حذر رئيس المجلس الأوروبي من استمرار أزمة تدفق اللاجئين إلى أوروبا لسنوات عديدة. وقال دونالد توسك في خطاب أمام معهد بروغل وهو مركز أبحاث أوروبي في بروكسل: إن "موجة الهجرة الراهنة ليست حادثا ظرفيا، بل بداية هجرة جماعية حقيقية، مما يعني أنه سيتعين علينا أن نعالج هذه المشكلة على مدى سنوات عديدة آتية". ويعمل القادة الأوروبيون على إيجاد طرق ناجعة لمواجهة تدفق مئات آلاف اللاجئين في أسوأ أزمة لجوء تواجهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ودعا توسك دول الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد البراغماتية سبيلا لتجاوز انقساماتها، ومواجهة أزمة اللاجئين، مشددا على ضرورة التعايش مع هذه الأزمة. استجابة أمريكية بطيئة وبينما تبذل أوروبا جهودا مضنية للتعامل مع سيل من اللاجئين من الحرب السورية ويدعو بابا الفاتيكان الى مساعدتهم، ربما لا يتوفر لدى حكومة الولايات المتحدة الاستعداد السياسي لتكون الأراضي الأمريكية ملاذا آمنا لعدد أكبر من اللاجئين السوريين. كانت الجماعات المدافعة عن حقوق اللاجئين والمهاجرين قد دعت الولايات المتحدة لاستقبال المزيد من اللاجئين السوريين قبل اندلاع الأزمة الحالية في اوروبا بفترة طويلة. وكان البعض يأملون أن تساعد موجة الغضب الدولية بسبب صور طفل سوري غارق جرفته المياه الى شاطئ تركيا الأسبوع الماضي، الى جانب دعوة بابا الفاتيكان لاستقبال اللاجئين قبل أسبوعين فقط من زيارة يقوم بها للولايات المتحدة، في تحفيز الولايات المتحدة على التحرك. وتقول ميشيل برانيه من لجنة النساء اللاجئات: "تستطيع الولايات المتحدة وعليها أن تفعل المزيد. صمت البيت الأبيض على هذا غير مقبول". لكن الواقع السياسي في واشنطن ربما يطغى على الحجج الأخلاقية. قال بعض أعضاء الكونغرس من الجمهوريين: إن السماح بدخول اللاجئين السوريين للولايات المتحدة سيكون بمثابة خط أنابيب لضخ الإرهابيين. وقال جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي: "التصريحات كانت بشعة فعلا.. تقابل صعوبة تنفيذ ذلك بهذا الخوف من الإسلام والخلط بين السوريين والعراقيين والإرهابيين". وأضاف: "آمل أن يتمكن البابا من تغيير هذا الفكر ويلين بعض القلوب القاسية لكن هذا لن يتضح الآن". وتشعر الإدارة الأمريكية بالقلق من أن يتسلل متشددون من تنظيمي داعش أو القاعدة الى البلاد باعتبارهم لاجئين. وقالت وزارة الخارجية: إن عملية الفحص الدقيق التي تجريها واشنطن ضرورية، لكنها عامل يعقد دخول السوريين للبلاد. ومنذ بدء الحرب السورية عام 2011 وافقت واشنطن على لجوء 1500 سوري معظمهم هذا العام، وتتوقع وزارة الخارجية 300 آخرين بحلول اكتوبر تشرين الأول. لكن هذا عدد ضئيل في ظل أزمة اللاجئين في اوروبا، حيث تستعد المانيا لاستقبال 800 ألف من طالبي اللجوء هذا العام، أي نحو واحد في المائة من سكانها ومقارنة بإجمالي عدد اللاجئين السوريين الذي يبلغ أربعة ملايين. وفي حين أن الرئيس باراك أوباما الذي ينتمي للحزب الديمقراطي لا يحتاج لموافقة الكونجرس للسماح باستقبال المزيد من اللاجئين، فإن زغبي يقول: إن الرئيس قد يكون قلقا من المجازفة برد فعل سلبي في وقت يحرص فيه على حشد تأييد المشرعين للاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية بما فيها الولايات المتحدة. المخاوف من الإرهاب