وجد حوالي 30 الف لاجىء عراقي طريقهم الى الولاياتالمتحدة او نقلتهم اليها الحكومة الاميركية منذ العام 1988. وبالنسبة الى الغالبية الساحقة من هؤلاء المرحلين كانت الحياة في الولاياتالمتحدة مخيبة للامال. ويرجع ذلك في شكل اساسي الى التوقعات المبالغ فيها من العراقيين، ومصاعب اللغة والثقافة، وضآلة الموارد المالية التي ترصدها الحكومة الاميركية لاعادة توطين اللاجئين. يقول غانم سامو، وهو كردي عراقي أجلي مع عراقيين الى جزيرة غوام ويعمل الآن مع منظمة خيرية تقدم المساعدة للاجئين العراقيين الذين وطِّنوا في هيوستون في ولاية تكساس: "كنا نتوقع اكثر مما حصلنا عليه. كانت اوضاع اللاجئين الذين جاؤوا الى الولاياتالمتحدة جيدة عندما كانوا في شمال العراق واماكن اخرى في هذا البلد. كان وضعهم افضل بكثير في بلادهم، وتوقعوا ان تمنحهم الحكومة الاميركية رعايتها وان يتمكنوا من الحصول على كل ما يحتاجون اليه وما يرغبون فيه. كانت توقعاتهم خاطئة". وأحرز بعض العراقيين قدراً كبيراً من النجاح، فحصلوا على وظائف ورواتب جيدة وتمكنوا من شراء منازل، لكن معظمهم يزاول اعمالاً رتيبة مثل العمل في محطات الوقود وتوصيل فطائر البيتزا وقضاء ساعات ممّلة في مهمات حراسة او استلام النقود في متاجر اطعمة. ويعترف مسؤولون اميركيون بوجود مشاكل عامة من هذا النوع، لكنهم يشيرون الى ان جميع المهاجرين الذين وصلوا الى هذا البلد في الفترة الاخيرة يمرون بالتجربة ذاتها. تقول روث غودفري من "مكتب السكان واللاجئين والهجرة" التابع لوزارة الخارجية الاميركية: "لا يمكن القول ان الجميع سعداء". لكن درجة النجاح بالنسبة الى الحكومة الاميركية تُقاس بمدى أبعد و"السؤال الذي نطرحه هو هل يتكيف الاشخاص بمرور الوقت ويصبحون قادرين على ان يعيشوا كما يشاؤون؟ اعتقد انهم يحققون ذلك في معظم الحالات". ويبدي بيل فريليك كبير محللي السياسة في "لجنة اللاجئين"، وهي منظمة خاصة تعمل في اطار "وكالة المهاجرين واللاجئين" وتساعد في اعادة توطين اللاجئين، تفاؤلاً اكبر بقدرة العراقيين على الاندماج بنجاح في اميركا. ويقول: "اعتقد ان وضعهم جيد. ويملك كثيرون من العراقيين مهارات جيدة وهم تكيفوا في شكل جيد. انهم اقوياء البنية ولديهم حوافز للتكيف. وأثار اعجابي ما شاهدته". ويصعب العثور على مكان واحد تتوافر فيه معلومات دقيقة وشاملة عن أوضاع اللاجئين في الولاياتالمتحدة، سواء كانوا عراقيين او من اي جنسية اخرى، ولا يبدو ان احداً جمع معلومات اولية عن عدد العراقيين الذين حصلوا على وظائف، وعن مستويات رواتبهم واوضاع اطفالهم في المدارس، وعدد الذين اشتروا منازل ويديرون اعمالهم التجارية بانفسهم. فكيف يمكن أي جهاز حكومي ان يقوّم اداء سياساته إزاء إدخال اللاجئين والنظر في طلباتهم واعادة توطينهم من دون مثل هذه المؤشرات. ويؤكد مايكل كارفن، من "مكتب اعادة توطين اللاجئين" في وزارة الخدمات الصحية والانسانية، هذه المشكلة الاساسية عندما يتحدث عن "اصلاح" النظام الحالي: "نتحرك في اتجاه تركيز الاهتمام على النتائج بالنسبة الى اللاجئين وعائلاتهم". وكما هي الحال لدى معظم الاجهزة البيروقراطية، تكتفي الحكومة الاميركية في تقويم برامجها بالتأكد مما اذا كانت الاموال المخصصة في الموازنة لهذه البرامج أُنفقت فعلاً. ولا يوجد ما يشير الى ان البرامج حققت