رصدت صحيفة "المصري اليوم" تحريفات إسرائيلية في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية على الرغم من ادعاءات المستشرقين اليهود أن «العبرية» هى أكثر اللغات قدرة على نقل معانى القرآن، لأنها «أخت سامية» للغة العربية، وأنهم إلتزموا الموضوعية والأمانة فى النقل. ويبدأ التحريف المتعمد من «فاتحة الكتاب»، ففى ترجمة الحاخام «أفراهام بر حسداى» لسورة الفاتحة، يقول فيها: (الإله الواحد، الأب الرحمن، ملك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، أهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين عطفت عليهم، لا الذين غضبت عليهم إنهم المحتارون). وفي هذه الترجمة بدأ المترجم بالآية الثانية من سورة الفاتحة مباشرة، ولم يلتزم بالنص القرآنى بل تعمد الإضافة إليه والحذف منه. وفى الآية الأولى لديه وهي مقابل قوله تعالى «الرحمن الرحيم» يضيف كلمات الإله- الواحد- الأب، وهى لم ترد في الأصل. وأراد المترجم جذب انتباه القارئ اليهودي نحو العقيدة المسيحية، والادعاء أن الإسلام والمسيحية يصفان الله تعالى بأنه (الأب)، وذلك لإثارة الشعور بمزيد من العداء تجاه الإسلام والقرآن، استناداً للعداء اليهودي القديم للمسيحية بوصفها خروجاً على اليهودية الأم. ويستخدم المترجم ألفاظاً عبرية لا تفي بالمعنى العربي، فيستخدم لفظة «الإله» محل اسم الجلالة «الله» في الوقت الذي استقرت فيه «أدبيات علم الترجمة» على أن اسم الذات لا يترجم. وأما مقابل «غير المغضوب عليهم» فجاء (الذين غضبت عليهم) وهو ما يأخذه الباحث د. عامر الزناتي المتخصص في دراسة ترجمات القرآن إلى العبرية، على المترجم لأنه: «نسب الغضب لله بضمير المخاطب، وفيها إساءة أدب مع الله تعالى، خاصة أن الأصل كان صيغة مفعول به دون ذكر الفاعل». وهذا الخطأ يتكرر في جميع الترجمات العبرية التي تصدت لترجمة سورة الفاتحة، ومرجع هذا الخطأ هو تناقض السياق الثقافي بين اللغتين، فالعهد القديم مثلا لا يجد غضاضة في نسبة مشاعر بشرية كالغضب، والحزن والندم للرب، وتمر هذه الآيات مرور الكرام على أنها صفات تدخل تحت بند المجاز. أما السياق الإسلامي فيقف عندها، ويعتبرها تنتقص من حالة القداسة والتنزيه الإلهي. لكن هذا لا يعد عذراً للمترجم، خاصة أن المستشرق اليهودي «يوسف ريفيلين» عندما قدم ترجمته الكاملة لمعاني القرآن الكريم إلى العبرية عام 1971 انتبه لذلك، وصحح ترجمة آية (المغضوب عليهم)، مدركاً لمغزى الآية، وسياقها الإسلامي. نموذج ثان مهم لكتابات المستشرقين المتضمنة لترجمة بعض آيات القرآن، في مقال «مدخل لدراسة القرآن»، تأليف زهافا كيستر حيث تترجم معاني سورة الضحى كاملة، ولكن الآية (7) عند قوله تعالى: «ووجدك ضالا فهدى» تترجمها على النحو التالى: (وجدك ضالا «كنت تعبد الأصنام» فهداك إلى الصراط المستقيم). وأخطر ما في هذه الترجمة هو الإشارة التفسيرية بين الهلالين، التي تعبر عن فهم المترجمة الخاطئ لمعنى (ضالا). فهى تعتقد أنه يعني «عابدا للأصنام». ذلك على الرغم من أن المفسرين المسلمين أشاروا إلى العديد من المعاني حول كلمة «ضالا» هنا، منها: أنها تعني غافلا