مع الإعلان عن عودة صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية إلى نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للإسلام بعد أسبوع على تعرضها لهجوم مسلح خلَّف 12 قتيلاً، دعت أكبر منظمتين إسلاميتين في فرنسا المسلمين إلى «التحلي بالهدوء». في غضون ذلك، حذرت دار الإفتاء في مصر من الخطوة التي أقدمت عليها الصحيفة ورأتها «استفزازاً غير مبرر لمشاعر مليار ونصف المليار مسلم». وأُعلِن في فرنسا أن عدد «شارلي إيبدو» الذي سيصدر اليوم الأربعاء سيحمل رسماً كاريكاتورياً مسيئاً للإسلام في تكرارٍ لما كانت الصحيفة الأسبوعية أقدمت عليه مراراً في السنوات القليلة الماضية. وذكر محامي الصحيفة، ريشار مالكا، ل «راديو فرنسا» أن العدد الجديد سيتضمن رسوما أخرى مسيئة للإسلام كما سيسخر من سياسيين وديانات أخرى، مشدداً «لن نتراجع وإلا لن يكون لذلك معنى، إذا رفعت شعار (أنا شارلي) فهذا يعني أن من حقك التجديف ومن حقك أن تنتقد ديني». وفي حين لم يصدر رد فعل رسمي من الحكومة الفرنسية إزاء قرار الصحيفة الأسبوعية، اعتبر رئيس المرصد الوطني لمكافحة معاداة الإسلام، عبدالله ذكري، أن «شارلي إيبدو» استمرت على نهجها المعتاد في الاستفزاز «لكننا لن نعلق على ذلك احتراماً لضحايا الهجوم على مكاتبها الأربعاء». وعلى نفس المنوال، دعا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا المسلمين إلى «التحلي بالهدوء وتفادي الردود العاطفية وغير المناسبة وغير المتوافقة مع كرامتهم وتحفظهم واحترام حرية الرأي». ويعتقد كثيرون أن الصحيفة استغلت التعاطف مع ضحاياها وعاودت الإساءة للمسلمين الذين يتراوح عددهم في فرنسا بين 3.5 و5 ملايين مسلم حسب التقديرات. وعلى الرغم من تأكيد الحكومة الفرنسية على ضرورة مكافحة الكراهية في المجتمع، اعتبرت دار الإفتاء في مصر أن السماح بنشر رسوم جديدة مسيئة للإسلام «سيتسبب في موجة جديدة من الكراهية في فرنسا والغرب بشكل عام، ولن يخدم التعايش وحوار الحضارات». ووصفت دار الإفتاء المصرية، في بيانٍ لها أمس، إقدام المجلة المسيئة على هذا الفعل ب «استفزاز غير مبرر لمشاعر مليار ونصف المليار مسلم عبر العالم»، ورأت أن هذه الخطوة تشكل «تطوراً خطيراً مناهضاً للقيم الإنسانية والحريات والتنوع الثقافي والتسامح واحترام حقوق الإنسان، وتعميقاً لمشاعر الكراهية والتمييز بين المسلمين وغيرهم». وفي البيان نفسه، دانت دار الإفتاء «تزايد الاعتداءات التي تعرضت لها بعض المساجد في فرنسا عقب العملية الإرهابية»، محذرةً من أن «تلك الأفعال ستعطي الفرصة للمتطرفين من الجانبين لتبادل أعمال العنف التي لن يذوق ويلاتها إلا الأبرياء». وخلال أسبوعٍ مضى منذ الهجوم على مكاتب «شارلي إيبدو»، تعرضت عدة مساجد في فرنسا لإطلاق نار وكُتِبَت عليها عبارات عنصرية. ودعت دار الإفتاء «الحكومة الفرنسية والأحزاب إلى إعلان رفضها لهذا الفعل العنصري من قبل مجلة (شارلي إيبدو) التي تعمل على إثارة الفتن الدينية والنعرات الطائفية». من جهة أخرى، شدد وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، على ضرورة القضاء تماماً على مقاتلي تنظيم «داعش»، في إشارةٍ إلى أن باريس لن تنسحب من العمليات العسكرية التي تشارك فيها في الخارج في أعقاب مقتل 17 شخصاً في هجمات نفذها متشددون في باريس منذ الأربعاء وحتى الجمعة الماضيين. إلى ذلك، أصدر القضاء الفرنسي للمرة الأولى إدانات بتهمة تبرير الإرهاب، وهو جرم أُدرِجَ مؤخراً في القانون الجنائي الفرنسي. وحُكِمَ أمس في تولوز (جنوب غرب) على شاب في ال 21 من العمر بالسجن 10 أشهر مع النفاذ وأودع السجن بعد أن أعرب داخل إحدى القطارات عن تضامنه مع المتهمَين الرئيسَين في تنفيذ الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» شريف وسعيد كواشي. وذكرت وسائل إعلام فرنسية أنه «فيما كان الشاب يتنقل في القطار بلا بطاقة، هتف موجهاً الكلام إلى موظفي تدقيق البطاقات: الأخوان كواشي ليسا إلا البداية، كان ينبغي أن أكون معهما لقتل مزيد من الناس». في سياقٍ مشابه، حُكِمَ في تولون (جنوب) على رجل يبلغ 27 سنة بالسجن عاماً بعدما نشر على صفحته في موقع «فيسبوك» صور متشددين وتصريحات تبرر هجمات باريس الأخيرة. لكن المتهم ما زال طليقاً نظراً إلى عدم طلب النيابة سجنه فوراً، فيما أفاد محاميه أنه «كان يقصد المزاح والاستفزاز».