ليس الاعلان عن تعزيز القوات الاسبانية المرابطة في مدينتي سبتة ومليلية استفزازاً للسلطات المغربية فحسب، بل يتجاوز أيضاً معاهدة الصداقة وحسن الجوار المبرمة بين المغرب واسبانيا، والتي تنص على احترام السيادة وحل النزاعات بالطرق السلمية. أكثر من ذلك أنه إمعان في عزل المدينتين، تحديداً من خلال المضي في تسييج معابرهما بالأسلاك الشائكة، ونشر أجهزة الرقابة والانذار المبكر. مبررات مدريد لهذه الاجراءات هي محاربة الهجرة غير المشروعة، بعد تزايد حجمها المغاربي والافريقي انطلاقاً من المدينتين المحتلتين، وعبر البحر المتوسط، لكنها في جوهرها تتجاوز ذلك إلى فرض الأمر الواقع. المشكلة في ملف العلاقات المغربية - الاسبانية أنها تراوح بين الانفتاح والتزام آفاق الصداقة والحوار، وبين الدخول في مواجهات ديبلوماسية بسبب قضايا تشمل الموقف من نزاع الصحراء الغربية، وصيغ البحث في مستقبل مدينتي سبتة ومليلية، وكذلك تأثير العلاقات الاقتصادية والتجارية التي يشكل ضمنها اتفاق الصيد المبرم بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي، القضية أكثر إثارة للجدل. واضح أن الأمر يتعلق بممارسة أكبر قدر من الضغوط المتبادلة، وبينما تلوح الرباط بعدم تمديد اتفاق الصيد، تبادر مدريد إلى تحريك الوضع في المدينتين المحتلتين، تارة من خلال طرح فكرة منحهما حكماً ذاتياً، وأخرى من خلال حض الرعايا المغاربة فيهما على اكتساب الجنسية الاسبانية، في حين أن بعض مراكز القوى غير الحكومية يغالي في مساندة جبهة "بوليساريو"، على رغم أن مدريد تؤكد التزامها دعم اتفاقات هيوستن، وتسريع خطة الاستفتاء في الصحراء الغربية. هذه الضغوط إذا كانت مفهومة سياسياً، فهي غير مقبولة حين تطاول المبادئ والمصالح، ولن يكون للمدينتين على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط أي مستقبل غير الاندماج في سيادة المغرب، وفي الامكان إبرام اتفاقات للتعاون تحفظ المصالح الاقتصادية والتجارية للجارة اسبانيا. وهذا الطرح عبر عنه الملك الحسن الثاني مرات في سياق الدعوة إلى الحوار، وتشكيل مجموعة عمل مغربية - اسبانية تدرس الاقتراحات الكفيلة بحسم النزاع. وليس من مصلحة البلدين في الظروف الحالية إضافة ضغوط جديدة. ثمة مشاريع كبرى، كالربط القاري بين افريقيا وأوروبا عبر جبل طارق تحتم الحفاظ على علاقات الصداقة، وثمة استحقاقات من مستوى حجم الشراكة المغربية مع دول الاتحاد الأوروبي، ومستقبل التعاون في نطاق المنظومة الأورو - متوسطية تفرض تغليب الحوار. ولأن الحرب لن تقع بين المغرب واسبانيا، مهما زادت حدة الخلافات، يصبح تعزيز القوات في المدينتين المحتلتين بلا معنى. لكن الأخطر هو استفزاز المشاعر، وكم من نزاعات بدأت بالاستفزاز وصعب تطويقها من دون ضحايا أو خسائر.