عن أمر النبوة، أو أنها تعني لا تدري القرآن والشرائع، أو أنها تعني، وجدك في قوم ضلال فهداهم بك، أو وجدك ناسيا شأن الاستثناء حين سألت عن أهل الكهف، وعن «ذي القرنين»، لكنهم أكدوا وأجمعوا على أنه لا يظن أن المراد به هنا الشرك. يقول الزمخشري: «إن الأنبياء معصومون قبل النبوة، وبعدها عن الكبائر والصغائر، فما بال شبهة الكفر والجهل بالخالق». ويتضح أن عدم الإلمام بما جاء في الأحاديث النبوية والقدسية، وكتب التفاسير والسيرة، وعدم التمكن من اللغة العربية يعدان سببا في قصور الترجمة وعدم دقتها. وأحيانا يكون الموقف العدائي تجاه الإسلام سببا لتحريف القرآن بالعبرية، ويظهر ذلك بوضوح في أول ترجمة عبرية كاملة للقرآن، وضعها المستشرق اليهودي حييم ركندورف. وصدرت بعنوان (القرآن، نقل من اللغة العربية إلى العبرية، مع التفسير). وبدأت بمقدمة في 47 صفحة، قسمها المترجم إلى ثمانية أقسام على النحو التالي: 1- بلاد العرب وسكانها قبل البعثة النبوية. 2- حياة محمد.3- القرآن (الكريم). 4- ماذا أخذ محمد من عقيدة وكتب اليهود؟ 5- ماذا أخذ محمد من عقيدة النصارى؟ 6- ماذا أخذ محمد من المشركين؟ 7- السنة، أو الشريعة الشفهية للعرب. 8- أهم الفرق في دين محمد. ولهذه المقدمة أهمية هائلة في توضيح التوجهات العدائية التي سيطرت على المستشرقين اليهود عند ترجمة القرآن الكريم، والتي أثرت بالضرورة على جودة الترجمة، وسنستفيد في الجزء الخاص بمقدمة «حييم ركندورف» ببعض ما جاء في الدراسة المهمة التي قام بها الباحث المتميز د. عامر الزناتي، ولم تلتفت أي منظمة إسلامية لطبعها ونشرها على نطاق واسع برغم أهميتها الفائقة في هذا المجال. ويستهل ركندورف المقدمة بنبذة تاريخية عن الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، ثم يعرض لحياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من وجهة نظر يهودية، فيزعم أن الرسول رحل مع عمه للتجارة فى الشام والنقب، وهناك استقى محمد (صلى الله عليه وسلم) الكثير من المعارف والشرائع الخاصة بأهل هذه البلاد، وأشبع نفسه المتعطشة لمزيد من العلم والمعرفة، ثم استقى كثيراً من معارفه من «ورقة بن نوفل» ابن عم زوجته خديجة رضي الله عنها- والذي كان عالما بكتب اليهود والنصارى. ويزعم ركندورف أن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) عزف عن اليهودية، بسبب كثرة شرائعها، كما استهجن كثرة الفرق في النصرانية، ومن ثم جعل همه وضع الأساس لدين جديد. وما إن سمع بدين إبراهيم (عليه السلام)، حتى تبنى هذا الاتجاه رافعا لواء عقيدة إبراهيم وديانته، ثم أدخل على دينه بعضا من شرائع وعقائد اليهود والنصارى!! وكل هذا كلام تقليدي يردده المستشرقون، لكن ركندورف يزعم أن الوحي «محض خيال من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، نتيجة كثرة تأملاته، وتفكيره، وإصابته (باضطراب نفسي)، بل إنه (جن) فتخيل أن جبريل (عليه السلام) يحادثه ويوحي له بنبوءاته». ولا تتوقف وقاحات ركندورف عند هذا الحد بل يدعي أن «محمد ظل معتكفا في الغار لمدة ستة أعوام متصلة إلى أن وضع «تصوراً علمياً» لدينه الجديد، فغادر