مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسون عاماً على حرب 1948 : فترة القتال الاولى 15 ايار الى 11 حزيران 4 من 9
نشر في الحياة يوم 18 - 05 - 1998


القيادة العامة وخطة العمليات الحربية
كلما اقترب عقرب الساعة من 15 ايار مايو 1948 كلما تراكمت الضغوط على الحكومات العربية التي عزمت على التدخل العسكري في فلسطين بعد هذا التاريخ لكي تحسم امري القيادة العامة والخطة الحربية لجيوشها الذين بقيا معلقين من دون قرار حتى الاسبوع الاخير من شهر نيسان ابريل 1948.
ويحدثنا رئيس اركان الجيش العراقي الفريق صالح صائب الجبوري في مذكراته انه حضر في 24 نيسان اجتماعاً في القصر الملكي في عمان اشترك فيه كل من الملك عبدالله والوصي على عرش العراق الامير عبدالاله ورياض الصلح تبيّن فيه ان الملك عبدالله يصر على اسناد القيادة العامة للحركات الى نفسه وان هذا الطلب لاقى معارضة من بعض الحكومات لاسباب سياسية كما ان البعض اعترض عليه لأن الملك غير مسؤول والقائد العام يجب ان يكون من العسكريين الذين يتحملون تبعات اعمالهم وعندما أُفهم الملك بذلك احتّد وقال انه لا يشرك جيشه في القتال وتضامنت القاهرة وبيروت وبغداد لأزالة الجفاء الاساسي القائم بين دمشق وعمان في هذا الصدد ولعب كل من رياض الصلح وجميل مردم بك دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر وتقرر ان يوجه الشيخ بشارة الخوري دعوة الى الملك عبدالله والامير عبدالاله وشكري القوتلي للغداء في بيروت ثم يتوجه الجميع الى دمشق، لكن المسعى فشل وتم الاتفاق اخيراً على ان تكون القيادة الفخرية الى الملك عبدالله على ان يُعيّن قائد عام عسكري يضطلع بمهام القيادة الفعلية وكان ذلك في 29 نيسان اي قبل الشروع بالعمليات باسبوعين فقط.
ولم يتم اختيار القائد العام العسكري الا في 9 ايار عندما رُشّح في بغداد في اجتماع حضره الامير عبدالاله ورياض الصلح وجميل مردم بك اللواء نورالدين محمود آمر القوة الآلية العراقية المتمركزة في شرق الاردن في طريقها الى فلسطين ليكون هذا القائد العسكري. وفي ايار وافقت اللجنة السياسية المنعقدة في دمشق على هذا الترشيح قبل بدء العمليات باربعة ايام والواقع ان تعيين نورالدين محمود لم يبدّل في حقيقة الحال وظل خلل انعدام القيادة الموحدة قائماً كما سنبين لاحقاً ولكنه جاء في حينه ليحفظ ماء الوجه ولو الى حين تجاه العدو والرأي العام العربي والاجنبي.
ولم يُطلب من العسكريين العرب وضع خطة للحركات المقبلة في فلسطين الا في 10 ايار اثناء اجتماع اللجنة السياسية للجامعة العربية في دمشق فاجتمع ممثلون عسكريون عن الجيوش العربية هم: المقدم شوكت شقير لبنان العقيد محمود الهندي سورية القائمقمام صدقي الجندي قائد اللواء الرابع في الجيش العربي الاردني العقيد عبدالحميد غالب مصر واللواء نورالدين محمود واللواء اسماعيل صفوت العراق وبعد نقاش طويل اقرّت الخطة الآتية:
1- يتحرك الجيش اللبناني على طريق الساحل باتجاه المستعمرة اليهودية نهارية وعكا احتلت الهاغانا عكا في 16-17 ايار.
2- يتحرك الجيش السوري من الاراضي اللبنانية نحو صفد والناصرة احتلت الهاغانا صفد في 10 ايار وكانت الناصرة ما زالت في ايدي العرب.
