جمان، في السادسة عشرة، على أنفها ألوان العلم الإيطالي. سألناها كم كلّفها الإنتماء الى فريقها الأثير، فقالت ألفاً وخمسمئة ليرة، أي ما يعادل الدولار الأميركي الواحد. وأضافت ان الوجه كاملاً بألوان فريقك المفضل يكلف خمسة آلاف. ولدى التجوال في خيمة "بيروت هول" الشاسعة المحتشدة بمئات الطاولات والكراسي، وفي وسطها مسرح مزدان بالأضواء الكاشفة وثماني شاشات ضخمة تعرض الإعلانات والوقائع المنقولة حيّة من كأس العالم، نلتقي وجوهاً وأنوفاً وصدوراً مطلية بألوان إيطاليا والبرازيل وألمانيا، لكن الأخضر والأحمر والأبيض تطغى لدى الآنسات، فالميل النسوي نحو إيطاليا لدى جمهور الكرة اللبناني واضح وصادح، مصدره كما تقول جمان "حبّنا للاعبين الإيطاليين، خصوصاً مالديني". وفي خيمة "بيروت هول" تتكبسل ظاهرة العولمة الكروية التي تكتسح البلد كله في صورة قد يظن عاقل أنها أشبه بالجنون! لكنها عولمة محلية ترصعها أفواج النارجيلة المنتشرة على الطاولات، نافثة روائح التبغ المعسّل والمتفّح، وروائح الشاورما لحماً ودجاجاً، ناهيك عما يفوح من زاوية تحميص البزورات، محلاّة ومملّحة على السواء، مما يطغى على الهوت دوغ ودخان سيجار هافانا الأصلي. والأخير حاضر في "بيروت هول" في أصالة وكثافة مميزتين. له زاوية تجلس فيها خلاّسيّة كوبية، أمامها أوراق التبغ وأنواع السيجار، مستعدة بأصابعها الرهيفة أن تلف لك أي سيجار تشتهيه، كي تجلس وترفع قدميك على الطاولة، مثل كاسترو أو غيفارا، معلناً حماستك لمن تشاء. في الواقع، لا شيء غائب او غريب عن "بيروت هول". تكتشف طولك ووزنك المثالي وكمية الوحدات الحرارية المطلوبة في اليوم، في زاوية، وتشتري أو لا تشتري بيرقاً أو علاّقة مفاتيح أو جزمة راعي بقر، أو "تي شيرتاً" من زوايا أخرى. السوق واسع ومفتوح. ألبان وأجبان وحلويات وزمامير زاعقة، وأضواء كاشفة كشافة ملونة، وواحد يأكل لفة شاورما ويحاول أن يزمّر في الوقت نفسه، لئلا يفوته القطار! يانصيب وألعاب كهربائية وإلكترونية. ومعلّق "ال.بي.سي."، راعية المهرجان، لا يكلّ ولا يملّ عاثراً عمّا يقال، ولو قال كم إنه يأمل ألاّ يتأثر اللاعبون بالمطر الفرنسي، كأن اللاعبين من زجاج كشاشة التلفزيون. كلما سجّل فريق إصابة تنفجر مكبرات الصوت والأضواء الملونة ويعمّ القاعة هزج وتلويح بيارق وعناقات حميمة. يستطيع المراقب أن يستخلص الكثير من هذا المشهد مقروناً بما تراه العين في المدن والضواحي من سيارات ترفع البيارق وشوارع مزدانة بالأعلام الضخمة وشرفات تحولت الى سفارات لإيطاليا وألمانيا والبرازيل، لكن الحقيقة التي لا يختلف اثنان حولها هي أن اللبنانيين اليوم في حاجة ماسة للعودة الى العالم، ولو عبر كأسه لكرة القدم.