الغار ليكشف أمره لأهله». وقاحات وسفالات ركندورف تفوق التصور، وتثير الغثيان. لكن كان لابد من بعضها لتكشف للقارئ عن طبيعة ترجمته للقرآن الكريم من ناحية، وهدف الباحثين اليهود من وراء هذه الترجمات من ناحية أخرى. فالهدف هو الادعاء أن «الإسلام بدعة يهودية». وفي هذا السياق تحديدا يزعم ركندورف أن محمدا لم يقرأ أبدا أسفار العهد القديم، لكنه علم بمحتواها شفهيا عن طريق السماع. لذلك جعل يعقوب ابنا لإبراهيم (عليهما السلام)، كما جعل هامان مستشارا لفرعون، ووحد «مريم المجدلية، ومريم أم المسيح فى شخصية واحدة». وبعد هذه الترجمة بنحو تسعة وسبعين عاما، صدرت الترجمة الثانية الكاملة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية، وذلك في فلسطين عام 1936، وقد قام بها المستشرق اليهودي «يوسف يوئيل ريفلين»- والد رئيس الكنيست الحالى روبى ريفلين، وهى بعنوان «القرآن- ترجمة من العربية». وكما هو واضح من عنوانها فقد تمت عن الأصل العربي مباشرة. وقد صدرت طبعتها الثانية عام 1963، ثم فى عامى 1972، 1987 صدرت الطبعتان الثالثة والرابعة. ويوسف يوئيل ريفلين يهودي ولد فى القدس عام 1890، وتوفي بها سنة 1971 وهو مستشرق، ومعلم للغة العربية، عمل بالتدريس فى فلسطين ودمشق، وحصل على درجة الدكتوراه فى الأدب العربى والعلوم الإسلامية عام 1925 من جامعة فرانكفورت. ثم انتقل للعمل بالجامعة العبرية بمعهد أبحاث الشرق. وترجم إلى العبرية عددا من عيون الأدب العربى، كما ترجم سيرة ابن هشام، وصدرت بالعبرية فى جزءين بعنوان «حياة محمد». وترجم «ألف ليلة وليلة» إلى العبرية وصدرت فى عشرين جزءا، وترجم كتاب «محاضرات عن الإسلام» للمستشرق المجري «جولدتسيهر». وترجمة ريفيلين لمعانى القرآن الكريم تبدأ بمقدمة قصيرة مكونة من ست صفحات، يتحدث المترجم خلالها عن أهمية القرآن الكريم، ومكانته السامية بين المسلمين، مادحا أسلوبه ومضمونه، مشيرا إلى أن هذا الأسلوب يذكره بالأسلوب السامى القديم. ومقدمة ريفلين لم تتضمن حديثا عن الإسلام أو القرآن، أو هجوما عليهما، بل اكتفى بذكر الظروف التى مر بها أثناء الترجمة التى تطلبت منه العمل عليها لمدة عشرين عاما متصلة. وساعده على إنجازها الشاعر العبري الأشهر حييم نحمان بياليك، الذي تدخل في النص كثيرا ليضفي عليه الطابع الشعرى!! ثم ينتقل ريفلين بعد ذلك للحديث عن أسلوب الترجمة، وأن اختيار الأسلوب الملائم للقرآن الكريم كان يمثل مشكلة أمامه، حيث تحير ما بين أسلوب لغة العهد القديم، وأسلوب التلمود، وأسلوب كتابات العصر الوسيط. وقد حملت هذه الترجمة روحا جديدة فى تعاملها مع نص القرآن، روحا تختلف عن روح ركندورف، وغيره من المترجمين، وإن امتلأت بالأخطاء فى اختيار الألفاظ الدقيقة لترجمة ألفاظ القرآن، والتحيز لليهود فى الآيات الواردة عنهم. وبعد هذه الترجمة بنحو ستة وثلاثين عاما صدرت ترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم، قام بها المستشرق «الإسرائيلي» أهارون بن شيمش، عام 1971، بعنوان: «القرآن المقدس- أهم كتب الإسلام- ترجمة عن العربية»، وجاءت في 442 صفحة. وقد صدر أهارون بن شيمش ترجمته