أكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك ان "على اسرائيل ان تنسحب من لبنان طبقاً للقرار الرقم 425 من دون قيد أو شرط"، وعلى حق سورية "ان تسترد هضبة الجولان" وحق اسرائيل "شأنها شأن سائر دول المنطقة، بأمن كامل تام، وعلى اسرائيل ان تدرك ان الأمن لن يأتي من دون السلام"، معلناً استعداد بلاده "للمشاركة مع آخرين في ضمان الحدود بين لبنان وإسرائيل في حال طلب منها ذلك الأطراف المعنيون". وأن من حق لبنان ان ينعم باستقلاله التام وبأمنه وسيادته المستعادة على كامل أراضيه. جاء كلام الرئيس الفرنسي الذي بدأ زيارة لبيروت مساء أول من أمس تستمر حتى بعد ظهر اليوم، لدى افتتاحه قصر الصنوبر، المقر الرسمي للسفراء الفرنسيين، بعدما اعيد ترميمه واصلاح أضرار لحقت بمبناه أثناء الحرب اللبنانية، وهو المقر الذي كان يقطن فيه المندوب السامي الفرنسي قبل نيل لبنان استقلاله في 1943. والتقى شيراك، الذي شارك اليوم في افتتاح تظاهرة فرانكوفونية جديدة في بيروت، مؤتمر رؤساء البلديات الناطقة بالفرنسية، رؤساء الجمهورية الياس الهراوي والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري، وعرض مع كل منهم العلاقات الثنائية والطرح الاسرائيلي تنفيذ القرار 425 مشروطاً بمفاوضات على الترتيبات الأمنية والموقف اللبناني منه، اضافة الى عملية السلام. وعلمت "الحياة" ان الرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة أعربا عن قلقهما البالغ حيال عملية السلام في الشرق الأوسط وصعوبة استئناف الحوار، فأكد الأول أن الوقت يعمل لمصلحة معارضي السلام بينما شدد الثاني على مسؤولية الحكومة الإسرائيلية عن الوضع الراهن. وقالت مصادر الرئاسة الفرنسية أن "شيراك قال أنه ليس متفائلاً لكنه شدد على أن العالم لن يسمح باستئناف العنف"، وأكد "ضرورة إيجاد سبل مواصلة احياء العملية السلمية". وعرض شيراك بالتفصيل فكرته التي أطلقها مع الرئيس حسني مبارك لعقد قمة دولية لانقاذ السلام. وقال: "حان الوقت لكي يتم الاعلان جهاراً عن مبادئ السلام التي تم التوصل اليها في أوسلو وطابا". ونقل المصدر الفرنسي عن الحريري قلقه حيال التجارب النووية الباكستانية والهندية "التي يمكن ان تُوجد المزيد من النتائج السلبية في منطقة الشرق الأوسط، اضافة الى نتائج جمود مسيرة السلام". وقال المصدر "إن الحريري عبّر عن أمله في حصول دفع جديد لعملية السلام في الشرق الأوسط". وأكد الرئيس الفرنسي على "ثبات الموقف الفرنسي بالنسبة الى القرار الرقم 425، حيث ينبغي تطبيقه من دون شروط". وأشار في هذا الصدد الى ان قبول اسرائيل به هو عنصر جديد". وحرص الرئيس الفرنسي على التأكيد "أن المؤتمر الوزاري المتوسطي - الأوروبي الذي تنعقد جولته الجديدة في باليرمو في 3 حزيران يونيو لا علاقة له مباشرة بمسيرة السلام إنما يمكن ان يشكل دفعاً جديداً في هذا الإطار". ونوّه شيراك بسير العملية الانتخابية البلدية واستمع مطولاً الى عرض قدمه الحريري عن الخطوات التي قطعتها حكومته في المجال الاقتصادي. ومن جانبه، انتقد بري، خلال محادثاته مع شيراك والتي تلت اللقاء مع الحريري سياسة حكومة بنيامين نتانياهو. وقالت الناطقة الرسمية باسم الرئاسة كاترين كولونا "ان بري رحب بالنداء الفرنسي - المصري لانقاذ السلام، معتبراً ان هناك ضرورة لاعادة دفع العملية السلمية". وعلمت "الحياة" أن بري قال لشيراك إنه "من الخطأ القول ان لبنان رفض الاقتراح الإسرائيلي بتطبيق ال 425 نتيجة ضغوط سورية. فالاقتراح الإسرائيلي ليس اقتراحاً إذ أنه يضيف على القرار 425 شروطاً وضمانات بعيدة عنه ولأن اسرائيل تريد في الواقع مفاوضات وليس تطبيق القرار". وتطرق الرئيس الفرنسي إلى موضوع الاصلاحات الاقتصادية في لبنان ناصحاً باحداث تقدم فيها، وحثّ رئيس المجلس والنواب على ضرورة تسهيلها لتجنيب لبنان أزمة مالية خصوصاً أنه كاد يواجه أزمة خلال السنة الحالية. أما لقاء شيراك مع الهراوي، فتخللته خلوة دامت عشرين دقيقة بينهما، بعد اللقاء الموسع الذي حضره أعضاء الوفد الفرنسي. وقالت مصادر فرنسية ل "الحياة" إن زيارة الرئيس حافظ الأسد لباريس، تأكد موعدها في 16 و17 تموز يوليو المقبل، بعد لقاء مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السفير جان كلود كوسران