الهدف المعلن، وهو مساعدة اللاجئين في التكيف في بلدهم الجديد. ويلاحظ كارفن ان وزارته خصصت للفترة من 1 تشرين الاول اكتوبر 1998 الى 30 ايلول سبتمبر 1999 نحو 234 مليون دولار للخدمات الطبية الموقتة و130 مليون دولار لخدمات التشغيل و 8،4 مليون دولار لبرامج الصحة الوقائية و 50 مليوناً لمساعدات خاصة في المناطق التي يتمركز فيها اللاجئون. وهذه الاموال مخصصة لجميع اللاجئين وليس للعراقيين وحدهم. وتضاف الى المساعدة النقدية الموقتة التي تمنحها للاجئين غير المؤهلين للحصول على مساعدات الضمان، وهي تبلغ نحو 375 دولاراً في الشهر لكل عائلة. لكن هذه المساعدة تُقطع بعد ثمانية اشهر فقط. ولا يطيّب خاطر العراقيين كثيراً القول ان وضعهم لا يختلف عن وضع اي مجموعة اخرى من اللاجئين. وينطبق ذلك خصوصاً على حوالى 6 آلاف عراقي من شمال العراق نُقلوا الى الولاياتالمتحدة عبر جزيرة غوام عام 1996 اثر اجتياح الجيش العراقي مدينة اربيل. وكان هؤلاء عملوا لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي أي او منظمات غير حكومية اميركية ودولية، او كانوا اعضاء في "المؤتمر الوطني العراقي" الذي تسانده اميركا. وينطبق الامر ايضاً على 12200 من اسرى الحرب العراقيين الذين كانوا ضمن 37 الف جندي عراقي اسرتهم قوات التحالف خلال حرب الخليج ووضعوا موقتاً في مخيم رفحا في السعودية قبل نقلهم الى الولاياتالمتحدة كلاجئين. وتواجه "مجموعة غوام"، التي يتألف معظمها من اكراد كان وضعهم المادي جيداً الى حدّ ما في المناطق الخاضعة لسيطرة الاكراد شمال العراق، عقبات بيروقراطية اضافية لم تواجه موجات سابقة للاجئين العراقيين. وبسبب الطبيعة الاستثنائية للوضع الذي نشأ بعد دخول الجيش العراقي اربيل لم تتمكن الوكالات الاميركية، مثل "وكالة الهجرة والجنسية"، من اجراء تدقيق كامل في وضع هذه المجموعة من اللاجئين. فدخلوا اميركا باعتبارهم "طالبي تجنس"، او اشخاصاً يريدون ان يصبحوا مواطنين اميركيين، بدل ان يُعاملوا ك "لاجئين". وحدث ذلك على رغم ان الحكومة الاميركية نظّمت اجلاءهم نقلهم الى غوام ثم الولاياتالمتحدة. ويحصل اللاجئون تلقائياً على الجنسية الاميركية بعد خمس سنوات على دخولهم الولاياتالمتحدة، ولكن على "طالبي التجنس" الانتظار، سنوات في حالات كثيرة، قبل "تعديل" وضعهم الى إقامة دائمة. فلا تبدأ فترة السنوات الخمس المطلوبة للحصول على الجنسية الاّ بعد حصول الشخص على إقامة دائمة. ويرجع هذا التأخير بالدرجة الاولى الى "سقف" وضعه الكونغرس لعدد الحالات التي تُعدّل بهذه الطريقة، فلا يزيد عدد اللاجئين من انحاء العالم الذين يمنحون اقامة دائمة على 10 الاف سنوياً. يشير غانم سامو الى احباط واسع لدى اللاجئين العراقيين، اذ تريد غالبيتهم العودة الى العراق اذا تغير النظام الحالي، على رغم انهم يدركون ان مستقبل اطفالهم قد يكون افضل في الولاياتالمتحدة. ويقول ان "بعض العائلات سيعود الى شمال العراق اذا دُفع ثمن التذكرة. بعض العائلات ذهب الى اوروبا وبقي هناك. الوضع افضل في اوروبا بالنسبة الى العائلات التي تضم عدداً من الاطفال، ولكن يصعب العثور على عمل في اوروبا حيث ظاهرة العنصرية واضحة اكثر. اذا تغير النظام العراقي وازيح صدام حسين، سيعود 90 في المئة منهم، بمن فيهم الاشخاص الذين امضوا هنا اكثر من 10 