شهد مسرح جامعة الملك سعود في الرياض ليلة امس مجموعة من الطلاب المكفوفين في مسرحية "البصيرة" التي ألفها عثمان قمر الأنبياء وأخرجها عواض عسيري. وقبل رفع الستارة تململ الجمهور الذي كانت نسبة المكفوفين فيه لافتة، خصوصاً مع ضحكهم المتواصل، لكن سرعان ما اندمج في مناخ المسرحية وأحداثها، كأنه لم يلحظ فرقاً في التمثيل بين الأعمى والمبصر. في المشهد الأول يتجمع رجال مقنعون كالخفافيش حول نار تمتد إلى الغيوم فتحوّلها ألسنة من اللهب، بعدها بقليل ينصب باب وإلى جواره طاولة ثم خزانة ثياب ، وعبر الممرات الضيقة والباب كان الممثلون يمرون ويتنقلون. وعندما يندفع أحدهم راكضاً باتجاه الجمهور يتذكر من هم في الصفوف الأمامية، وقد حبسوا أنفاسهم فجأة، أن هذا الذي يوشك أن يتجاوز حافة المسرح هو المكفوف. والمفارقة التي زادت في كوميدية المسرحية هي أن البطلين المكفوفين قاما بتمثيل لصين مسلحين يكتشفان مزيداً من اللصوص. وإذا كان اللصوص مكفوفين فإن رجال الشرطة مكفوفون أيضاً. وكلما تصاعد العنف والتوتر في الموقف، على الخشبة، وتسارعت الحركة والأصوات مسقطة عقالاً فيلتقط في الهواء، كان يصعب على المشاهدين التصديق ان الحركات والتعابير والانفعالات، تولّدها عيون منطفئة. وعلى رغم أن ممثلاً مبصراً واحداً هو محمد تكروني، شارك في المسرحية إلى جانب حمود الشمري، حيدر الصفواني، ياسر الراجح، غيث الجهني، محمد التمام، خالد الشقاوي، وليد سليمان ويحيى السفياني، إلا أن العمل الذي قام به أعضاء مركز المعوقين في الجامعة يستحق التقدير والإعجاب. ويقول المشرف على المركز رائد النصار مكفوف أن المسرحية هي أول عمل مسرحي متكامل باللغة الفصحى يقوم به مكفوفون من الطلبة، سبقته في العام 1988 محاولات من الطلاب المكفوفين في تمثيل مشاهد قصيرة. وعندما انحسرت أعدادهم في الأعوام الفائتة توقفت المحاولات حتى هذا العام الذي شهد التحاق عدد كبير من المكفوفين ، شجع حماستهم على القيام بالتجربة. مشيراً إلى أن النص كتب بطريقة "برايل"، ولم يكن في هذا مشكلة. غير ان المخرج واجه مشكلات، بينها صعوبة إيصال الحركة إلى الممثلين، ورسم التعابير الانفعالية على الوجه وقياس مسافات الحركة واتجاهاتها على المسرح. أما الممثلون فقد حدّقوا في الجمهور كله وليس في وجه معين، وكانت بصيرتهم أقوى من البصر.