بين الضفادع و"الكورن بيف" الحرب مشتعلة منذ أكثر من شهرين، وما هو متوقع للأشهر المقبلة أشد سوءاً. إننا لا نتكلم عن سيناريو فيلم خرافي للأطفال. إنه مجرد نقل وقائع الصحافتين البريطانية والفرنسية للخلاف الدائر حول مباراة كرة القدم العالمية التي ستدور في باريس والمدن الفرنسية الأخرى. فكأس كرة القدم التي ستبدأ مبارياتها في منتصف الشهر المقبل احتلت واجهات الصحف، خصوصاً التابلويد البريطانية، قبل أن تظهر أية كرة على الملعب. السبب سياسة "الكوتا" أو الحصص للدول، وهي السياسة التي اتبعتها الجمعية الرياضية الفرنسية ازاء جماهير البلدان المجاورة. فإذا كان المواطن الفرنسي هو الذي أمّن، عبر الضرائب التي سددها، الرساميل الكافية للتحضير لهذه المباراة الدولية، فله إذن حصة الأسد في المقاعد. هذا المنطق بالطبع لم يرحب به جمهور كرة القدم البريطاني، وقد اغتنمت صحفه الرخيصة الفرصة لشن حملة شبه عنصرية على فرنسا وشعبها. فالضفادع هم الفرنسيون، أي أيضاً الآخر الأوروبي، وجمهور كرة القدم البريطاني، الذي يتحدر أكثر من 70 في المئة منه من الطبقات الشعبية المذعورة من القارة الأوروبية ومشاريعها الاتحادية، يجد في حملة صحف "صن" أو "ميرور" تنفيساً لرغباته، ولو كان هذا التنفيس مشبعاً بالأفكار العنصرية ورموزها. أما الصحف الفرنسية، فإن ردها على ال "كورن بيف" الانكليز لا يجتاح عناوينها ولا تدخل في حدته عنصرية واضحة كما الحال في زميلاتها البريطانية. وإذا كان من الصعب ايجاد أي شرح لموقف الآخر في وسائل إعلام الدولتين، فإن قانون المطبوعات الفرنسي المانع للعنصرية وعدم وجود شعور فرنسي بالغبن، كما الحال في بريطانيا، يفسران اللهجة الأكثر اعتدالاً في وسائل اعلام باريس. بيد أن لا شيء يفسر لهفة الصحافة الفرنسية إلى تغطية تحضيرات مباراة كأس كرة القدم. حتى صحيفة "لوموند" الجادة خصصت اثنتي عشرة صفحة للحدن، وصحيفة "ليبراسيون"، التي لم تلغِ تماماً انتماءها التاريخي لليسار البديل والمعادي لمبدأ المنافسة، غدت من المدافعين عن مباريات كرة القدم. أما صحيفة "لومانيتيه" الشيوعية، فإنما "قَفَزَت" على الفرصة وأصدرت عدداً خاصاً حول كأس كرة القدم، ظناً منها أن ذلك سيجلب لها قراء جدداً... المجتمع الفرنسي بأسره إذن مأخوذ اليوم بتحضير هذا الحدث. حتى أن أهالي الطلاب بدأوا يخشون على أولادهم الذين عادة ما يكونون في شهر حزيران يونيو مشغولين بتحضير امتحاناتهم: كيف سيمكن لهم المذاكرة فيما المذياع والتلفزيون سيغدوان أدوات اعلان صاخبة متواصلة على مدار النهار والليل؟ الحملة الاعلامية ليست كلها مؤيدة لكأس كرة القدم أو داعية إلى الحقد على الخصم. مجلة "شارلي ايبدو" الفرنسية الساخرة أصدرت أيضاً عدداً خاصاً حمل عنوان "الهول من كرة القدم، عذاب المونديال"، شارك فيه عدد من الصحافيين وعلماء الاجتماع والنفس محللين بشيء من السخرية ظاهرة الهوس التي دبّت في جماهير العالم حيال كرة تتقاذفها أرجل اللاعبين، خصوصاً هوس وسائل الاعلام بالظاهرة. في عالم يشهد اتساع الهوة بين الأثرياء والمعدمين، تظهر كرة القدم كثقافة مضادة مهامها منع الجمهور من حل مشاكله اليومية، حسب المجلة. رواتب اللاعبين إهانة لرواتب العاملين في العالم، وفكرة ان مشاكل الضواحي تحل عبر تعميم الرياضة وشق ملاعب لكرة القدم أظهرت فشلها. غير أنه من الصعب العثور على أية وسيلة إعلام أو أي كاتب أو مثقف في وسعها أو وسعه شن حملة ضد المباراة خشية الظهور بمظهر "المنقطع عن الجماهير". كذلك قلما نجد تحليلاً نقدياً للرياضة التي غدت تمثل اليوم مفاهيم كالنجاح بأي ثمن أو سحق الضعيف، أي مفاهيم الليبرالية المتطرفة. إلا أن هذه "الليبرالية" تتغذى أولاً بأول من الميزانية العامة، فالدولة الفرنسية، على سبيل المثال، تهدر كل سنة حوالى ستين مليون دولار على نوادي كرة القدم، أضف إلى ذلك ثمانين مليون دولار تتلقاها هذه النوادي من البلديات والمجالس الفرعية. "شارلي ايبدو"، بشيء من المغالاة الساخرة أيضاً، خصصت صفحات عدة للمقارنة بين جمهور كرة القدم ومحبذي اليمين المتطرف العنيف في أوروبا: في ايطاليا، اسبانيا، فرنسا، أو بريطانيا، عنف المدارج هو من صنع مؤيدي التطرف اليميني. في هايسل حيث أدى العنف إلى مقتل ثمانية وثلاثين شخصاً وجرح أربعمئة وخمسين آخرين، كانت مدارج الملعب ملأى بمنشورات تجمعات اليمين المتطرف البريطاني. من ايطاليا الفاشية سنة 1934 إلى أرجنتين الجنرالات سنة 1978، لعبت دائماً مباراة كرة القدم دور اظهار أنظمة هذه الدول كأنظمة محترمة لا عيوب فيها، وعلى رغم ان معظم اللاعبين في فرق الدول الغربية أضحوا اليوم من اصول تعود إلى دول العالم الثالث، فإن الشعارات العنصرية هي المسيطرة على مختلف المباريات. وهذا العداء لظاهرة كرة القدم ولد أيضاً عدداً من الجمعيات، إحداها أسمت نفسها: "جمعية طَفَح الكأس". حتى انترنت في فرنسا دخلت حلبة الصراع عبر أكثر من سبعة مراكز معادية لكأس كرة القدم، وأحد المراكز اسمى نفسه "المعارض الرسمي لكأس العالم لسنة 1998". والغاية هي اظهار ان قسماً كبيراً من المجتمع يشعر أنه مضطهد بسبب ليالي التلفزيون المخصصة لهذه اللعبة، وان الأموال تهدر على عرض لا قيمة له، بينما الحاجة إلى الأمور الأساسية في ازدياد، والأوضاع الاجتماعية المتردية تتطلب الجهد المبذول كله على كرة القدم. بيد ان هيستيريا "الفوتبول" وصورة الآلاف من المؤيدين لها يقومون بأعمال عنف على المدارج، حملت المناهضين على عدم الافصاح عن اسمائهم أو عناوينهم على مراكز انترنت التي، أيضاً، وفي هذه الحالات، تؤمن للناشطين فيها السلامة..