في زيارته الأخيرة للبنان قبل شهر ونصف شهر، قال الرئيس جاك شيراك كلاماً يفهم منه ان زيارة الرئيس حافظ الأسد لباريس لا يمكن الا ان تكون ناجحة اقله ظاهراً. ذلك ان كل ما قاله الرئيس الفرنسي يلتقي مع وجهات النظر السورية خصوصاً تأكيده انه "يجب على اسرائيل ان تنسحب من لبنان وفقاً للقرار 425 ومن دون اي شرط" وان "من حق سورية ان تستعيد هضبة الجولان" المحتلة. أهم ما قاله شيراك في اطار دعم وجهة النظر السورية واللبنانية دعوته الى ان يتحقق الانسحاب الاسرائيلي من لبنان في اطار سلام شامل، مضيفاً انه "على قناعة بأن هذا الوضع الجديد سيتيح عندئذ للقوات السورية الانسحاب بعد استتباب السلام الشامل". لم يربط الرئيس الفرنسي اذاً بين الانسحاب الاسرائيلي والانسحاب السوري بشكل مباشر آخذاً في الاعتبار حساسيات دمشق حيال الموضوع من جهة وعدم وجود طرف لبناني يريد بالفعل مصلحة لبنان ويؤمن في الوقت نفسه بهذه المعادلة من جهة اخرى. ولكن يبقى ان الرئيسين شيراك والأسد سيجدان نفسهما امام معضلة تتلخص بما طرحه الرئيس الفرنسي في بيروت ايضاً وفي المناسبة نفسها اذ قال في حفلة اعادة افتتاح قصر الصنوبر وهو مقر السفير الفرنسي في العاصمة اللبنانية: "علينا الا نستسلم للموت المعلن والمبرمج لعملية السلام". كيف يستطيع ذلك وكيف يمكن شيراك ان يجعل زيارة الأسد تصب في هذا الاتجاه؟ هذا هو السؤال الكبير. وهو سؤال يعكس في الوقت ذاته حدود الدور الفرنسي لكنه يظهر كم أن باريس واعية لخطورة السياسة التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو وتأثيرها على الاستقرار في الشرق الأوسط. اذا كان لبنان لعب دور الجسر على صعيد العلاقة الجديدة بين فرنسا وسورية ونجح في ذلك، فان نجاح زيارة الرئيس السوري لباريس يفترض ان يترجم على صعيد قدرة فرنسا على ان تكون جسراً آخر بين سورية والولايات المتحدة، ذلك انه لا مفر من الاعتراف في نهاية الامر بأن لا احد يستطيع التأثير على اسرائيل غير اميركا، فهل ستتمكن باريس من الحصول على شيء ما من دمشق لاقناع واشنطن بأن عليها التحرك مجدداً وبطريقة مختلفة، وانه لا يكفي اعلان الادارة الاميركية واعترافها بأن لا سلام شاملاً من دون سورية. تعرف واشنطن انه لولا دمشق، لم يكن لمؤتمر مدريد ان ينعقد. وتعرف ايضاً ان العبارة السحرية التي جاءت بالوفد السوري الى مدريد هي "الأرض في مقابل السلام". وما تدركه دمشقوباريس في الوقت نفسه هو ان ثمة في اشنطن من يعتقد ان سورية اضاعت فرصة لا تعوّض في عهد حكومتي اسحق رابين وشمعون بيريز، وان لا مجال لمعاودة المفاوضات على صعيد المنطقة ككل قبل تحريك المسار الفلسطيني - الاسرائيلي. انها بالفعل معادلة معقدة لا بد أن يجد الرئيسان الأسد وشيراك طريقة للتعاطي معها ولإيصال رسالة ما الى واشنطن التي تبقى صاحبة الحل والربط، والتي لا يمكن للدور الأوروبي الا ان يكون مكملاً لدورها