يخضع المبدعون العرب بالكلمة والخط واللون والطين والإيقاع والكاميرا والجسد الى شيء من الابتزاز في علاقاتهم مع مؤسسات نسبت الى نفسها النطق باسم الشعوب العربية وأحياناً الاسلامية والدفاع عن الحقوق "الثابتة المقدسة". وبسبب ضعف المؤسسات هذه تجاه الهيئات الحاكمة في العقدين الأخيرين، بدأت تصب اهتمامها على المبدعين وتتخصص في ابتزازهم واستخدامهم في مهرجاناتها ودعاياتها، بل انها تلزم هؤلاء المبدعين بشكل تقديم اسهاماتهم، فيظهر هؤلاء مثل نجوم سينما يؤدون اعلانات عن صنف جديد من الصابون. تحتاج المؤسسات فقط الى الاسم والشكل لا الى جهد فني أو اسلوب خاص في تناول المناسبة التي يُستحضر اليها المبدع. وقد يكون من حق المبدع العربي ان يتحاشى العمل السياسي المباشر والانخراط في مناسبات وطنية ليتفرغ لابداعه الذي يصب في النهاية في الثقافة العامة لشعبه وينميّها، وقد يحق له أيضاً ان يختار الشكل المناسب للمساهمة في العمل السياسي. ولكن، لا تسمح مؤسسات الابتزاز بممارسة هذين الحقين وغيرهما من الحقوق، فإذا تمرد المبدع ولم يلبّ الدعوات الى عراضاتها لا تكتفي بشطب اسمه من مداولاتها كما كان الأمر سابقاً، بل تجيش حملات وتلفق له التهم وتختارها شنيعة تصل الى حد التخوين. وهكذا تساهم مؤسسات الابتزاز السياسي في "ضبط" حرية التفكير والابداع الادبي والفني، وابقائها ضمن المعهود والمقبول. ولهذا السبب ولغيره الذي من جوّه يراوح الابداع العربي مكانه ويبقى أسير الحدود التي رسمتها مؤسسات رسمية ومؤسسات شعبوية