رن هاتف رحيم المحمول ونحن نسير من خلال سوق مزدحمة في بغداد ورحنا نخطو فوق أكوام النفايات ووسط عربات تجرها الحمير. تحدث رحيم مع المتصل بصوت خفيض ثم أغلق الهاتف. قال لي إن المتصل من دائرة الهجرة الأمريكية وقد اخبره بقبول طلبه للهجرة . الرحلة بعد تسعة أيام. طلب رأيي بهدوء : ما رأيك؟ سألني كما لو أنه يطلب رأياً في قميص جديد. لكن رحيم الذي يتحدث الإنكليزية بطلاقة شاعرية كان يتحدث كما لو أنه محاضر في جامعة وكان يعلم أنه لن يذهب إلى هناك. في العراق له ممتلكات ووظيفة ولولده مستقبل واعد في مجال تقنية الحاسب الآلي. القنابل ما زالت تنفجر وإطلاق النار ما زال مستمراً في الشوارع. الثرثرة في الأحياء عن القتل والخطف على الهوية . ولكن وباء إراقة الدماء يبدو شيئا من الماضي. وفي الوقت نفسه تدور الأخبار المحلية عن المشاكل الاقتصادية في أميركا وعن المهاجرين الذين يواجهون ظروفاً مادية صعبة بسبب البطالة ويكافحون من أجل الحصول على رعاية طبية بعد أن قضت الأزمة على مدخراتهم. وقال رحيم، 56 عاماً، وهو مدرس سابق ومراسل صحفي خبير "الذهاب إلى أمريكا لم يعد حلماً" . فكرة الذهاب إلى الولاياتالمتحدة موضوع مطروح للنقاش بين العراقيين الذين عملوا مع الأمريكيين في وكالات الإغاثة والأنباء والجيش الأمريكي منذ فترة طويلة. وظائفهم تجعلهم عرضة لهجمات المسلحين الذين يتخذون من الولاياتالمتحدة والمؤسسات المرتبطة بها هدفاً لهم وقد تسربت الشائعات الآن إلى الجانب الاقتصادي . وهنالك شائعة عن سوء الأمور في الولاياتالمتحدة وأن اللاجئين الجدد يمكن إرسالهم إلى جزيرة غوام. عدد العراقيين الذين أعيد توطينهم في الولاياتالمتحدة حتى الآن لم يتجاوز 4409. وفي الوقت الذي بدأ فيه غالبية المتقدمين للهجرة إلى أمريكا في القيام بالخطوات اللازمة من الخضوع لفحص وزارة الأمن الداخلي وإجراء المقابلات والفحوصات الطبية ، أخذ سوق الأسهم في الولاياتالمتحدة في التهاوي. وفي ذات الوقت بدأت الحكومة العراقية في جعل الحياة أكثر جاذبية برفع أجور موظفي الخدمة المدنية. ومع نمو دخل العراقيين أخذت أعمال العنف في التراجع باطراد. كما أن المتاجر والمطاعم والحدائق والملاهي الليلية أخذت في استقبال المزيد من العراقيين وخفت حدة الضجر والاختناق الذي عانوا منها في السنوات القليلة الماضية بسبب فرض حظر التجول وسفك الدماء والتطرف الديني. ما كان مجرد قرار بالبقاء أو المغادرة أصبح الآن أكثر صعوبة بالنسبة للكثير من العراقيين. احد السائقين وأسمه احمد، 44 عاماً, وهو مهندس خريج، عقد العزم على الرحيل ويتوقع الحصول على موافقة في غضون ثلاثة أشهر. لكن زوجته ، بعد دعمها لفكرة الهجرة في البداية ، غيرت رأيها الآن فهي ستتقاعد بعد 22 عاماً من العمل كمدرسة وتريد أن تنعم بالراحة والعيش في العراق في بيئة مستقرة ولا تريد الكفاح لشق طريقها في بلد جديد. غير أن أحمد مصمم على الاستقالة لبدء حياة جديدة وحده حيث يقول" أريد هوية جديدة". (لوس أنجلوس تايمز)*