خلافا لعناصر القوة الأساسية (الثروة - القوة العسكرية - البعد الديمجرافي) الهامة لوضع القوى الكبرى؛ فإن العناصر المكونة لقوة كبرى يجب أن تكون ملائمة للحقبة الجديدة والخصائص التي تميزها. ومن ثم فإن المفاهيم التقليدية، مثل الأهمية الجيوسياسية للموقع الجغرافي، والتي ركز عليها المحللون في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أصبحت أقل أهمية في عصر تكنولوجيا الصواريخ البالستية، التي جعلت فضاء القوة التقليدية محدودا. ومع أن العناصر التقليدية للقوة ما زالت تحظى بالأهمية، فإن حقائق العولمة والعالم الرقمي المميز للقرن الحادي والعشرين تقدم أبعادا جديدة للقوة تسمح للدول بالتنافس على وضعية القوى الكبرى، ومن أهم هذه الأبعاد الجديدة طبيعة القوة الناعمة، وعولمة الاقتصاد، والابتكار. في عصر الاتصالات العالمية اللحظية والمبتكرة، تلعب القوة الناعمة دورا متزايدا في اهتمامات الدول الكبرى، والقوة الناعمة مفهوم تم تطويره من قبل جوزيف ناي، الأستاذ بجامعة هارفارد، والذي عرفها بأنها "القدرة على تشكيل تفضيلات الآخرين عن طريق مثال يجذب هؤلاء لفعل ما تريد"، وتنتج هذه الجاذبية عن الثقافة الشعبية والدبلوماسية العامة وقوة الأفكار القومية، وقد ساعدت القوة الناعمة الولاياتالمتحدة على تحقيق أهدافها خلال فترة الحرب الباردة. ويشير كثير من المحللين الآن إلى تسويق الصين للأصول التي تشكل قوتها الناعمة، مثل كونها مكانا جاذبا للاستثمارات، علاوة على ثقافتها المتميزة ونموذجها السياسي البديل القائم على عدم التدخل في شئون الدول الأخرى. كما استفادت القوى الصاعدة الأخرى من القوة الناعمة، وظهرت البرازيل على المسرح العالمي ليس فقط لاقتصادها النشط، وإنما أيضا لثقافتها المرحة؛ حيث ساعدت صورة البرازيل (خاصة شواطئها) على خلق عامل جذب اقتصادي، علاوة على تعزيز صورتها الدبلوماسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وقد غير الترابط بين الاقتصاد العالمي والتجارة أيضا من تركيبة المعايير التقليدية للقوة الاقتصادية وتراكم الثروة القومية؛ فحجم التجارة العالمية (محسوب بنسبة الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي) يبلغ اليوم ضعف ما كان عليه منذ قرن، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والملكية المشتركة للشركات متعددة الجنسيات والأسهم والسندات وصكوك التأمين بين القوى الكبرى تطورت بشكل غير مسبوق؛ مما خلق تدفقات عالمية من رءوس الأموال والأفراد والسلع، ولذا إذا أصيبت سوق نيويورك للأوراق المالية ب"البرد"، فإن أسواق لندن وطوكيو وشنغهاي "تعطس" والعكس بالعكس. وأدى إنشاء هياكل وأدوات مالية جديدة إلى تغيير المنافع المحتملة من تركم الثروة الوطنية باعتبارها أداة لقوة الدولة، والتي لم تعد ببساطة تكمن في قدرتها على تحويل الثروة إلى قوة عسكرية، فالصين تمتلك ما يقرب من 600 مليار دولار في سندات الخزانة الأمريكية، وتبلغ احتياطياتها من العملة الصعبة حوالي 1.9 تريليون دولار، وهو ما يعطي لها نفوذا اقتصاديا كبيرا، حتى وإن انقسم المحللون حول كيفية تفعيل الصين لهذه المزايا المحتملة من خلال