لا يُستبعد، بل الأرجح، أن العملية العسكرية الواسعة التي بدأها الجيش التركي أول من أمس في جنوب شرقي البلاد لتوجيه "الضربة النهائية" لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، تتم بناء على معلومات لوجستية مصدرها شمدين صاقيق الذي كان حتى وقت قريب جداً القائد العسكري المسؤول عن هؤلاء المقاتلين الذي كانوا مستعدين للموت في أي لحظة ومن دون أدنى نقاش بمجرد إشارة منه. ف "زكي برماغسز عديم الأصبع"، وهو الأسم الحركي لصاقيق، كان القائد العسكري الأشهر والأجرأ في حزب العمال والرجل الذي دوخ القوات التركية على مدى سنوات. ولعله كان الوحيد الذي يتمتع ب "التقديس" بين مقاتلي الحزب وأعضائه، طبعاً بعد الزعيم الأوحد عبدالله أوجلان. بعبارة أخرى كان صاقيق نموذجاً مثالياً ل "البطل الثوري" الذي طالما حض أوجلان مقاتليه وأعضاء حزبه على أن يصبحوه. والسؤال الذي يقفز الى الذهن هو كيف وصلت الحال بمثل هذا "البطل" لكي ينشق على زعيمه وحزبه ويلجأ الى مسعود بارزان، العدو الألدّ لأوجلان، ثم يقدم لاحقاً بعدما "خُطف" ونقل الى تركيا اعترافات في 400 صفحة كشف فيها كل ما يعرفه عن النشاطات االعسكرية والتنظيمية للحزب واتصالاته وعلاقاته داخل البلاد ومع حركات كردية اخرى وعلى صعيد المنطقة واوروبا، بما في ذلك القيام بعمليات اغتيال؟ صاقيق نفسه أوحى، في تبرير دوافعه، بجواب واحد هو أنه "طفش" في النهاية من زعيمه الدموي النرجسي الذي عامل، ولا يزال يعامل، قادته العسكريين والحزبيين وكل الأكراد باحتقار ويصر على قيادة "الثورة" ب "الريموت كونترول" على حد تعبير صاقيق. يُقال هذا مع الإشارة الى أن صاقيق نفسه ليس من جنس الملائكة، وكان يُضرب المثل بدمويته في التعامل مع "عملاء الدولة التركية الفاشية"، أي كل كردي من سكان القرى رفض الانضمام الى المقاتلين أو تقديم طفل "فداء" ليتولى الحزب تربيته واعداده مقاتلاً مغسول الدماغ يعتبر الموت في سبيل "القائد" منتهى المنال. حقاً، كيف أمكن صاقيق توجيه هذه الاتهامات الفظيعة لأوجلان؟ كيف تجرأ، مثلاً، على اعتبار أوجلان دموياً؟ الجواب كان قدمه أوجلان نفسه حين حضّ أنصاره بمناسبة احتفال برأس السنة الكردية بقوله: "على شعبنا السير والتقدم. ثلاثون مليوناً نفوس الأكراد، يستشهد النصف، لأنه كلما سكبنا الدماء كلما تقربنا من أهدافنا، كلما تخلصنا من شوائب الماضي. فإذا لم نستطع غسل تراكمات آلاف السنين بالدم. لن نستطع استرداد شرفنا والحفاظ عليه ... يجب ألاّ نخاف من الدم، بل من عدم تقديم الدماء لأننا نسكبها على درب الخلود، ومن أجل حياة كريمة إنسانية عظيمة". وكيف تجرأ صاقيق على اتهام أوجلان بالنرجسية؟ والجواب قدمه أوجلان أيضاً في الحديث ذاته حين تكلم عن نفسه قائداً، وتساءل: "هل هناك في كردستان أحد أكثر شهرةً وبطولةً وتضحيةً"؟ وتابع: "هكذا يجب أن نفهم مسألة القيادة حين تسموني القائد وهذا شيء اعتيادي ... أريد خلق قادة ليس من أجل هذه المرحلة فقط وإنما من أجل المستقبل. كيف ولّد نضالنا القادة حتى الآن؟ ما هي خصائص القائد؟ كيف تسير حياة القائد؟ كيف يقوم بمهماته؟ من خلال التعريف بحياة القائد أجبنا عن هذه الأسئلة وأظهرنا حقيقة القائد. فأنا الآن لا أعتبر نفسي قائداً تماماً، ولكني أمتلك وأركز على خصائص القيادة وعلى إمكانات القيادة. ماذا تمثل القيادة بالنسبة الى الوطن نظرياً وعملياً؟ أوضح ذلك وأمارسه أيضاً. لماذا؟ حتى لا يلعب أحد بمسألة القيادة من الآن فصاعداً". مسكين صاقيق: تصور أنه كشف أسراراً عن شخصية أوجلان لم يكشفها "القائد" نفسه؟