وقوبلت الجهود السابقة لزيادة أعداد اللاجئين السوريين برفض قوي. في مايو ايار كتب 14 عضوا ديمقراطيا بمجلس الشيوخ الأمريكي رسالة دعوا فيها إدارة أوباما للسماح لما لا يقل عن 65 الف لاجئ سوري بالاستقرار في الولايات المتحدة. في الشهر التالي اعترض العضو الجمهوري بمجلس النواب مايكل مككول على خطط الإدارة للسماح بدخول نحو 2000 لاجئ هذا العام. وكتب مككول الذي يرأس لجنة الأمن الداخلي بالمجلس وقد أجرت عدة جلسات استماع عن القضية في خطاب الى أوباما: "في حين أن لنا تاريخا من الترحيب باللاجئين نفخر به، فإن الصراع السوري حالة متفردة تتطلب حذرا وتدقيقا شديدين". وأضاف: "هذا يمثل أكبر تجمع للإرهابيين الإسلاميين في التاريخ"، بما في ذلك تنظيم داعش والقاعدة وحزب الله، مشيرا الى أن مسؤولي الأمن الأمريكيين ليست لديهم المعلومات اللازمة من أجل إجراء تحريات فعالة. وكرر النائب الجمهوري بيتر كينج نفس التصريحات قائلا: إن هناك توافقا واضحا خلال جلسات الاستماع على أن الإرهاب مصدر قلق. وقال كينج لشبكة (سي.إن.إن): "يجب أن تكون لدينا عملية تدقيق متعمقة جدا جدا". ومفوض الأممالمتحدة السامي لشؤون اللاجئين هو المسؤول عن اختيار اللاجئين الذين يعتبر أن لهم الحق في إعادة التوطين، وقالت المتحدثة باسم المفوضية ميليسا فليمنج: إنها قدمت طلبات لإعادة توطين اكثر من 16300 لاجئ سوري بالولايات المتحدة. ويقوم بعد ذلك المسؤولون القنصليون والأمنيون الأمريكيون بما في ذلك وزارة الأمن الداخلي بالتحري عن مقدمي الطلبات في الخارج، قبل السماح لهم بركوب الطائرة المتجهة الى الولايات المتحدة. وقال كيفين ابلبي مدير قسم سياسات الهجرة بالمؤتمر الأمريكي للأساقفة الكاثوليك في مقابلة: إن المخاوف الأمنية بشأن السوريين ليست في محلها، في ظل التحريات المكثفة التي تجرى عن اللاجئين. وأضاف: إن هناك حاجة الى تخصيص مزيد من الموارد من أجل أن تصبح عملية التحري أسرع. وقال: إن الولايات المتحدة على سبيل المثال لا تفحص أوراق اللاجئين السوريين من اوروبا، وإنما من الأردن وغيره من دول الشرق الأوسط، حيث يوجد معظم اللاجئين. أمريكيون يرحبون وعرض مئات الأمريكيين استضافة لاجئين سوريين في بيوتهم، وقالوا في مناشدة على الإنترنت: إن على الولايات المتحدة السماح بدخول المزيد من المهاجرين الفارين من الحرب الأهلية. ووقّع حوالي 1300 شخص المناشدة على موقع (موف أون دوت أورج)، ودعوا الولايات المتحدة إلى رفع القيود على دخول اللاجئين السوريين. وقال أحد الموقعين على المناشدة ويدعى القس إيفرت شاتوك (59 عاما) من ميل كريك بولاية انديانا: إن فتح منزله للاجئين جزء من التقاليد الأمريكية للترحيب بالمهاجرين. وأضاف شاتوك: "علاوة على ذلك نتحمل بعض المسؤولية إزاء تلك (الحرب)؛ بسبب سياستنا لتغيير النظم في الشرق الأوسط. معظم هؤلاء اللاجئين نتيجة لذلك"، مشيرا إلى الغزو الأمريكي للعراق في 2003. وقالت ويندي ويلسون ميلر (40 عاما) وهي من ستوديو سيتي بكاليفورنيا: إنها وقعت على المناشدة لأن الأزمة السورية تبدو بلا نهاية، ولأن محنة اللاجئين تزداد إلحاحا. وأضافت: "إذا فتحت الولايات المتحدة الباب بالفعل وقالت نعم سوف نسمح بمزيد من اللاجئين، واحتاجوا إلى المزيد من العائلات حينها أعرف أنني سأكون في المقدمة". لكن أشخاصا آخرين رغم ترحيبهم باللاجئين