وسائل مفيدة. وتتمثل السمة الثالثة للنظام العالمي الجديد في التركيز على القدرة على الابتكار والاختراع، وقدرة الدولة على المنافسة فيما يتعلق بتحقيق إنجازات عملية وتكنولوجية تؤدي لتعزيز القوة الاقتصادية للدولة وغيرها من الأشكال الأخرى للقوة. وفي هذا الإطار تبقى الولاياتالمتحدة على رأس الدول الأخرى؛ حيث سجل بها نحو 53 ألف براءة اختراع في عام 2007، مقارنة ب 28 ألف براءة اختراع في اليابان، و5 آلاف فقط في الصين. ويفتح التركيز على الابتكار المشهد العالمي أمام لاعبين جدد يفتقدون عادة للمميزات التقليدية للقوى العظمى، مثل كوريا الجنوبية التي تعتبر رائدة عالميا في مجالات تكنولوجيا الإنسان الآلي، والاستنساخ، والتكنولوجيا الحيوية، كما أنها في طريقها لأن تصبح تاسع أكبر اقتصاد في العالم.هذه العناصر السابقة ربما لا تكون العناصر المحددة لوضعية القوى الكبرى أو العظمى خلال السنوات القادمة، لكن قياس قدرة الدول على تحقيق مصالحها وصياغة الأحداث من خلالهذه الأبعاد الجديدة والبديلة للقوة ستكون عاملا حاسما في إدراك شكل النظام الدولي القادم. تحديات عالمية جديدة ولا شك أن التحول في ديناميات القوة العالمية وبروز قوى صاعدة تظهر ليس فقط في صورة عناصر جديدة للقوة، بل أيضا في صورة مجموعة من التحديات العالمية المشتركة، وستحدد قدرة القوى الكبرى الحالية والصاعدة على اجتياز هذه التحديات معا، أو بصورة فردية، طبيعة القرن الحادي والعشرين. التحدي الأول: الطاقة والموارد الطبيعية نتيجة للطلب المتزايد للقوى الصاعدة على موارد العالم من الطاقة والغذاء والماء، سيشهد القرن الحادي والعشرين عودة التنافس الجيوسياسي والاقتصادي، وبالنظر إلى النظام الدولي الجديد للطاقة، يرى مايكل كلير، المحلل المتخصص في شئون الدفاع، أن وضعية الولاياتالمتحدة كقوة عظمى تتراجع نتيجة النفوذ المتزايد للقوى البترولية مثل روسيا، بما يهدد بعودة أجواء الحرب الباردة، وينصح أمريكا بتعزيز التعاون مع الصين لتطوير بدائل جديدة للطاقة مثل الوقود الحيوي.وذكر تقرير أصدرته وكالة الطاقة الدولية حول توقعات الطاقة العالمية لعام 2007، أن نمو الطلب المتزايد على الطاقة من قبل الهند والصين سيؤدي إلى حدوث تحول في النظام العالمي للطاقة، ورأى التقرير أن القوى الكبرى ستتنافس لضمان أمن الطاقة على المدى البعيد إذا لم تجد آليات للتعاون والمشاركة فيما بينها. وقد اعتمد سوق الطاقة العالمي لفترة طويلة على الافتراض القائم على أن الولاياتالمتحدة، بوصفها شرطي العالم والمسئول عن توفير السلع العامة، سترغب في استخدام القوة لضمان تدفق الطاقة، وفي تفسيرهم ل"عسكرة موارد الطاقة"، يرى خبراء في أمن الطاقة، مثل جيمس راسيل ودانيال موران، أن أسواق الطاقة الدولية دائما ما تكون مدعومة بشكل غير مباشر بالقوات المسلحة للقوى الكبرى، خصوصا القوى البحرية الكبرى (بريطانيا في الماضي، ثم أمريكا حاليا)، بحيث تتمثل مصالحها في ضمان توسيع التجارة الدولية والحفاظ على حرية انتقال السلع عبر أعالي البحار. التحدي الثاني: التغير المناخي تضاعف حجم الانبعاثات الكونية للغازات التي تؤدي إلى حدوث الاحتباس الحراري خلال الثلاثين عاما الأخيرة؛ نتيجة للنمو الاقتصادي لعدد من القوى الصاعدة، ومنها الصين والهند، وفشل القوى الكبرى في كبح سلوكها على هذا الجانب.