الرئىس الاسرائيلي الحالي الجنرال عزرا وايزمان شخصية معروفة وتتمتع بالاحترام في بريطانيا. فقد التحق بسلاح الجو الملكي البريطاني في 1942 وخدم في صفوف القوات البريطانية في الشرق الاوسط والشرق الاقصى. واستمر الى وقت قريب في قيادة طائرة من طراز "سبيتفاير". وكمؤسس مشارك لسلاح الجو الاسرائيلي عام 1947، حضر احدى دورات كلية الاركان التابعة لسلاح الجو الملكي في 1952. اظهرت ماري روبنسون عندما كانت رئىسة ايرلندا مدى فاعلية الدور الذي يمكن ان يلعبه رئيس دستوري وسياسي غير حزبي. واحسب ان الرئىس وايزمان اخذ مثالها في الاعتبار. ومع ذلك، مضى هذا الرئىس البالغ من العمر 74 سنة، الذي يحظى بشعبية ويمتاز سلوكه بالتفرد، في مضمار السياسة شوطاً ابعد مما يمكن لماري روبنسون ان تعتبره تصرفاً حكيماً. بالاضافة الى ذلك، اغاظ خلال توليه الرئاسة مثليي الجنس وانصار حقوق المرأة واثار انزعاج اليهود الارثوذكس المتطرفين في اسرائيل الذين يبدو واضحاً انه يمقتهم. وقبل ايام، شن الرئيس وايزمان هجوماً محسوباً بعناية على رئيس الوزراء نتانياهو. وبدا انه كان مخططاً لاسقاط حكومته. كان شيئاً رائعاً حسب رأيي الشخصي، رغم انه مخالف للاصول وغير مقبول تماماً من رئىس لا يؤدي الاّ دوراً بروتوكولياً في الغالب. واخيراً طفح الكيل بعد اشهر كثيرة من الاحساس بالاحباط ازاء رئىس الوزراء المثير للجدل، فحض وايزمان نتانياهو ان يدعو الى انتخابات مبكرة بدل الانتظار لحين انتهاء السنوات الاربع لولايته في السنة 2000. وقرر الرئيس، المعروف بنشاطه ورحلاته والمدرك لمدى الاستياء العالمي من سياسات "السلام" الاسرائيلية، ان يتناسى كل الاعراف وينسى الحدود التقليدية لمنصبه ويتجاهل عدم امتلاكه تفويضاً سياسياً ويعلن تحديه. هكذا، لا يمكن احداً ان يدعي ان السياسة الداخلية لاسرائيل تفتقر الى الاثارة! اثارت تصريحاته العلنية اهتمام المراسلين الذين تملكتهم الدهشة: "عملية السلام تترنح وواجهنا بعض المخاطر في الاشهر الاخيرة ... كلما اسرعنا باجراء انتخابات مبكرة، كلما عرفنا في وقت ابكر ما يفكر به الجمهور". وذهب الى مدى ابعد في مقابلاته التلفزيونية. "وصلت الى الخط الاحمر الذي حددته لنفسي. لست مستعداً بعد الآن لمساعدة نتانياهو. لا يمكن ان يكون الجميع غاضبين علينا - الولاياتالمتحدة واوروبا والرئىس مبارك والملك حسين - ونحن وحدنا على صواب. عملية السلام متوقفة ولا يمكن لأحد ان يحدثني بخلاف ذلك". الانكى من ذلك انه اتهم رئىس الوزراء ب "الانفصال عن الواقع". وجاء الهجوم العنيف وغير المسبوق للرئىس على رئىس الوزراء في اعقاب سلسلة احداث في اسرائيل اتسمت على نحو متزايد بالشناعة. فقد ارجأ رئىس الوزراء يوماً بعد يوم اعطاء رد مناسب على الاقتراحات الاميركية التي تقضي بانسحاب من 13 في المئة من اراضي الضفة الغربية والتي قبلها الفلسطينيون. ويُبلغ الاسرائيليون من حين لاخر بان تحقيق اختراق اصبح وشيكاً، لكن لا يعقب ذلك شىء باستثناء تسريبات لا نهاية لها وتكهنات وشجارات في الحكومة المنقسمة بشكل يتعذر اصلاحه. وقبل بضعة اسابيع تقدم رئيس الوزراء بفكرة اجراء استفتاء وطني في شأن الانسحاب. ولم تكن اسرائيل اجرت اي استفتاء من قبل. ويتوقع ان تستغرق هذه العملية اشهراً كثيرة ولن تكون ملزمة للحكومة. وكانت الفكرة، حسب مسؤول كبير في الحكومة، تهدف الى تأمين غالبية قوية لصالح اعادة نشر القوات الاسرائيلية وبالتالي "سحب البساط من تحت اليمين". وكانت تحمل كل السمات المميزة لتكتيك اخر يهدف الى الاعاقة. دار نقاش حامٍ حول خطة الاستفتاء ثم جرى التخلي عنها بشكل مفاجىء. بعد ذلك دعا نتانياهو بشكل مفاجىء، خلال لقاءات اجراها مع خوسيه ماريا ازنار رئىس الوزراء الاسباني اثناء زيارته الى اسرائيل، الى عقد مؤتمر مدريد جديد. وسارع القادة العرب، بصواب، الى شجب اي فكرة من هذا النوع من شأنها ان توقف اي انسحابات اخرى من الضفة الغربية كما جرى الاتفاق سابقاً بموجب عملية اوسلو. وسيقتضي تنظيم مثل هذا المؤتمر اشهراً عدة، وما الذي يحمل احد على الاعتقاد بأن الاسرائيليين سيتصرفون بحسن نية في هكذا مؤتمر؟ ولم يكن امام رئيس الوزراء نتانياهو اي خيار الاّ ان يقبل التحدي العلني والسياسي للرئىس. وقال "اعتقد انه عندما يهاجم رئىس اسرائيل بشكل شخصي رئيس وزراء اسرائيل، فإن هذا ليس شيئاً مفيداً للامة. وآمل، مثل كل الاسرائيليين، بأن يتصرف السيد وايزمان خلال ولايته الثانية كرئيس دولة، كما فعل سلفاؤه ... انه يضع نفسه شخصياً الى جانب عرفات ومبارك". وعقد الرئىس ورئىس الوزراء اجتماعاً مغلقاً بعد وقت قصير على التصريحات المتبادلة، وحتى ساعة كتابة هذه السطور لا تزال الهدنة الهشة مستمرة. وكانت تقارير في الصحافة الاسرائيلية افادت ان الرئيس درس امكان الاستقالة من منصبه. هكذا، من الموقع المميز لمقر الرئاسة، يبدو كما لو ان رئيس الوزراء وحكومته لا يعرفان ما ينبغي القيام به وأن رئيس الوزراء قد يقود اسرائيل الى نزاعات اخرى. * سياسي بريطاني معارض، نائب سابق من المحافظين.