سنوات، لأنهم يشعرون بالحنين الى الوطن". وتعتقد شانون دنيت، من "لجنة اللاجئين" الاميركية ان تأثير الصدمة الثقافية كان اكبر على اسرى الحرب العراقيين الذين جاؤوا الى اميركا مطلع التسعينات. وتوضح ان "كثيرين من اللاجئين العراقيين الذي جاؤوا من رفحا كانوا عزاباً، عاشوا وضعاً عائلياً متماسكاً نوعاً ما، ثم انتقلوا الى الجيش وفجأة وجدوا انفسهم في حرية استثنائية، يواجهون اشياء لم يشاهدوا مثلها في حياتهم". وما يميز مجموعة اللاجئين الذين كانوا في مخيم رفحا قبل توطينهم في اميركا ان افرادها اكثر قدرة بكثير على الحركة والانتقال من مدينة الى اخرى بحثاً عن وظائف وحياة تلبي رغباتهم مقارنة بالاشخاص الذين يرتبطون بعائلات كبيرة. وسعت الحكومة الاميركية الى توزيع العراقيين، مثل اللاجئين الآخرين، على مدن ومناطق عديدة، والولايات العشر الاولى التي يتوزعون فيها ميتشيغان 4426 وكاليفورنيا 4033 وتكساس 2602 والينوي 2046 وتينيسي 1969 واريزونا 1298 وميسوري 1189 وواشنطن 1049 ونيويورك 1015 وبنسيلفانيا 985. ويقول كارفن ان الأولوية في البداية لتوطين العراقيين مع عائلات او في مناطق تتوافر فيها برامج دعم. لكن كارفن يلفت الى ان هؤلاء يحق لهم بعد توطينهم الانتقال متى ما أرادوا الى المكان الذي يرغبون فيه. لكن اللاجىء نفسه يتحمل نفقات مثل هذا الانتقال، من دون مساعدة حكومية. ويؤكد غابرييل غيبري، وهو مهاجر اثيوبي يعمل لدى منظمة "واي. إم. سي. أي" في هيوستون ويساعد اللاجئين العراقيين، انهم غير سعداء لكنهم يتكيفون مثل اي مجموعات اخرى من اللاجئين. ويضيف: "كلهم تقريباً يعملون، وبين الاكراد كثيرون من المهنيين، عكس العراقيين العرب. الاّ انهم ليسوا سعداء لوجودهم هنا وليسوا سعداء لاضطرارهم الى مغادرة بلادهم انهم يعملون بجد ومهذبون". قد تكون هذه هي العبرة. فكل مجموعة تقريباً من المهاجرين الى الولاياتالمتحدة حققت النجاح في النهاية، ولكن بثمن شخصي وجماعي باهظ. احد الامثلة المأسوية قصة العراقيين الستة، الذين أُجلوا من غوام وأعتُبروا "مصدر تهديد امني" فأمر قاضٍ اميركي بترحيلهم. واستأنف الستة قرار الترحيل على اساس انهم ومحاميهم مُنعوا من الاطلاع على الادلة السرية ضدهم، ولا يملكون بالتالي اي فرصة لاثبات عدم صحة الاتهامات بأنهم "عملاء" للرئىس العراقي صدام حسين. وبدا وضعهم القانوني غريباً حتى ان جيمس وولسي، مدير ال "سي آي أي" للفترة من 1993 الى 1995، وافق على الانضمام الى محامي الدفاع عنهم من دون أجر، بأمل ان يسمح له وضعه بأن يطلع على الادلة كي يتمكن من تقديم المشورة اليهم. وتؤكد وكالة الهجرة والجنسية ان الامتياز الامني الذي يتمتع به وولسي "لا يغيّر شيئاً". وتقول انها لا تسمح له بالاطلاع على الادلة لانها تعتقد انه سيتقاسم هذه المعلومات مع العراقيين. وفي مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في 10 حزيران يونيو الجاري، هاجم وولسي الاجراءات القانونية "المجحفة" في حق موكليه، وقال ان "هؤلاء الرجال دينوا بالاستناد الى ادلة سرية، في عملية اجرائية يمكن المرء ان يتوقعها في العراق وليس في الولاياتالمتحدة". واضاف انه لا يعتقد ان الستة عملاء للنظام العراقي، لافتاً الى ان ال "سي. آي. أي" توصلت الى الاستنتاج ذاته وعبّرت عن هذا الرأي في لقاءات مع موظفين في الكونغرس.