عبروا عن قلقهم إزاء احتمال دخول متطرفين إلى الولايات المتحدة. وقالت باتي بيري من كرانبيري ليك بنيويورك: "أصلي من أجل ألا يحاول إرهابيون يتخفون في صورة لاجئين الدخول". إفراغ سوريا وفي السياق، قال مصطفى أوسو نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية: إن السوريين يريدون خروج بشار الأسد وطغمته المجرمة من سوريا، لا أن تفرغ البلاد لصالحه ولصالح المرتزقة الإيرانيين. وأضاف أوسو في بيان نشر على الموقع الإلكتروني للائتلاف: إنهم لم يكونوا "ينتظرون من حكومات أوروبا ولا أي حكومة صديقة زيادة حصصها من اللاجئين السوريين، حيث يطيب لنظام الأسد ونظام الملالي تهجير أهل سوريا، وإحداث التغيير الديمغرافي الطائفي فيها". واستغرب نائب رئيس الائتلاف عزو الموقف الفرنسي أزمة اللاجئين السوريين إلى تنظيم داعش وغض النظر عن السبب الحقيقي المتعلق بإرهاب نظام الأسد والميليشيات الطائفية الداعمة، على حد تعبيره. وأكد أن السلام في سوريا لن يكون إلا من خلال الشعب السوري بكل مكوناته الثقافية والعرقية والدينية، مشددا على أنه مرتهن أيضا بزوال النظام السوري. ونقل موقع الائتلاف عن بيان صادر باسم مائة شخصية حقوقية بشأن حالة حقوق السوريين الفارين من جحيم الحرب أن أسباب اللجوء ترجع إلى الجرائم التي ترتكبها قوات الأسد ضد السوريين، "بما في ذلك استخدام الأسلحة العشوائية مثل البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية". وأشار إلى أن جرائم قوات النظام السوري أدت إلى تهجير أكثر من أربعة ملايين سوري خارج البلاد، بالإضافة إلى نزوح زهاء ستة ملايين بالداخل. وقال البيان: إن المجتمع الدولي لم يتمكن خلال هذه الفترة من الخروج حتى بإدانة واضحة لهذه الانتهاكات الجسيمة، كما لم يتمكن من فرض أي حلول ميدانية من شأنها تأمين الحماية للمواطنين داخل الأراضي السورية في منطقة آمنة. اتفاق سلام من جانبه، حذر مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا من أن آلاف اللاجئين الجدد سيفرون إلى أوروبا إذا لم يتمكن المجتمع الدولي من التوصل إلى اتفاق سلام، وإذا ترك السوريون في مواجهة تنظيم داعش. وقال دي ميستورا للصحافيين في بروكسل أمس الاثنين: إن نحو مليون شخص آخرين قد يتعرضون للخطر في غرب سوريا، وربما ينضمون إلى موجة اللاجئين الساعين إلى الأمان في الاتحاد الأوروبي. وأضاف: إن إخفاق القوى العالمية في التغلب على خلافاتها بشأن مستقبل الحكم في سوريا يعني دعم هذه القوى لحل عسكري للنزاع الذي أودى حتى الآن بحياة نحو 250 ألف شخص بحسب مصادر الأممالمتحدة. الموقف البريطاني وفي إطار الخطة الأوروبية لاستضافة أكثر من مائة ألف لاجئ خلال العامين المقبلين، قالت بريطانيا: إنها ستستضيف عشرين ألف سوري، في حين أعلنت إسبانيا أنها تعمل على استيعاب أكبر قدر ممكن من هؤلاء اللاجئين، أما فرنسا فأكدت أنها ستستقبل 24 ألف لاجئ. وغير بعيد عن ذلك، تعهدت وزيرة الهجرة في مقاطعة كيبيك الكندية كاثلين ويل بأن تستقبل المقاطعة ثلاثة آلاف و650 لاجئا سوريا بنهاية العام. البرازيل من جهتها، أعلنت رئيسة البرازيل ديلما روسيف ان بلادها "تبسط ذراعيها" لاستضافة اللاجئين السوريين، وذلك في الوقت الذي يسعى فيه العالم الى بذل المزيد من الجهود للمساعدة في حل ازمة السوريين الفارين من الحرب الدائرة في