استمرت السلطات الأمنية المعنية في تركيا أمس في استجواب شمدين صاقيق، القائد العسكري المنشق عن حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان الذي خطفته مجموعة من رجال الكوماندوس الاتراك في عملية إنزال دراماتيكية نفذت أول من أمس في شمال العراق. وكان صاقيق لجأ الى تلك المنطقة طالباً حماية الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني خوفاً من قتله بناء على أوامر أوجلان. وتكهنت صحف تركية أمس بأن الجيش ربما كان يدرس إمكان تنفيذ عملية مماثلة لخطف أوجلان على رغم أن وزير الداخلية استبعد مثل هذه الخطوة. وبدا ان قيادة الجيش قررت الاستفادة من زخم الأحداث، فأعلنت أن آلافاً من الجنود بدأوا أمس عمليات واسعة في مناطق متاخمة للحدود مع العراق. ونقلت شبكات التلفزيون عن مسؤولين عسكريين أن العمليات أسفرت عن قتل 50 مقاتلاً من حزب العمال وتطويق نحو 200 آخرين ولم يستبعدوا ان تنتقل العمليات عبر الحدود إذا تطلب الأمر ذلك. ونقلت الصحافة التركية أمس عن قيادة الجيش التركي تأكيدها مجدداً انها قررت خطف صاقيق بعدما رفض بارزاني طلبات متكررة لتسليمه. وسعى مسؤولون عسكريون وحكوميون أتراك أمس الى احتواء رد الفعل الغاضب لقيادة بارزاني على عملية الخطف، التي جرت عندما كان صاقيق في حماية حراس عينتهم هذه القيادة في الطريق الى "ملجأ آمن" في أربيل بدل دهوك حيث تنشط الاستخبارات التركية. وأوضح هؤلاء المسؤولون أن صاقيق يأتي في رأس قائمة "الارهابيين" المطلوبين في تركيا. وأضافوا ان صاقيق، الذي كان طوال سنوات المسؤول الميداني الأول عن ادارة العمليات العسكرية الكردية داخل الأراضي التركية، رفض تنفيذ أمرٍ من أوجلان "بالتوجه الى مقره في دمشق" بعدما علم ان زعيم حزبه حكم عليه بالموت بتهمة "التمرد والفشل". وقرر بدل ذلك الفرار الى كردستان العراق وهناك سلم نفسه الى بارزاني، العدو اللدود لأوجلان. وأفادت شبكة تلفزيون "إن. تي. في" التركية أمس ان صاقيق، الذي أكدت انه يعاني من مرض في الكبد، سينقل الى انقرة من دياربكر التي كانت المحطة الأولى له بعد خطفه. وتوقعت السلطات ان يستمر استجوابه أسابيع عدة وهي تأمل بأن يكشف صاقيق معلومات تمكن الجيش من "إنهاء" حزب العمال الذي يؤكد الأتراك ان قوته العسكرية دخلت في السنوات القليلة الماضية في انحسار متزايد. وعلى عكس قيادة الجيش، لم تجد الحكومة التركية ما تتباهى به، بل شعرت باحراج كون عملية الخطف تمت في وقت يزور فيه رئيس الوزراء مسعود يلماز أوزبكستان، بينما اعترف معظم الوزراء انهم فوجئوا بالعملية. وبدا نائب رئيس الوزراء بولند أجاويد، الذي يشارك حزبه اليسار الديموقراطي في الإئتلاف الحاكم، الوحيد الذي لم يشعر بأي احراج، إذ بادر الى الاشادة بعملية خطف صاقيق، مشيراً الى أن هناك تفاهما معروفاً بين قيادة الجيش والحكومة مفاده أن الأولى ليست مضطرة الى ابلاغ المسؤولين المدنيين بمبادرات عسكرية تتطلب السرية من نوع خطف صاقيق. القوات الخاصة أما المؤسسة العسكرية، فإن هيبتها وصلت الى الذروة وعجت الصحف التركية أمس بتقارير عن قدرات القوات الخاصة التي نفذت عملية الانزال في شمال العراق مشيرة الى ان عددها 2000 عنصر مرتبطين مباشرة برئاسة الأركان وأن هذه القوة تتوزع على ثلاث وحدات تتألف كل منها من مجموعتين تُعرفان ب "أ" و"ب". وتابعت ان وحدات "أ" تضم ضباطاً، بينما تضم وحدات "ب" جنوداً مختارين، وأن هذه القوات يمكن مقارنتها بقوات "إس. أي. إس" البريطانية و"دلتا" الأميركية و"جي. إس. جي" الألمانية. ويتمتع افراد هذه القوات بلياقة بدنية خارقة وقد دربوا على استخدام انواع مختلفة من الأسلحة. وأكدت تقارير الصحف أيضاً ان صاقيق ومرافقيه أدركوا فوراً نوعية المهاجمين فاستسلموا بأن ركعوا ورفعوا ايديهم فوق رؤوسهم. وبعد ذلك قيد المهاجمون المخطوفين وادخلوهم طائرة هليكوبتر نقلتهم فوراً الى دياربكر في جنوب شرقي تركيا. وتكهنت صحف تركية بأن تقوم وحدة من هذه القوات الخاصة بعملية مماثلة لخطف أوجلان، لكن وزير الداخلية عصمت سيزغين استبعد ذلك، خصوصا أن مثل هذه العملية يجب تنفيذها في سورية التي تؤكد أنقرة أن زعيم حزب العمال يقيم فيها منذ نهاية السبعينات، وهو ما تنفيه دمشق دائماً. نسف سد تركي الى ذلك، ذكرت مجلة "يو. إس. آند وورلد ريبورت" الأميركية أن سورية تقوم بتدريب مجموعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني لنسف سد "بيريجك" الذي يشيد حاليا على نهر الفرات في جنوب شرقي تركيا. وأوضحت المجلة الأميركية أن الاستخبارات السورية "سرقت" تصاميم السد قبل أربعة أشهر لتزويد المجموعة الكردية تفاصيل عن الأماكن التي يجب نسفها. ومعروف أن هناك نزاعاً طويلاً بين تركيا، من جهة والعراق وسورية من جهة اخرى، على تقاسم مياه الفرات الذي تعتبره انقرة ملكاً لتركيا، بينما ترى بغدادودمشق أن الدول الثلاث يجب أن تنظم تدفق مياه هذا النهر بموجب اتفاق يستند الى القانون الدولي.