ومن المتوقع أن يشهد العالم أنماطا قاسية وغير مسبوقة من الطقس تؤدي في بعض الأماكن إلى الجفاف وانتشار الأمراض الاستوائية، ومن ثم يتوجب على المجتمع الدولي التوقف عن إطلاق هذه الغازات؛ لتخفيف الآثار السيئة للتغير المناخي.بالرغم من خطورة هذا التحدي، فإن وضع قيود على هذه الانبعاثات سيعني للقوى الصاعدة وضع قيود على نموها الاقتصادي على نحو قد تكون له آثاره السياسية غير المقبولة. ومن وجهة نظر القوى الصاعدة، فإن أي نظام لتغيير المناخ يتطلب تنازلات شديدة من القوى الكبرى القائمة بالفعل، والتي أتيحت لها الفرصة لجني ثمار التصنيع، وأنه لا يمكن في عصر تتعدد فيه مراكز القوى أن يتم فرض الحلول الخاصة بمشكلة التغير المناخي على الآخرين. التحدي الثالث: منع الانتشار النووي وفقا لمعاهدة حظر الانتشار النووي، تعهدت الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية بعدم السعي للحصول عليها، بينما وافقت الدول النووية على اتخاذ إجراءات من شأنها تقليص ترساناتها النووية، وقد نجحت المعاهدة على مدار ثلاثين عاما في ردع دول جديدة عن حيازة الأسلحة النووية، لكن خلال العقدين اللذين أعقبا نهاية الحرب الباردة، تعرضت هذه الصفقة لصفعة كبرى؛ حيث نشطت بعض الدول الموقعة على المعاهدة مثل كوريا الشمالية وإيران في تطوير برامج نووية بشكل يمكنها من تطوير أسلحة نووية، كما تعامل المجتمع الدولي مع دول غير موقعة مثل إسرائيل والهند وباكستان، وكان التقصير سمة القوى النووية كالولاياتالمتحدةوروسيا إذ لم تقل مخزوناتهما النووية. من جانب آخر، يرتبط نظام منع الانتشار النووي بتغير النظام الدولي، والآن تبدو الولاياتالمتحدة غير قادرة على إملاء شروطها فيما يتعلق بقواعد اللعبة النووية، وروسيا تستعيد قوتها ولا ترغب في الانصياع للمطالب الأمريكية، كما أن ديناميات القوى الإقليمية والتنافس هو الذي يقود الطموحات النووية، ناهيك عن الارتباط بين امتلاك الأسلحة النووية وبين السعي للحصول على "مقعد" دائم على مائدة "قيادة النظام العالمي"، وفي ظل قضية التغير المناخي تعيد الدول النظر في خيار الطاقة النووية على نطاق واسع، وهذا يزيد تعقيد جهود حظر الانتشار النووي. التحدي الرابع: تصاعد الإرهاب ودور الفاعلين من غير الدول أصبحت شبكات الإرهاب شديدة الفعالية حاليا، في ظل التكنولوجيا العالمية الحديثة، والدعم الذي تتلقاه هذه الشبكات من الأسواق السوداء للسلاح والمخدرات، وهو ما يسبب المتاعب للعديد من القوى الكبرى داخليا. ووفقا لرأي جوزيف ماكميلان، مسئول وزارة الدفاع الأمريكية السابق، فإن الجماعات من غير الدول هي بمثابة "أطواق مسلحة" استفادت من العولمة والثورة المعلوماتية في عملها، بدءا من جمع المعلومات ومرورا بالدعاية لرسالتها الأيديولوجية، وانتهاء بالتجنيد وتدريب أشخاص جدد. التحدي الخامس: تنافس الأيديولوجيات ثمة تساؤل يفرض نفسه عالميا هو: هل العوامل الداخلية والثقافية داخل القوى الكبرى ستنتج أيديولوجيات متعددة ومتنافسة لكل منها قواعدها وتفسيرها وآليات تنفيذها، كما كان الأمر في السابق؟. لقد توقع البعض مثل هذا الأمر، فوضع صمويل هنتينجتون، في عام 1993، نظريته عن "صراع الحضارات"، وحديثا تناول روبرت كاجان الانقسام الحاصل في العالم والصراع طويل الأمد بين الديمقراطيات الغربية و"المحور السلطوي" الممثل في روسيا والصين، ووضع عالم السياسة البلغاري "إيفان كراستيف" مفهومه عن صدام الحضارات بين دول ما بعد الحداثة ودول ما قبل الحداثة غير الليبرالية، ورأى "كراستيف" بوادر هذا الصدام في التدخل الروسي في جورجيا في عام 2008؛ حيث نظر إليه باعتباره عودة لمنهج "النفوذ" المتبع في القرن التاسع عشر، بما يثير علامات التعجب حول إعلان روسيا عودتها كقوة عظمى؛ فالتدخل العسكري الروسي في جورجيا ذكر العالم بأن قوة روسيا العسكرية من الدرجة الأولى لا الثانية كما ظن البعض بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991. وهناك خطر لا يمكن إنكاره في تنافس القوى الكبرى عبر الخطوط الأيديولوجية؛ فالاقترابات المختلفة والمتنافسة للدول الكبرى تجاه قضايا السيادة والشرعية والتدخل واستخدام القوة قد تخلق نوعا من الخلاف، وربما تؤدي إلى نتائج أسوأ. هل هو نظام عالمي جديد؟ التحدي الأخير أمام تشكيل عصر جديد من القوى الكبرى الصاعدة يكمن في تنشيط أو إعادة خلق مؤسسات "حكومة عالمية" تعكس توزيع القوة في النظام الدولي؛ فمع تنامي علاقات القوة تحتاج هياكل الحوكمة العالمية إلى أن تصبح أكثر مرونة بما يتوافق وحقائق الواقع الجديد، وإلا فإنها ستتعرض لخطر التفكك لتحل محلها مؤسسات جديدة، وقواعد تعكس الحقائق الجديدة. والتساؤل هنا: هل توجد مناطق للاتفاق مع أو الاختلاف حول رؤية القوى الكبرى وتلك القوى الصاعدة للنظام المدني الحالي المنظم للمجتمع الدولي وقواعده المشتركة؟ وهل يمكن تطوير اقترابات متعددة الأطراف كأسس للحوكمة العالمية في عصر يشهد قوى متعددة وصاعدة؟. في أعقاب الحرب العالمية الثانية ساعدت الولاياتالمتحدة على إقامة نظام للمؤسسات الدولية وغيرها من القواعد والآليات المناسبة لمواجهة التحديات العالمية آنذاك، وعكس ذلك توزيع القوة والمصالح السائد في تلك الفترة، وكانت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (باستثناء الصين) هي المنتصرة في الحرب، لكن بعد مرور 60 عاما، صعدت قوى أخرى، ولم تعد بعض هذه الدول من أقوى اللاعبين الدوليين.ولأن قواعد النظام الدولي تقر عادة من قبل القوى الكبرى في فترات انتقال القوة؛ فإن المسار يصبح أكثر غموضا، ويصعب تحديد دور المنفذ أو المطبق لهذه القواعد في ظل تعدد وجهات النظر للقوى المختلفة، وهكذا تصبح احتمالية اندلاع الصراع أعلى.ويمكن اعتبار الجمود في المؤسسات الدولية مثل الأممالمتحدة ومنظمة التجارة العالمية انعكاسا للتغيرات في ديناميات السلطة وانتشار القوة، وقد طرحت الأزمة المالية العالمية في نهاية عام 2008 تساؤلات حول قدرة المؤسسات الدولية على مواجهة تحديات الحقبة العالمية الجديدة.