بأربع آيات من القرآن الكريم اختارها بعناية لغرض فى نفس يعقوب، وهو التأكيد على أسبقية التوراة على القرآن، وسبق موسى عليه السلام، على محمد (صلى الله عليه وسلم)، مع التأكيد على علو مكانة موسى عليه السلام فى الإسلام، والإيحاء بأن الرسول والقرآن مجرد مقتفيين لما سبقهما. والآيات على التوالى هى الآية (12) من سورة الأحقاف، والآية (94) من سورة يونس، والآية (15) من سورة الشورى، والآية (46) من سورة العنكبوت. أما أحدث الترجمات العبرية لمعانى القرآن الكريم فهى الترجمة التى قام بها البروفيسور أورى روبين فى مارس -2005- وأورى روبين قاد حملة إعلامية واسعة للدعاية لترجمته. وقد وصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأنه واحد من كبار الخبراء فى العالم فى القرآن وتفاسيره الإسلامية. وصدرت تلك الترجمة ضمن سلسلة كتب جديدة فى مجال الأديان من إعداد المؤرخ والباحث فى شؤون الأديان، البروفيسور أفيعاد كلينبيرج. وقد علق روبين على ترجمته الجديدة، شاهدا على الترجمات السابقة بقوله: «هناك حاجة منذ سنوات عديدة لترجمة عبرية جديدة للقرآن: «فترجمة ريفلين تتسم بالدقة لكنها تحتوى على تراكيب لغوية قديمة وتلمودية يصعب فهمها دون الاستعانة بالأصل العربى. أما ترجمة بن شيمش فهى واضحة وسلسة، ولكنها متحررة وغير دقيقة مقارنة بالأصل، كما يشوبها قصور شديد وتتناول النص القرآني وكأنه نص قانوني، وربما يرجع ذلك لأن «بن شيمش» كان متخصصا فى القانون.. وقد حافظت في ترجمتي بقدر الإمكان على البنيان النصي للأصل، وكانت إضافتي الأساسية هي تفسيرات وملاحظات فى الهامش». وحظيت ترجمة أورى روبين باحتفاء خاص من المؤسسة الأكاديمية «الإسرائيلية»، لأنها أول ترجمة للقرآن تصدر فى أحضانها، كما أنها الإنجاز الأضخم لمؤسسة الاستشراق «الإسرائيلية».. والحقيقة بعد أن أمسكت بين يدي بهذه الترجمة الحديثة، وتصفحتها بدقة، وهى ترجمة كتب على غلافها الرئيسى «القرآن - ترجم من العربية» وتبدأ مباشرة دون مقدمات، وجدتها تمتلئ بالهوامش المليئة بالأخطاء، والمغالطات، وللأسف، لا تختلف كثيرا عن الترجمات السابقة، برغم كل ما قاله أورى روبين فى دعايته لها. فأسماء السور القرآنية مترجمة بتحرر شديد يبعدها عن الأصل، فتصبح سورة التوبة، هى سورة البيان مثلا، كما أن الهوامش التفسيرية التي لا تخلو صفحة منها لا تتسم بالدقة التي تتناسب مع حجم الضجة الإعلامية التي أثيرت حول الترجمة الأخيرة. وإذا أردنا أن نصفها في كلمات قليلة فهى «ترجمة متحررة للنص، تعكس وجهة نظر المترجم نفسه، ولا تعكس معاني القرآن الكريم». وقتالت الصحيفة إن التجربة العامة مع الترجمات العبرية للقرآن الكريم، يجب أن تضع المؤسسات الإسلامية، كالمؤتمر الإسلامي، وجامعة الأزهر، وأقسام اللغات العبرية فى الجامعات المصرية أمام مسؤوليتها فى إصدار ترجمة معتمدة لمعانى القرآن الكريم إلى العبرية، تتلافى فيض الأخطاء الفادحة الموجودة فى الترجمات التى يتداولها قراء العبرية الآن، ويصدرها المستشرقون اليهود للعالم الغربي، من خلال الدوريات العلمية، على أنها القول الفصل في القرآن، والإسلام والمسلمين.