السويديون على موعد فكري هام في الخريف المقبل مع أول ترجمة سويدية كاملة ودقيقة للقرآن الكريم، أنجزها السفير المتقاعد بوزارة الخارجية محمد كنوت بيرنستروم 76 سنة واستغرقت منه عشر سنين من العمل الجاد والتفرغ التام الى حد العزلة في مكان خاص قصيّ من المغرب، بعيداً عن الأهل والأصدقاء والمشاغل وقوة الطبيعة! وقد شهدت أخيراً الهيئات العلمية المتخصصة بالأزهر الشريف بمصر للترجمة باستيفائها الشروط العلمية الشرعية ومطابقة المعاني الواردة فيها للمعاني المتفق عليها بين المفسرين والفقهاء المسلمين. وستصدر الترجمة التي تتألف من حوالي ألف صفحة كبيرة في كتاب واحد عن دار نشر بروبريوس باستوكهولم التي تحملت حوالي 40 في المئة من كلفة النشر الاجمالية الباهظة. وتحمّلت وزارة الخارجية السويدية القسم الباقي تقديراً منها لدور المترجم في خدمة الثقافة السويدية، وهو أحد رجالها البارزين السابقين، عمل فيها نحواً من خمس وثلاثين سنة، واحتفاء بالكتاب الكريم نفسه أيضاً. ووصفت وزارة الخارجية مساهمتها بتكاليف الطباعة بكونها جزءاً من توجهها السياسي الذي يحمل عنوان المبادرة الإسلامية التي أطلقتها وزيرة الخارجية الحالية السيدة لينا يلم - فالين منذ عام 1995، وتتضمن السعي الى توثيق روابط السويد بالعالم العربي والإسلامي حضارياً وفكرياً وسياسياً من منطلق ان الهجرة الكثيفة خلال العشرين عاماً الأخيرة جعلت المجتمع السويدي متعدد الديانات والثقافات. بات الإسلام، مع هذه الهجرات، أحد المكونات الأساسية للمجتمع السويدي ما يحتم على الدولة التعرف عليه واحترام مفاهيمه وخصوصياته وادماجه في ثقافتها الوطنية. نفقات الترجمة وتجدر الإشارة هنا الى ان مؤسسات غير حكومية ودولاً عربية وإسلامية المملكة العربية السعودية، الكويت، ايران... أعربت عن رغباتها بتحمل نفقات اصدار هذه الترجمة، الا ان الحكومة السويدية تدخلت وحسمت الأمر فشكرت لها مبادراتها معلنة أنها ستتولّى هي هذا الأمر. والترجمة تعد الأولى باللغة السويدية منذ العام 1917 حين صدرت ترجمة المستشرق ك. ف زيتيرستن. وهي ترجمة غير وافية ولا دقيقة، تزخر بالأخطاء اللغوية والمفهومية، وقد استخدم المترجم فيها لغة سويدية كلاسيكية تقادم الزمن عليها ولم تعد مفهومة أو مقروءة اليوم. أما الترجمة الأولى في تاريخ السويدية فكانت قد ظهرت عام 1843، ووضعها يوهان فريدريك سباستيان، وتبعتها ترجمة ثانية عام 1874 للمستشرق كارل يوهانس قوربنيري. بيد أن هاتين ما كانتا أفضل من سابقتهما بسبب اعتماد المترجمين الثلاثة على ترجمات أوروبية للقرآن الكريم فرنسية وألمانية وانجليزية... وجهلهم باللغة العربية. أما المترجم محمد كنوت بيرنستروم فيتقن العربية اضافة لثماني لغات أخرى، الأمر الذي مكّنه من اجراء مقارنات بين مختلف الترجمات وتجاوز الأخطاء والعيوب الواردة فيها. وقد حرص على انجاز ترجمة لا ترضي السويديين وحسب بل ترضي أوّلاً المرجعيات الإسلامية الرسمية، خصوصاً وأنه اعتنق الإسلام عن قناعة وإيمان وقام بعمله حباً بالإسلام وتعلقاً بالقرآن. وهو الى ذلك استعان ببعض المثقفين العرب المسلمين الذين يجيدون العربية والسويدية، وكانوا يراجعون ما ينجزه أولاً بأول، وصفحة صفحة لاستبعاد أي خطأ مهما كان صغيراً، ومطابقة المعاني مع المعاني المجمع عليها بين المفسرين المسلمين الكبار. منهج الترجمة ويقول بيرنستروم انه استفاد من خبرته السابقة في العمل الديبلوماسي حيث يتعين على السفير نقل وجهات نظر حكومته الى الحكومات الأخرى ونقل وجهات نظر هذه الى حكومته بمنتهى الدقة والايجاز والأمانة. فطبق المنهج عينه في ترجمته للقرآن. وحين يصدر هذا الكتاب ويصل الى أيدي الناس سيكون السيد بيرنستروم قد انكب على انجاز المرحلة الثانية من مشروعه المعرفي الفخم وهو ترجمة كنوز السنّة النبوية الشريفة الى السويدية للمرة الأولى في التاريخ. وهو يعكف حالياً على اختيار الأحاديث النبوية الشريفة التي يجب أن تغطي سائر المجالات والأبواب العقيدية والأخلاقية والاجتماعية. والمجمع على صحتها من جانب أئمة علم الحديث الستة الكبار لتبويبها وتنسيقها وتقديمها في لغة عصرية وسهلة. أما إذا أمدّ الله سبحانه وتعالى في عمر محمد كنوت بيرنستروم فيثلّث مشروعه الكبير بترجمة سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه.