أن تستقل سيارة أجرة في أي مدينة في العالم تجربة ثرية متعددة العناصر. فهي أسرع وأسهل وسيلة للتعرف الى نكهة المدينة التي تزورها، من خلال ثرثرة السائق. كما انها دليلك الذكي الى نوع العلاقة بين المواطن وحكومته. وسائقو سيارات الأجرة في قاهرة المعز مروا في العقود الثلاثة الماضية بمراحل تطور وتغير تصلح لتأليف كتب ووضع "نظريات" في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة. وعلى رغم ثبات اللونين الأسود والأبيض المحددين لسيارات الأجرة في القاهرة منذ نحو نصف قرن، الا ان السيارات نفسها وسائقيها خضعوا لتغيرات جذرية. في الثمانينات ازداد سائقو الأجرة عنفواناً، والركاب ضعفاً، في ظل عدم تطبيق القوانين المنظمة لعمل سيارات الأجرة. وعلى رغم صحوات ضئيلة حاولت فيها الجهات المسؤولة فرض نوع من السيطرة والتنظيم على هذه المملكة الشاردة، استمر ظلم سائق سيارة الأجرة لأخيه المواطن. وظهرت اغنيات تناشد السائقين العطف مثل "يا سواق التاكسي، أمانة تبص على الناس التعبانة". وبدأت امارات التردي بالغزو العراقي للكويت وعودة الآلاف من المصريين، وبينهم سائقون الى بلادهم لبدء رحلة البحث عن عمل. واثرت العمليات الارهابية على السياحة في مصر، وبالتالي على موارد سائقي سيارات الأجرة. وفي ظل الركود انتشرت لدى السائقين ظاهرة التنظير. احدهم أخذ على عاتقه مهمة نقد السياسة العربية، وذلك في المسافة بين الجيزة ومصر الجديدة. وهو من واقع خبرته كسائق سابق في وزارة عربية يعجبه كون الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، رغم ما قد يبدو من غرابة في سياساته، يتحدى أميركا. وبعد انحرافة حادة بالسيارة وفي خضم سيل من لعنات السائقين من حوله، اعتبر ان الرئيس الراحل انور السادات رسم للمنطقة سياستها الحالية. وعلى مطلع "كوبري اكتوبر" انتقل السائق الى تقويم برنامج التخصيص في مصر فوصفه بأنه "من أنجح ما يكون".