3- يتحرك الجيش العراقي عبر جسر المجامع على نهر الاردن جنوب بحيرة طبريا نحو مستعمرة كيشر اليهودية ومرتفعات قرية كوكب الهوى خلفها ثم يتقدم باتجاه بلدة العفولة اليهودية الواقعة في وسط سهل مرج ابن عامر.
4- يتحرك قسم من الجيش الاردني عبر جسر الشيخ حسين 15 كلم جنوب جسر المجامع نحو بيسان التي احتلتها الهاغانا في 12 ايار ثم العفولة اليهودية موحداً حركاته مع الجيش العراقي على ان يقوم القسم الاكبر من الجيش الاردني في الوقت نفسه بالحركة باتجاه العفولة شمالاً من جنين.
5- يتحرك الجيش المصري من سيناء على الطريق الساحلي باتجاه تل ابيب.
ويلاحظ من الخريطة المرفقة ان اختيار العفولة وهي الواقعة عند تماس الجزء الغربي الساحلي "المخصص" للدولة اليهودية بموجب قرار التقسيم بالجزء الشرقي منها الممتد من الحدود اللبنانية الى جنوب بحيرة طبريا كنقطة لقاء للجيوش السورية واللبنانية والعراقية اضافة الى القسم الاكبر من الجيش العربي الاردني بينما تترك سائر فلسطين الى الجيش المصري المتقدم على الطريق الساحلي نحو تل ابيب، ان هذا الاختيار انما كان بهدف عزل ذاك الجزء الشرقي من الدولة اليهودية المزمعة عن سائر اجزاء الدولة بينما يعزل الجيش المصري في تقدمه الجزء الجنوبي من الدولة اليهودية النقب عن الجزء الساحلي. ويبدو ان هذه الخطة بنيت على عدة افتراضات اهمها اولاً: ان القوات المصرية ستكون من حجم يمكّنها من تهديد تل ابيب وجذب قوات يهودية كبيرة نحوها لصدها حتى تتشتت القوة اليهودية الضاربة وتسهّل عملية الاستيلاء على العفولة وغيرها.
ثانياً: ان تحويل معظم القوات غير المصرية نحو العفولة لن يؤثر على وضع القدس والمنطقة الوسطى من فلسطين. ثالثاً: ان الاستيلاء على ما لا يقل عن سبعين مستعمرة يهودية في الجزء الشرقي سيكون سهلاً بعد الاستيلاء على العفولة وهي جميعاً افتراضات اقل ما يقال فيها ان كان فيها نظر.
ضخّمت الادبيات الصهيونية عن حرب 1948 خطورة هذه "الخطة" واعتبرتها او بالاحرى جعلتها المخطط Blueprint للقضاء على اسرائيل بينما لم تعدو في نظرنا كونها خطوطاً عريضة جداً خالية من ذكر الهدف الغائي وهو الاساس في الحروب ومن تحديد المراحل والقوات اللازمة لتحقيقه ومن البرنامج الزمني الواجب التقيّد به لذلك علماً بأننا نشك بأن احداً من المشاركين العسكريين في وضع الخطة ربما باستثناء نورالدين محمود وصفوت كان يمثل فعلاً سياسة بلده العسكرية او قادراً على الزامه بما اتفق عليه.
في اية حال لم تمض ايام قلائل حتى طرأ تبديل على هذه الخطة بطلب من الملك عبدالله وحصل ذلك في 14 ايار قبل الشروع بالعمليات بيوم واحد وكان اهم اوجه التبديل اثنان، اولا: انتقال القوات السورية من الاراضي اللبنانية الى جنوب بحيرة طبريا حيث تسترد بلدة سمخ العربية وتأسس رأس جسر عبر نهر الاردن. ثانياً: توجه القوات الاردنية الى نابلس ورام الله وخان الاحمر شرقي القدس من دون القيام بالتحرك من جنين الى العفولة مع بقاء واجبات سائر الجيوش على حالها.