بلدهم. وقالت روسيف في خطاب بمناسبة العيد الوطني: ان حكومتها مستعدة "لاستضافة اولئك الذين طردوا من وطنهم ويرغبون في المجيء للعيش والعمل والمساهمة في الاستقرار والسلام في البرازيل". واضافت في خطابها الذي بث على الانترنت ومدته ثماني دقائق: انه "في هذه الاوقات العصيبة، اوقات الازمة التي نجتازها، نبسط ذراعينا لاستضافة اللاجئين". واضافت روسيف: ان "صورة الصغير ايلان الكردي، البالغ بالكاد ثلاثة اعوام، صدمتنا جميعا وهي تشكل تحديا كبيرا للعالم اجمع"، في اشارة الى الطفل السوري الذي صدمت صورة جثته الممددة على الشاطئ في تركيا العالم بعدما قضى غرقا اثناء محاولة اسرته الاسبوع الماضي الوصول بحرا الى اوروبا. فنزويلا وأعلن رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو انه امر وزارة الخارجية باتخاذ تدابير لاستقبال 20 الف لاجئ سوري بين الجالية السورية في فنزويلا. وقال مادورو خلال مجلس الوزراء المنعقد في قصر ميرافلوريس الرئاسي في كراكاس، والذي نقله التلفزيون في بث مباشر: "امرت (وزيرة الخارجية) ديلسي رودريغيز بالاجتماع مع الجالية السورية"، مؤكدا ان "فنزويلا ستستقبل 20 الف سوري من الشتات السوري" الذين ارغموا على مغادرة بلادهم. واضاف: "اريد ان يأتي 20 الف سوري، عائلات سورية، الى وطننا فنزويلا"، مشيرا الى وجود "جالية سورية كبيرة" في فنزويلا. تشدد يوناني وفي اثينا، اعلن رئيس الحزب اليميني اليوناني الذي قد يعود الى السلطة اذا ما فاز في الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة بعد اسبوعين ان على الحكومة تشديد مراقبة الحدود لمكافحة التدفق غير المسبوق للمهاجرين غير الشرعيين الى سواحل هذا البلد. وقال ايفانغيلوس ميماراكيس زعيم حزب "الديموقراطية الجديدة" في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء: انه "فيما خص المهاجرين، يجب ان تكون الحدود محمية بشكل افضل، ولا يجب ان تكون الرسالة التي ترسلها اليونان هي «هنا الوضع جيد، تعالوا»". واضاف في مقابلته مع تلفزيون ستار: ان "كل شخص يأتي الى هنا يرسل هذه الرسالة الى من ينتظرونه"، مشيرا الى ان اكثر من مليون لاجئ ومهاجر موجودون حاليا على السواحل التركية المقابلة للجزر اليونانية في بحر ايجة. ولكن زعيم الحزب اليميني شدد على وجوب التفريق بين المهاجرين الساعين الى رغد العيش وبين اللاجئين الفارين من هول الحرب، مؤكدا انه فيما خص اللاجئين يجب مساعدتهم على الوصول الى الدولة الاوروبية التي يختارون الاقامة فيها. وتجددت التوترات مساء الاثنين بين مئات المهاجرين غير الشرعيين والشرطة في جزيرة ليسبوس اليونانية في بحر ايجه، والتي باتت "على وشك الانفجار" بعد تدفق اكثر من 15 الف مهاجر اليها معظمهم من السوريين. وانتشر عناصر الشرطة بأعداد كبيرة وبمؤازرة خفر السواحل للتمكن من السيطرة على حوالى 2500 مهاجر كانوا ينتظرون للصعود على متن عبارة استأجرتها الحكومة اليونانية خصيصا لنقلهم الى اثينا. وتمكنت عناصر الشرطة الذين رفعوا هراواتهم من صد المهاجرين الذين كانوا يحاولون التقدم عنوة باتجاه العبارة، في حين راح الشرطيون يصيحون بوجههم "تراجعوا". وقال علاء الدين وهو طالب في الهندسة يريد الالتحاق بأخيه في المانيا: "انا هنا منذ ثمانية ايام او تسعة ايام. حتى انني لم اعد اذكر. البعض موجود هنا منذ 14 او 15 يوما".