لم يكن القرن الواحد والعشرون يقترب من الناس، حتى تفتحت شهية المتنبئين للنبوءات. ايضا انفتحت شهية المحللين والاكاديميين والكتاب لتناول الألف الثالثة بالحديث والتحليل والتكهنات. واختلطت الحقائق بالأوهام، كما اختلطت الارقام بالاساطير، وعلى رغم الفوضى الضاربة في الساحة الفكرية، الا ان هناك ما يشبه الاتفاق على مجموعة من الحقائق التي يرى المحللون انها ستكون جزءا من نسيج القرن المقبل. إن القرن العشرين هو القرن الذي وقعت فيه الحرب العالمية الثانية. وهي حرب وصلت اميركا في نهايتها لإطلاق الطاقة النووية المدمرة واختراع القنبلة الذرية. في البداية كانت اميركا وحدها في النادي الذري، ثم التحقت بها روسيا بعد فترة. وما لبث النادي ان جذب أعضاء جدداً، ونجحت هذه الزيادة في ان تؤدي الى لون من ألوان التوازن النووي جعل استخدام القنبلة امراً مستبعدا. اذا كان القرن العشرون هو قرن القنبلة الذرية، فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن المعلومات. وفي رأي البعض ان حرب المعلومات تشكل تحدياً امنياً عظيما وحقيقياً لاميركا. إن الفيروسات الالكترونية تستطيع تخريب انظمة بالغة الاهمية في هجوم مفاجئ . إن اجهزة كومبيوتر وزارة الدفاع الاميركية تبدو وكأنها تتعرض لقصف متواصل، وقد نبع هذا القلق من الفرص الجديدة التي صارت متاحة امام الدول المعادية او امام الارهابيين .. واستناداً الى لجنة الدفاع القومي في اميركا، فإن تهديدات حرب المعلومات للولايات المتحدة يمكن ان تشكل التحدي الاعظم في الإعداد للمناخ الامني بين الاعوام 2010 الى 2020... ويمكن لحرب المعلومات هذه ان تشتمل على تعطيل انظمة الدفاع الجوي، وحرب الصواريخ عن مسارها، وتعتيم رؤية القادة العسكريين المحليين، وإرباك القادة الكبار عن طريق التشويش على اجهزة الكومبيوتر وبرامجها، ويمكن ارسال اشارات مضللة الى كبار القادة وايصال اوامر غير صحيحة الى الوحدات الرئيسية، ويمكن ايضا ارباك الحياة المدنية من خلال مهاجمة انظمة المعلومات التي تغذي انظمة المال والمواصلات. وصحيح ان هذه الاساليب يمكن ان تلعب دورا مساعدا في النزاعات، ولكن من الصعب ان تصبح حاسمة في حد ذاتها. وفضلا عن هذا كله، ليس من السهل اليوم على اي احد ان يسيطر على تدفق المعلومات بعد انتشار الاقمار الاصطناعية، وانفتاح السماء. وحتى المعلومات ذات الصفة العسكرية، يمكن الحصول عليها من المجالات المدنية، وهي في متناول العدو والصديق معا. ما هي اهم مشكلة ستشغل القرن الحادي والعشرين؟ - ثمة اتفاق على ان الحرب والسلام هما مشكلة هذا القرن، فاذا لم يكن ثمة سلام فمن المستحيل ايجاد حلول لمشاكل القرن المقبل. لقد شهدنا خمسين حرباً منذ نهاية الحرب الباردة، وهناك اربعون حربا في الوقت الحالي. وتولد هذه الصراعات دولاً ليست نامية، ولا في طريق النمو، انما هي دول تلاشت فيها الحكومة، كما هو واقع في الصومال وفي غيرها من دول العالم. بعد مشكلة الحرب والسلام تأتي مشكلة السوق والديموقراطية. ونحن نعيش على وهم مفاده ان السوق والديموقراطية ستوفران نظاماً غاية في الاستقرار التام في القرن الحادي والعشرين.. ولكن السوق والديموقراطية لم تكونا كافيتين لتأسيس حضارة، وانما هما من القيم المتناقضة، حيث ان السوق لا تحتاج الى حدود فيما الديموقراطية تحتاج الى الحدود! بعد مشاكل الديموقراطية والسوق يأتي التساؤل عن القوى الكبرى التي ستكون بارزة في القرن الحادي والعشرين.. - هناك شبه اتفاق على ان اميركا، على رغم أفول نجمها نسبيا، هي المرشحة لتظل قوة عظمى من النواحي العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية. ويتنبأ البعض بأنها ستستمر على هذه الحال لمدة خمسين عاما قادمة. اما اوروبا فيتنبأون لها بأن تكون القوة الثانية في العالم، اذا واصلت تقدمها، وكان لديها بالاضافة الى العملة الموحدة اليورو حكومة سياسية ونظام دفاعي وحلم يمكن ان يكون بديلا للحلم الاميركي. إن العالم لا يستطيع ان يعيش من دون أحلام. فاذا كان الحلم الاميركي قد أفلس من الناحية الروحية، وحلم اوروبا لم يتشكل بعد وإن كان يسير في طريق الحلم الاميركي... فما هو الحلم المرشح للبشرية في القرن المقبل؟ إن المطلوب حلم تتوازن جوانبه المادية مع الروحية.