والرئيس السوري قبل أيام في دمشق موفداً من شيراك. وقد شارك كوسران في لقاءات الرئيس الفرنسي مع المسؤولين اللبنانيين في بيروت أمس. وجرت محادثات في مبنى وزارة الخارجية اللبنانية بين وزير الخارجية فارس بويز ونظيره الفرنسي هوبير فيدرين، الذي أشاد "باعادة الاعمار"، مؤكداً "وقوف بلاده الى جانب لبنان"، مشيراً الى "التقدم المذهل في مدينة جديدة تبصر النور"، مستشهداً "بأحد أبيات شعر ناديا تويني". وأشار الى المساعدات الفرنسية، مؤكداً "رغبة بلاده في المساعدة على تشييد مجتمع يمنح كل أبنائه الفرص نفسها في الحياة"، مشيراً الى "المهجرين وأكثر الفئات حرماناً". وقال: "هذا البعد الاجتماعي أساسي في اعادة الاعمار، ولا بد من اغتنام هذه الفرصة اليوم لبناء مجتمع جديد، عادل، متضامن، أفضل". وأضاف: "فرنسا بأسرها تود مساعدتكم على إعادة إعمار دولة تزداد هيبةً بوضع نفسها في خدمة المواطنين، وحريتهم وكرامتهم، تتمتع بمؤسسات صلبة، ضامنة للاستقلال والاستقرار والتضامن". وأكد على "ترسيخ دولة القانون وتدعيم الديموقراطية والحريات العامة". ومساء، حضر الرؤساء الثلاثة ومعظم الوزراء وزوجاتهم ورؤساء الطوائف الروحية ونحو أربعة آلاف مدعو حفلة استقبال لمناسبة اعادة افتتاح "قصر الصنوبر"، الى جانب شيراك وزوجته وفيدرين. وألقى شيراك خطاباً للمناسبة حيا فيها ذكرى الفرنسيين الذين سقطوا في لبنان. وقال: "إنه من دون السلام لا تنمية ولا أمن". وذكر شيراك بالنداء الذي وجهه مع الرئيس المصري لاحياء عملية السلام "وذلك بفكرة استغلال كل المبادرات، واستكشاف كل الامكانات، وعدم تفويت أي فرصة". وأكد "ان فرنسا ستستمر وأوروبا، وبالاتصال مع الولاياتالمتحدة الأميركية، في نضالهما الذي لا يكل من أجل السلام. فالمطلوب اليوم تعطيل هذه الدوامة القاتلة من الاستفزازات والتراجع واليأس. والمطلوب ابقاء الشعلة التي أوقدت في مدريد، والعمل على الحؤول دون انطفائها. فنحن لا نرضخ لهذا الموت المعلن لعملية السلام". وتابع: "اعلم ما قد يخشاه العديد منكم، من سلام يصنع في مكان آخر، يقرر مصير بلدكم ويحرمه من استعادة سيادته كاملة. إن أي سلام لا يوافق عليه اللبنانيون موافقة تامة يكون سلاماً رديئاً وهشّاً. وإنني على قناعة، في ما يتعلق بلبنان وسورية أن السلام لا يمكن ان يرتكز الا على أسس اتفاق شامل". وأكد: "يمكن للبنان أن يعتمد على مساندة فرنسا في سعيه الى تنظيم استقلاله وبعث الحياة فيه"، وكرر استعداد فرنسا، "ما طلبت منها الأطراف المعنية ذلك، وبالمشاركة مع الآخرين، لأن تضمن حدودكم. ولا بد، برأيي، أن يكون الجيش اللبناني، مع قوات الأمن الداخلي، هو الضمانة الوحيدة لسيطرة الدولة على كامل التراب الوطني، عندما يجري الانسحاب الاسرائيلي في إطار سلام شامل. وسيمثل هذا الأمر تحدياً عظيماً يتعين على بلدكم ان يرد عليه. وانني مقتنع أن هذا الوضع الجديد سيسمح عندئذ للقوات السورية، وبعد أن يستتب السلام على نحو كامل، أن تنسحب". وكان شيراك التقى قبيل الاحتفال رؤساء الطوائف الروحية والوزيرين ميشال المر وفارس بويز في جلسة دردشة في انتظار وصول الرؤساء الثلاثة. وأدت كثافة الحضور في احتفال قصر الصنوبر الى حصول بعض الأخطاء البروتوكولية، حيث شارك بعض الوزراء والنواب وقوفاً وراء حاجز يفصلهم عن المنصة الرئيسية مما دفع بعضهم إلى الانسحاب من الاحتفال احتجاجاً. وانتقل رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين من باحة الاحتفال الى داخل القصر. وقال مصدر فرنسي إن السبب يعود إلى ألم في ظهره وانه تحادث بحرارة مع شيراك. كذلك انسحب الوزير وليد جنبلاط وعقيلته وعلّق على الاجراءات بأن "المنظمين ما زالوا يعيشون في زمن غورو"، المندوب السامي الفرنسي خلال الانتداب. ومساء أقام الحريري مأدبة عشاء تكريماً للرئيس الفرنسي. وألقى كلمة جدد فيها دعوة اسرائيل الى استئناف المفاوضات من النقطة التي وصلت اليها، مؤكداً "استعداد لبنان وسورية نتيجة لهذه المفاوضات لتوقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل في مدى ثلاثة أشهر". وأشار الى التجارب النووية الباكستانية والهندية وقال "ان اسرائيل تمتلك ترسانة نووية هائلة ولا تستبعد ان تقوم دول أخرى في المنطقة بتجارب مماثلة مما يهدد الأمن والسلام العالميين".