وانتاب العديد قلق شديد نتيجة هذا التبديل حتى ان اللواء طه الهاشمي المفتش العام لجيش الانقاذ يروي ان اللواء اسماعيل صفوت قال له انه "قبّل ايدي عبدالاله ليقنع عمه الملك عبدالله ليتقدم رتله نحو العفولة وايّد صالح صائب ذلك". ويقول هذا الاخير الجبوري انه اجتمع فور سماعه خبر التبديل بالامير عبدالاله وعبدالرحمن عزام امين عام الجامعة العربية واقنعهما بضرورة التقيّد بالخطة الاولى وبوجوب اقناع الملك عبدالله بالتحرك من جنين باتجاه العفولة وان الجميع انتقلوا الى عمان ونجحوا في اقناع الملك عبدالله بذلك. وان الملك اتصل تلفونياً ليلة 15 ايار بقيادة الجيش وابلغها اوامره و"لكن القيادة الاردنية لم تنفذ". حسب قول الجبوري.
نشأت بسبب هذا التبديل اسطورة عربية اضافية حول حرب 1948 فحواها انه اي التبديل كان احد الاسباب العسكرية الاساسية للهزيمة التي تلت وان دوافعه كانت سياسية محضة بقصد الايقاع بسائر الجيوش العربية وتوريطها اما انه كان للتبديل اسباب سياسية فلا شك في ذلك اطلاقاً حيث ان الملك عبدالله كان يتحرك ضمن الاتفاق الذي عقد بين رئيس وزرائه توفيق ابي الهدى وارنست بيفن وزير الخارجية البريطانية في 8 شباط فبراير 1948 الحلقة الاولى بيد انه كان للتبديل منطقه العسكري القوي انطلاقاً من وهن الافتراضات التي بنيت عليها الخطة الاولى كما اظهرت ذلك التطورات العسكرية في جبهتي القدس والنقب في الايام القليلة التالية وكما سيرد بعد قليل.
التطورات في ساحة القتال في الاسبوع الاول من الحرب
في فجر 15 ايار 1948 تحركت الجيوش العربية نحو فلسطين بموجب الخطة المعدلة وكان من المتوقع ان تتقدم بسرعة نظراً لتزامن تحركاتها وتنسيقها المفترض ولكونها الطرف المبادر ولكن حصيلة الاسبوع الاول من القتال لم تبشّر بالخير منها لاحقاً كما يتبين من استعراض سريع للعمليات على الجبهات الثلاث الشمالية والوسطى والجنوبية.
ففي الجبهة الشمالية كانت القوات الصهيونية عشية 15 ايار تتقدم نحو الحدود اللبنانية ورأس الناقورة على الطريق الساحلي باتجاه مدينة عكا العربية ومستعمرة نهاريا كما قامت ليل 14/15 ايار باحتلال قرية المالكية الفلسطينية القريبة من الحدود اللبنانية في الجليل الشرقي وبعمليات تخريبية داخل الحدود اللبنانية بما في ذلك نسف جسر نهر الليطاني ليل 15/16 ايار وكانت المالكية تقع على طريق استراتيجية تؤدي شرقاً عبر قرية قَدَس الى سهل الحولة فنهر الاردن وجنوباً عبر قرية سَعسَع الى الناصرة التي كانت ما زالت في ايدي العرب ونتيجة هذه العمليات الصهيونية طلب لبنان ان يقتصر دوره بسبب صغر جيشه على الدفاع حتى تتغير الاوضاع وان يُنجد بقوات اضافية ودعم جوي ومع ذلك ساند الجيش اللبناني وحدات من جيش الانقاذ المؤلف من المتطوعين والتابع للجامعة العربية في استرداد المالكية من ايدي اليهود في 15 ايار وبقيت القرية في ايدي جيش الانقاذ الى ان اعاد اليهود احتلالها في 28 ايار.