ولخص رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون، مواطن الضعف في المؤسسات المالية الدولية في تصريح له في أكتوبر 2008، بالقول: "هذه المؤسسات أصبحت لا تواكب العصر، وإننا بحاجة لإشراف عابر للحدود على المؤسسات المالية، وتبني معايير دولية مشتركة للمحاسبة التشريعات، وتجديد مؤسساتنا المالية لجعلها بمثابة نظم إنذار مبكر فعالة للاقتصاد العالمي". ورغم تناول العديد من المعلقين السياسيين لدور مجموعة الثماني في ظل الأزمة المالية العالمية وإمكانية ممارستها لدور حيادي في المجتمع الدولي، إلا أن الأزمة كشفت عن أن مجموعة الثماني لم تعد تعبر عن المجموعة الصحيحة لإدارة الأزمة، ومن ثم طرحت العديد من الأفكار حول تجديد هذه المجموعة، فقد اقترح روبرت زوليك رئيس البنك الدولي تشكيل "مجموعة الأربعة عشر" G-14، من خلال إدخال مشاركين دوليين جدد، واقترح البعض الآخر أن تعكس هذه المجموعة بإنصاف حقائق توزيع القوة الراهن بين الدول. هل لأمريكا دور في عصر متعدد الأقطاب؟ لقد سلطت الأزمة المالية الضوء على علامة أخرى فارقة لحقبة جديدة للعلاقات الدولية، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، وضعت خلاله الولاياتالمتحدة معايير لتشكيل ووظيفة المؤسسات الدولية، بدأت القوى الأخرى في النظام الدولي التأكيد على ما تملكه من امتيازات.وأجبر التراجع النسبي في القوة الأمريكيةواشنطن على القبول بوضع دول أخرى لقواعد جديدة للعبة. وإذا كان إعادة بناء هذه المؤسسات التعددية لابد أن يعكس حقائق القوى الصاعدة، ويخفف من حدة الخلافات بين الدول المتصارعة، فهناك بعض التخوفات من أن تصبح المؤسسات الإقليمية أو الدولية بمثابة أدوات للتنافس بين القوى المتصارعة في فترات انتقال القوة، وقد ظهر ذلك جليا في التنافس الصيني - الياباني في قمة شرق آسيا لعام 2005. ومع بدء تشكل هذا العالم الجديد، ظهرت العديد من المدارس الفكرية التي تقدم إجابة حول كيفية تعامل الولاياتالمتحدة مع الظروف العالمية المتغيرة. وركزت إحدى هذه المدارس على "التفوق" الذي تحظى به الولاياتالمتحدة على بقية دول العالم، رغم اعتراف أنصارها بالظروف المضطربة والخطيرة التي يمر بها العالم. وطبقا لهذه المدرسة فإن أمريكا ما تزال قوة عسكرية لا تنافس، أو وفق تعبير إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي عام 2002، فإن أمريكا "ليس لها منافسون أنداد". أما المدرسة الثانية تؤكد على حتمية الصدام بين القوى الكبرى، مستندة إلى أفكار "الواقعية" أو القضايا الحضارية والثقافية.وتقر المدرسة الأخيرة حقيقة بما يعرف ب عصر "ما بعد أمريكا"، لكن أنصارها اختلفوا حول كيفية التعامل مع هذا العصر؛ فقد أيد البعض ظهور عالم متعدد الأقطاب، بينما فضل البعض الآخر إعادة معالجة مفهوم العزلة من خلال حماية أفضل لدول الجوار. وطبقا لآراء "منى سيتفون" و"نينا هاتشيجين"، مؤلفتي كتاب "القرن الأمريكي القادم"، فإن الخيار الأفضل للولايات المتحدة هو التعامل مع القوى الصاعدة ليس كقوى منافسة، وإنما كشركاء محتملين في مجابهة التحديات العالمية؛ ففي عالم متعدد الأقطاب يصبح التركيز على التعاون الإستراتيجي بين الدول الكبرى مفيدا على المدى الطويل خاصة في ضوء القضايا الدولية الخطيرة التي تواجه العالم اليوم.