لماذا يضطر الرئيسان المصري والفرنسي للدعوة الى "مؤتمر انقاذ السلام"؟ لأن الولاياتالمتحدة واسرائيل تغامران بعملية السلام ولا تأبهان بانهيارها، بل لا مانع لديهما من التضحية بها انقاذاً لعلاقة التحالف بينهما. هل يمكن ان يفهم العالم، أو يقبل، أن تتحكم دولة صغيرة مثل اسرائيل بسياسة دولة عظمى مثل الولاياتالمتحدة، وأن تشل قدرتها على التحرك؟ هذا ما يحدث الآن، على مرأى الجميع ومسمعه، ولا تفسير له سوى ان حكومة اسرائيل واللوبي الصهيوني في أميركا يضغطان على نقطة الضعف في الإدارة الأميركية. فالخيار المتروك لهذه الادارة هو بين أمرين: اما انقاذ عملية السلام بالضغط على اسرائيل، وإما انقاذ كرسي الرئاسة لآل غور بالرضوخ لمنطق اسرائيل. خلافاً لمواقفها حيال أي نزاع آخر في العالم، وإزاء أي حليف أو صديق، تفضل واشنطن ان تستسلم لاحباطها ومرارتها من جراء تطرف حليفها الاسرائيلي. وحتى عندما أبدى هذا الحليف استعداده للمواجهة مع الدولة العظمى فضلت هذه الأخيرة الاستكانة وبلعت الاهانة بصمت خشية أن تخدش احاسيس هذا الحليف الاستثنائي. ففي الأحاديث الخاصة، بعيداً عن الأضواء، يتحدث الأميركيون بإسهاب وطلاقة عن خلافاتهم مع الاسرائيليين. وفي العلن يرفضون أي اشارة الى مسؤولية بنيامين نتانياهو وحكومته في تعريض عملية السلام برمتها للخطر. لكن عملية السلام لن تُنقذ بالأحاديث الخاصة أو بابداء الانطباعات الشخصية، لا بد أن تكون هناك سياسة واضحة وإلا فإن العجز والتردد سيؤديان في نهاية المطاف الى مزيد من العنف وإهراق الدماء والأرواح. وإذا استمرت الحال على منوالها الراهن فإن انتخاب آل غور بات ملطخاً منذ الآن بدم أبرياء من فلسطين. ولماذا ينتخب آل غور؟ ليمضي في السياسة ذاتها، بل في أسوأ منها، لأنه مستعد منذ الآن لاخضاع سياسات أميركا لأقذر الرغبات الليكودية. "مؤتمر انقاذ السلام" قد لا يكون سوى بداية في سلسلة تحركات، هدفها التمايز عن التواطؤ الأميركي - الاسرائيلي واشاعة مناخ دولي مساعد للولايات المتحدة إذا قررت تفعيل دورها في عملية السلام ورعايتها لها. وهدفها، أيضاً، ايجاد لوبي دولي يعيد تأكيد الأسس التي قامت عليها "صيغة مدريد" للسلام، ويعيد تذكير الولاياتالمتحدة بهذه الأسس التي وضعتها إدارة بوش - بيكر وتبدو إدارة كلينتون - اولبرايت كأنها نسيتها تماماً. ومن شأن بريطانيا، إذا رغبت في أن تفعل شيئاً مفيداً ونزيهاً أن تكون في هذا اللوبي الدولي، لأنه - تطميناً لها - لن يكون في مطلق الأحوال بديلاً أو منافساً أو معارضاً للدور الأميركي، بل سيكون مطلبه الرئيسي تفعيل هذا الدور لا تعطيله. فإذا كانت لإدارة كلينتون أسبابها الخاصة للخضوع لابتزاز نتانياهو، فلا شيء يضطر حكومة بلير الى خدمة هذا الابتزاز أو التغطية عليه. في أي حال، وعلى رغم الحكمة التي تتسم بها الدعوة المصرية - الفرنسية لمؤتمر انقاذ السلام، فانها لا تعفي العرب من تحرك خاص بهم، وبالتوجهات نفسها مع ما تنبغي اضافته عربياً لأن العرب معنيون بعملية السلام مباشرة، ومعنيون بتطوراتها أكثر من سواهم. لقد أسس نتانياهو تياراً شعبياً اسرائيلياً واضح العداء للسلام، ويبدو هذا التيار مرشحاً للاستمرار والتنامي. في المقابل أبدت الإدارة الأميركية ذروة ما تستطيعه مع كلينتون، ولن يكون الأمر مختلفاً مع خلفه سواء كان نائبه غور أو أي منافس جمهوري من مدرسة غينغريتش - هيلمز. لذلك، فمن شأن العرب بل من واجبهم أن يتعاملوا مع هذه الحقائق، وأن يتأكدوا أن السلام كان خدعة أميركية - اسرائيلية فضحها نتانياهو. وبالتالي فلا بد من البحث في بدائل للتعامل مع واقع هو هذا بكل ما فيه من فجاجة.