هل يجوز ان تكون لبعض القادة العرب، وبعض المعلقين الصحافيين، ثقة برئيس وزراء اسرائيل لا يشعر بمثلها اركان المؤسسة الاسرائيلية انفسهم؟ الرئيس الاسرائيلي عيزرا وايزمن فجّر قنبلة بدعوته الى انتخابات مبكرة في اسرائيل. وهو قال مبرراً ذلك ان الاسرائيليين لا يعرفون الى اين يتجه بنيامين نتانياهو او حكومته، ويعيشون في قلق وحيرة وإحباط، سياسياً واقتصادياً. ولكن السبب الحقيقي عدم ثقة وايزمن وغالبية الاسرائيليين بنتانياهو. وليس سراً ان العلاقة بين الرجلين متوترة منذ انتخاب نتانياهو رئيساً للوزراء، وليس سراً كذلك ان وايزمن انذر رئيس الوزراء الجديد في آب اغسطس سنة 1996 انه اذا لم يجتمع مع الرئيس ياسر عرفات فوايزمن نفسه سيجتمع معه. غير ان الأزمة الحالية تعود الى الوراء خمسة اسابيع فقط، عندما طلب وايزمن من نتانياهو ان يجتمع مع الملك حسين والرئيس عرفات. ونقل مساعدو وايزمن اليه عن نتانياهو طلبه ان يؤكد الرئيس الاسرائيلي لهما انه أي نتانياهو جاد في موضوع السلام والانسحاب الثاني، ولكنه بحاجة الى وقت لتذليل الصعوبات داخل التحالف الحكومي. وسأل وايزمن كيف يثق بهذا الكلام فأعطاه نتانياهو كلمته. وبدأ اريه شومر، المدير العام لمكتب الرئيس، ترتيب اجتماعين سريين مع الملك حسين وأبو عمار، غير ان وايزمن عاد فلزم جانب الحذر خشية ان يورّطه نتانياهو بوعود لا ينفذها. وقبل اسبوعين اجتمع وايزمن مع نتانياهو، وأكد هذا الاخير ان المرحلة الثانية ستتم بسرعة وان اختراقاً قد تحقق. وكانت النتيجة ان ارسل وزير الدفاع اسحق موردخاي الى الرئيس حسني مبارك والملك حسين و"زف" اليهما الخبر. ولم يحدث شيء بالطبع، وأختار هنا من كلام الصحف الاسرائيلية امس نقلاً عن مساعدي وايزمن "في النهاية أهين موردخاي، فقد وعد مبارك وحسين بانسحاب ثان ولكن هذا لم يحدث... بيبي يكذب على الرئيس، ويكذب على وزرائه، ولا يوجد انسحاب ثان". وما سبق هو ترجمة حرفية عن الصحف الاسرائيلية وعن مكتب الرئيس وايزمن، اسجله حتى لا يأتي مسؤول فلسطيني بعد ذلك، او معلق صحافي، يقول اننا لا نفهم نتانياهو، وانه لا يكذب وانما يناور او يحاور على طريقته. نتانياهو يعاني من كذب مرضي يعكس دناءة اخلاقه، والاسرائيليون انتخبوه في أعقاب عمليات انتحارية ليضمن لهم الأمن والسلام، الا انه يعتقد انه يستطيع ان يحقق الأمن من دون السلام، بل يستطيع ان يفرض هيمنة اقتصادية على المنطقة، عن طريق مؤتمرات لا تقوم الا في خياله، بمعزل عن السلام. وكان نتانياهو يعتقد انه كذب على غالبية كافية من الاسرائيليين لإجراء انتخابات جديدة تعزز مركزه، الا انه بعد ان دعا وايزمن الى انتخابات تردد ثم تراجع، بعد ان كان قبل اشهر، او حتى اسابيع قليلة، يهدد بالانتخابات رداً على منتقديه. بل ان انصاره سربوا تاريخاً محدداً هو العاشر من تشرين الثاني نوفمبر لإجراء الانتخابات. غير ان نتانياهو يدرك الآن ان التحدي الاكبر له ليس من وايزمن، وانما من داخل حزبه، فهناك على يمينه بيني بيغن وعوزي لانداو واريل شارون، وعلى يساره ديفيد ليفي ودان مريدور، ثم هناك في مواجهته ايهود باراك وحزب العمل. في المناسبة، حزب العمل يحتل 34 مقعداً في الكنيست مقابل 20 مقعداً فقط لحزب ليكود، ولكن الائتلاف الذي يقوده ليكود يجمع غالبية في الكنيست. وإذا كان القارئ العربي يعرف ارتباط نتانياهو بالاحزاب الدينية المتطرفة، فإن حقيقة نفسه يكشفها تأييده المستوطنات والمستوطنين، وهو ليل الاثنين كان يخطب في مهرجان لجمع التبرعات لجماعة عطيرات كوهينيم المتخصصة في السطو على بيوت الفلسطينيين في القدس واحتلالها، وهتف الحاضرون "الموت للعرب"، "الموت للعرب"، فرد نتانياهو بالعبرية ناصحاً الا يستعملوا هذا التعبير. وقال حاضرون إنه اختار كلماته بدقة شديدة فلم يرفض الموت للعرب وإنما رفض التعبير عن ذلك. وهو قال عن القدس ما خلاصته "نحن اصحاب البيت. وسنبني للجميع بما في ذلك الخدم". والخدم كما يراهم ليسوا وافدين من الشرق الأقصى