وفي الجبهة الشمالية ايضاً يتقدم اللواء الاول السوري مع وحداته المساندة الحلقة الثالثة لاحتلال سَمَخ البلدة العربية جنوب بحيرة طبريا التي كانت القوات الصهيونية استولت عليها قبلاً على ان يعبر نهر الاردن بعد احتلالها لكنه يصطدم بمقاومة عنيفة فلا يتمكن من دخول سمخ الا في اليوم الرابع 18 ايار من هجومه عليها وعند تقدمه لعبور النهر يفجأ بخط دفاعي كان البريطانيون انشأووه خلال الحرب العالمية الثانية لمواجهة هجوم محتمل من قوات فيشي Vichy الفرنسية في لبنان ثم يصطدم بمقاومة شديدة من مستعمرة دغانيا "ب" الواقعة شرق النهر ومن المستعمرات المجاورة ومن هجوم مضاد من طبريا مدعوم بمدفعية الميدان فيضطر الى الارتداد من دون عبور النهر وينسحب من القطاع في 23 ايار وتقوم القائمة في دمشق على قادة الجيش فيستقيل وزير الدفاع احمد الشراباتي ويُقال رئيس الاركان عبدالله عطفه ليحل حسني الزعيم محله كما يُقال عبدالوهاب الحكيم ليتسلم المقدم انور قيادة اللواء الاول.
وفي الجبهة الوسطى يتوقف الجيش العراقي عند جسر المجامع قبالة حصن مستعمرة غيشر طيلة اربعة ايام من دون ان يتمكن من اقتحامه ويستولي في 18 ايار على مرتفع كوكب الهوى عبر النهر وغرب غيشر لكنه يضطر الى الانسحاب منه ويُعقد اجتماع في عمان في 19 ايار للتداول في خطورة الموقف ويحضره عبدالرحمن عزام وغلوب ونورالدين محمود وضباط آخرون ويروي طه الهاشمي في مذكراته ان عزام سأل غلوب فيه عن خطته وان غلوب اجاب "القدس، ينبغي ان تنتهي قضية القدس ثم نرى" وابدى الآخرون ضرورة تقدم القوات الاردنية نحو العفولة لدعم القوات العراقية عند جسر المجامع فأصر غلوب على انه قبل القدس لا يجب البحث في هدف آخر واقترح الاردن انتقال القوات العراقية من جسر المجامع الى منطقة المثلث جنين - نابلس طولكرم العربية المحصنة في وسط فلسطين فاتُفق على ذلك. ودخلت طلائع الجيش العراقي نابلس في 22 - 23 ايار، ويعلّق الجبوري على مؤتمر عمان بقوله "بغية تأمين اشتراك الجيش الاردني في الحركات المقبلة وتوحيد الآراء وعدم ابقاء حجة بيد غلوب اقترح بعض السياسيين ترك امر وضع الخطة الجديدة الى القائد العام نورالدين وغلوب".
وفي الجبهة الوسطى ايضاً ينتشر الجيش الاردني في منطقة رام الله شمال القدس وفي منطقة اللطرون الى الغرب منها المشرفة على باب الواد المدخل الستراتيجي لطريق الساحل الرئيسية من يافا وتل ابيب الى جبال القدس فالقدس نفسها ويتردد الجيش الاردني في نجدة القدس طوال اربعة ايام 15 ايار الى 18 ايار رغم استغاثاتها المتتالية ووشوك سقوطها بكاملها في ايدي القوات الصهيونية. ويفيدنا غلوب في مذكراته بأن سبب تردده كان امله في ان تجدي المساعي الدولية التي كانت جارية في الوصول الى اتفاق هدنة في القدس بينما يفيدنا هزاع لمجالي سكرتير الملك عبدالله حينئذ في مذكراته بأن توفيق ابي الهدى رئيس الوزارة الاردنية كان يخشى ان يتعارض دخول الجيش الاردني القدس مع اتفاقه مع وزير الخارجية البريطانية المستر بيغن بيد ان الذي يحسم الامر هو الملك عبدالله نفسه بحسب رواية المجالي ذلك ان الملك يصدر امره الشخصي الى غلوب بوجوب انقاذ القدس فيدخلها الجيش الاردني في 18/19 ايار. وبالفعل ينقذ القدس الشرقية بما في ذلك المدينة القديمة حيث الحرم الشريف وكنيسة القيامة في آخر لحظة ولكنه يفشل في اقتحام القدس الغربية ويكون انقاذه للقدس الشرقية اهم انجاز للجيوش العربية في الاسبوع الاول من العمليات.
