لو كان الأمين العام لجامعة الدول العربية وحده يملك قرار الاستمرار في المفاوضات مع اسرائيل أو وقفها، لكان أوقفها قبل أن تبدأ، فهو يعرف أنها لن تؤدي الى نتيجة وفي اسرائيل حكومة متطرفة. بنيامين نتانياهو لا يريد السلام، إلا أنه يبدو معقولاً بالمقارنة مع وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، وهذا حارس مواخير من مولدافا يقيم الآن في مستوطنة، ويتحدث من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة فيقول إن المستوطنات ليست عقبة في وجه السلام، فيما العالم كله بما فيه نصف اسرائيل على الأقل، يقول إنها عقبة. ويبدو أن عقلية المواخير تجعل ليبرلمان يرى أن رأيه أهم، أو أصح، من رأي بقية العالم. وهو بالتالي يريد اتفاقاً مرحلياً تنفيذه على عقود، وأقول للقارئ (وليس لليبرمان الذي لا أبصق على لحيته ولو رأيت النار تشتعل فيها) ان اسرائيل تمهد بتعنّتها لإرهاب بأسلحة دمار شامل لا يعرف غير ربنا من أين سيكون مصدره وكيف سينتهي. سألت أخانا عمرو موسى عن آخر التطورات عشية اجتماع لجنة المتابعة العربية في القاهرة، وهو توقع أن يكون الموقف العربي صلباً إزاء متابعتها لأن المفاوضات، أي مفاوضات، تجرى لتحقيق شيء، غير أنها مع اسرائيل مجرد إطار مفرغ من محتوى حقيقي لتخدير الناس، وواضح من كلام نتانياهو وليبرمان عن الاستيطان والقدس والحدود أن لا مجال لأي اتفاق. لا أزال عند رأيي أن الرئيس باراك أوباما يريد حلاً وأنه صادق في سعيه للسلام، ولا أزال عند رأيي الآخر أنه سيفشل في النهاية لأن مجلسي الكونغرس أكثر إسرائيلية من الكنيست، ومع وجود لوبي اسرائيل وعصابة الشر الليكودية في الإدارة وحولها. إدارة أوباما ركزت في الأيام الأخيرة على تجميد الاستيطان بشكل أو آخر شهرين لإنقاذ المفاوضات. لماذا شهرين؟ أربط ذلك بالانتخابات النصفية في الولاياتالمتحدة الشهر المقبل، وبعد ذلك لكل حادث حديث. مبعوث السلام الأميركي جورج ميتشل قابل نتانياهو لإيجاد مخرج. وقال إن الرئيس أوباما جاد أكثر من أي وقت مضى في طلب السلام في الشرق الأوسط، وزاد أنه توقع من البداية عثرات أو مطبات على الطريق. هي ليست مطبات، وإنما سد في حجم سور برلين أو جدار الفصل مع وجود حكومة فاشستية متطرفة في اسرائيل. مع ذلك أقرأ عن رسالة ضمانات أميركية لإسرائيل كتب عنها ديفيد ماكوفسكي، وهو باحث بارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى القريب من اسرائيل، ويعرف الموضوع جيداً وله مصادر أخبار أميركية وإسرائيلية غير متوافرة للباحث العربي. ماكوفسكي كتب أن الرسالة الأميركية تتعهد بعدم طلب تمديد آخر بعد فترة الأيام الستين، وباستخدام الفيتو ضد أي مشروع قرار يعرضه العرب أو حلفاؤهم على مجلس الأمن وله علاقة بعملية السلام، وبقبول واشنطن شرعية الحاجات الأمنية الإسرائيلية القائمة، ما يعني الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية ومطالبة اسرائيل بوجود في غور الأردن، وبتعهد من واشنطن أن تُدخِل اسرائيل والدول العربية في محادثات «نظام أمن اقليمي» ومزيد من التشاور حول إيران. ومع كل هذا فالرسالة تذكر الحاجة الى تعزيز قدرات اسرائيل الدفاعية، وهي كلمات مخففة تعني أن تحصل اسرائيل مجاناً على أكثر أنواع الأسلحة الأميركية تقدماً، وأن تدفع الدول العربية أعلى الأسعار للحصول على أسلحة أقل قدرة وأقدم. وبكلمة أخرى، فالمقصود ليس مجرد الحفاظ على «التفوق النوعي» لإسرائيل بل مضاعفته. كل هذا مقابل شهرين من المفاوضات العبثية؟ حتى إدارة جورج بوش الابن لم تعد بمثل هذا، إذا صحت رواية فاكوفسكي ولا سبب عندي للتشكيك فيها. في غضون ذلك يتردد كلام عن مفاوضات سلام بين سورية وإسرائيل، وقد حضّ عليها جورج ميتشل عندما زار دمشق، وطالبت بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عندما اجتمعت مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك. الدكتور بشار الأسد محكوم بتقاليد الرئاسة، وأخونا وليد محكوم بالعرف الديبلوماسي، لذلك أقول نيابة عنهما ما يفهمه الناس «في المشمش»، فلا مفاوضات بين سورية وإسرائيل، والأولى تشترط بدءها من حيث انتهت وانسحاباً اسرائيلياً كاملاً من هضبة الجولان المحتلة وحتى ماء بحيرة طبريا، ونتانياهو يقول إنه يريد مفاوضات من دون شروط مسبقة، وهذا شرط في ذاته. والرئيس بشار الأسد قال لي في دمشق إنه في كل مرة تتعثر المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل يبدأ الحديث عن المسار السوري، وكأنهم يعتقدون بأن المفاوض السوري بسيط وسيصدقهم. أتمنى أن ينجح الرئيس أوباما، غير أن طريق حياتي معبّد بأمنيات لم تتحقق. [email protected]