نهائياً أو بالأحرف الأولى 24 معاهدة واتفاقية مع 16 بلداً ويلاحظ أنها تتناول تشجيع الاستثمارات وتفادي الازدواج الضريبي، ولم نعثر بين الدول ال 16 على أي بلد عربي عدا مصر وسورية، كما لم نجد أيضاً اتفاقات تبادل وبروتوكولات تعاون تجاري. ويكفي للتدليل على ضعف الاهتمام الحكومي بالصناعة اقتصار مخصصات بند الشؤون الصناعية في موازنة 1997 على أقل من 7،0 في المئة من مجموع أرقام الموازنة ما عدا الديون المتوجبة الأداء، أي ما لا يتجاوز مليون دولار أميركي، فيما تبلغ هذه النسبة من مجموع ارقام الموازنة الإسرائيلية ما عدا الديون المتوجبة الأداء أيضاً 3،3 في المئة أي نحو 125 مليون دولار. وباختصار تحظى الصناعة الإسرائيلية بدعم وحماية مطلقين ومتعددي الأوجه يقابلهما الاهمال الشديد الذي تعاني منه الصناعة اللبنانية. 4- تكاليف الطاقة الكهربائية والكفاءة الاقتصادية في استخدمها تبلغ التعرفة الرسمية للطاقة الكهربائية في لبنان ما بين 5،3 سنت و13 سنتاً للكيلوواط - ساعة بحسب الشطور، ونحو 9 سنتات للكيلوواط - ساعة في الصناعة، مقابل ما يراوح بين 10 و13 سنتاً كيلوواط - ساعة في إسرائيل. وهكذا نلاحظ ضآلة الفارق بين التعرفتين اللبنانية والإسرائيلية، الأمر الذي يحرم الصناعة اللبنانية إحدى ميزاتها النادرة التي حظيت بها سابقاً ازاء منافستها الإسرائيلية. ويعود ارتفاع التعرفة إلى اعتماد شركة كهرباء لبنان في تحديدها المعدل الوسطي لكلفة الانتاج الذي يتضمن الاصلاحات والترفيع في آن، وهذا ما يخالف منطق التسعير على أساس التكلفة الحدية الذي يحدد أداءً اقتصادياً عالياً، وأفضل دليل على ارتفاع الكلفة عروض تقدمت بها شركات أميركية لتوفير الطاقة في مناطق صناعية لبنانية مقابل 7 سنتات للكيلوواط - ساعة، كما أن تعرفة الكهرباء في سورية وقبرص أقل من لبنان ب 20 في المئة وفي انكلترا والمانيا ب 25 في المئة، على رغم ابتعادهما عن مصادر النفط، المكون الأساسي لتكاليف الكهرباء. ولا بد اثناء البحث عن خفض التكلفة من الاستغلال الكامل لمساقط المياه التي تؤمن حالياً نحو 820 ميغاواط سنوياً بكلفة انتاج قدرها 5 سنتات كيلوواط - ساعة وهناك طرق جديدة في انكلترا استطاعت خفض التكاليف إلى 36 في المئة مما هي عليه، وهو ما يسمح بتخفيض كلفة الكيلوواط - ساعة إلى أقل من 5 سنتات، الأمر الذي يساعد على المنافسة. وبلغ مجموع انتاج الكهرباء في لبنان 8600 ميغاواط عام 1996 تستهلك الصناعة منها ما يقارب ال 40 في المئة أي نحو 3.5 ميغاواط، فيما بلغ مجموع الطاقة الكهربائية المستهلكة في الصناعة الاسرائيلية عام 1995، 7818 مليون ميغاواط 28.67 في المئة من مجموع الطاقة المنتجة وإذ نقارن ما بين معدلات استهلاك القطاع الصناعي للطاقة قياساً الى حجم الناتج الصناعي نثبت من أن الصناعة الاسرائيلية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة الكهربائية إذ يتطلب انتاج وحدة واحدة من الناتج الصناعي مقدرة بدولار واحد 0.65 كيلوواط ساعة، وانتاج وحدة واحدة من الانتاج الاجمالي مقدرة بدولار واحد ايضاً 0.27 كيلوواط ساعة مقابل ما يتراوح بين 1.4 و1.8 كيلوواط ساعة كمقدار لازم لانتاج وحدة واحدة من الناتج الصناعي اللبناني مقدرة بدولار واحد أيضاً وما يتراوح بين 0.78 وكيلوواط ساعة واحد للوحدة من الانتاج الاجمالي. وهذا بصرف النظر عن التغطية غير الكاملة التي تضطر الوحدات الصناعية لاعتماد الانتاج الذاتي للطاقة الباهظ التكلفة، والنتيجة ان الانخفاض الطفيف في أسعار الطاقة الكهربائية في لبنان عنها في الكيان الاسرائيلي لن يمنح الصناعة اللبنانية ميزة تنافسية اذا نظرنا إليه بضميمة الكفاءة في استخدام الطاقة. 5- قدم التجهيزات وحداثتها أدى انخفاض الاستثمارات في لبنان منذ العام 1975 الى هرم الجهاز الانتاجي، فالمعدات والآلات المستعملة قليلة المردود ومكلفة جداً، وما يزيد من خطورة هذا الضعف كون التطورات المسجلة على المستوى الدولي لا تترك مكاناً للتجهيزات البالية، والمنافسة الدولية تفرض استخدام تجهيزات متقنة وغالباً ما لا تكون في متناول المنتجين اللبنانيين. فالآلات الانتاجية في لبنان وان لم تصب جميعها بالقذائف والحرائق فقد تأذت غالباً بفعل عيوب ملحقة كالانقطاعات المتواترة في التيار الكهربائي ووقف الانتاج والنقص في الصيانة التقنية والافراط في الاستهلاك وعدم احترام المعايير وغياب المراقبة الحكومية والتي زادت كلها في اتلاف الآلات والتجيهزات وخفض كفاءتها. وقد سبقت الاشارة الى ان الآلات والتجهيزات القديمة تجاوزت نسبتها في لبنان 67 في المئة من مجمل الآلات والتجهيزات الصناعية إلا أن عمليات التجهيز الصناعي عاودت الارتفاع ابتداء من العام 1990 إذ بلغ مجموع المستوردات بين عامي 1992 و1996 نحو 750 مليون دولار ولو ان ذلك مرتبط على نحو وثيق بكثافة عمليات تأسيس المصانع إثر انتهاء الحرب نحو 6000 وحدة تمثل 25 في المئة من مجموع المؤسسات العاملة. وفي الكيان الاسرائيلي تصاعدت حصة الصناعة من مجمل التكوين الرأسمالي لتبلغ عام 1994 نحو 22 في المئة من اجمالي التكوين الرأسمالي مقابل 25 في المئة عام 1985 المقدر ب 17.8 بليون دولار ذهب أكثر من 75 في المئة منها للآلات، وهكذا فإن التكوين الرأسمالي في الصناعة يساوي نحو 3.9 بليون دولار أي 85 ضعف الاستثمار الصناعي في لبنان عام 1995 وفي حين كانت نسبة نمو اجمالي قوة العمل تساوي 74.2 في المئة من نسبة نمو اجمالي الناتج وما تبقى أي 25.8 في المئة لمعامل الترسمل والعلم فإن التوزيع في قطاع الصناعة كان بواقع 53.3 في المئة لعامل العمل و46.7 في المئة للترسمل. وبلغ مجموع الواردات من الآلات نحو 3481.1 مليون دولار عام 1995 والسلع الاستثمارية 4950.9 مليون دولار والتي تبلغ قيمتها مجتمعة 8419 مليون دولار وما يساوي أكثر من 28 ضعف واردات لبنان من الآلات للعام نفسه وهذا ما يفسر تقدم التقنيات وحداثة التجهيز في المصانع الاسرائيلية الأمر الذي يرفع الجودة ويخفض التكاليف. وسنجد في تركيب الواردات الاسرائيلية وخصوصاً السلع الاستثمارية منها بصمات مشروع اسرائيل التنموي حيث نلمس زيادة في الوزن النسبي لكل من الكيماويات والالكترونيات والكهربائيات التي تتحول شيئاً فشيئاً لتكون عماد الصناعة الاسرائيلية. 6- المعدلات والقوانين الضريبية يحظى القطاع الصناعي في لبنان باعفاءات ضريبية متنوعة بغية تشجيع بعض فروعه واطلاق التجديدات فيه. والأسعار الضريبية في لبنان على العموم منخفضة جداً اذا ما قورنت وقيست بمقابلاتها في الدول الأخرى خصوصاً على مستوى ضرائب الدخل المباشرة الى حد أصبح فيه هذا الانخفاض موضع شكوى ومثار انتقاد. وخفض القانون الضريبي المعدل نسب الضرائب المفروضة على شركات الأموال لتبلغ 14 في المئة من الأرباح فقط بعد ان كانت تطال نحو 30 في المئة من هذه الأرباح في القانون السابق. إلا أنه يبقى للصناعة اللبنانية مطلب حيوي في احتساب الأكلاف وذلك بإقرار معدلات معجلة للاهلاك وهو ما يساهم في تحقيق وفر نقدي يمكن استخدامه في تحقيق التراكم الرأسمالي. وتودي مجموعة من الأسباب الى جعل أهمية الضرائب متدنية جداً بين تكاليف الانتاج الأخرى منها: انخفاض الوعي الضريبي، الخروقات الواسعة في القانون والتي تسمح بالتهرب، انخفاض كفاءة الجهاز الإداري القائم على الجباية وتفشي الفساد فيه بما يسهل ممارسة الاحتيال على نطاق واسع. ووصلت نسبة الاقتطاع الضريبي من الدخل القومي في الكيان الاسرائيلي عام 1995 إلى 40.91 في المئة نصفها تقريباً ضرائب مباشرة بينما لم تتجاوز هذه النسبة في لبنان 13.22 في المئة كما هو مقدر في موازنة العام 1997 تمثل الضرائب المباشرة فيها بأقل من 20 في المئة. وفي الثمانينات شهدت "اسرائيل" موجة من الاستياء المحلي تجاه النظام الضريبي باعتبار انه غير عادل ولا يساعد على النمو.