وفي الجبهة الجنوبية يتقدم الجيش المصري بسرعة على الطريق الساحلي ليصل الى غزة في 15/16 ايار ثم الى المجدل 19 ايار وتقع المجدل على بعد حوالي 20 كلم شمال غزة ومع ان منطقة تقدم الجيش المصري عربية محضة الا ان العديد من المستعمرات تنتشر في صحراء النقب بمحاذاتها ويفشل الجيش المصري باقتحام اثنتين منها: نيريم الدنجور الواقعة جنوب شرقي غزة وياد مردخاي دير سنيد الواقعة بين غزة والمجدل ويحصل الهجوم الاول الفاشل على ياد مردخاي في 20 ايار والثاني في 23 منه ويكون ذلك نذير لما هو آت. وفي هذه الاثناء تتقدم القوة المصرية الخفيفة داخل النقب من غزة لتحتل بئر السبع العربية في 19 ايار وتقوم الطائرات المصرية بأول غارة عربية على تل ابيب خلال هذا الاسبوع كما تشن غارات على العديد من مستعمرات النقب لكن الطائرات البريطانية، التي كانت ما زالت مرابطة بالقرب من حيفا، تتصدى للطائرات المصرية عند محاولة الاخيرة الاغارة على المدينة فتسقط اثنتين منها وتعطّل اثنتين فتقضي بضربة واحدة على 25 في المئة من قوة الطيران المصري المقاتلة.
التطورات الدولية
في هذه الاثناء تبدأ سلسلة تطورات دولية يكون لها بالغ الاثر في ميدان القتال في هذه المرحلة وما يليها من مراحل ففي هيئة الامم تكلف الجمعية العامة في 14 ايار الكونت فولك برنادوت السويدي بالوساطة بين العرب واليهود. وفي 17 ايار يطالب ممثل الولايات المتحدة مجلس الامن بقرار بوقف اطلاق النار خلال 36 ساعة تحت طائلة العقوبات ويصدر المجلس بالفعل في 22 منه قراراً بوقف اطلاق النار في مدة اقصاها 24 ايار تؤجل لغاية 26 منه ويصدر قراراً ثانياً بذلك في 30 منه ويكلّف برنادوت الذي كان وصل الى القاهرة في 27 ايار بتثبيت موعد وقف النار مع الطرفين ويتم ذلك ويعلن برنادوت بدء هدنة شهر تبدأ في 11 حزيران يونيو.
وتحظى الولايات المتحدة في مطالبتها العنيدة طوال هذه الفترة بوقف اطلاق النار بتأييد الاتحاد السوفياتي الكامل غير ان بريطانيا تتحفظ بالبداية تجاه ذلك لكنها تقترب اكثر فاكثر خلال الشهر من موقف الولايات المتحدة خصوصاً بعد ان بدأت في الكونغرس في 21 ايار حملة بضغط من الاوساط الصهيونية لقطع المعونة الاميركية عنها التي كانت تحصل عليها بموجب مشروع مارشال وتأكد واشنطن على مدى تأييدها لاسرائيل عندما يستقبل هاري ترومان في 25 ايار في البيت الابيض الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان المرشح لرئاسة دولة اسرائيل وتركّز الدعاية الصهيونية تركيزاً مثابراً كعادتها على وجود ضباط بريطانيين في الجيش العربي الاردني مما دفع المستر بيفن الى القول في 26 ايار في مجلس العموم بأن الجيش العربي انما "يتدخل فقط في المناطق التي منحت للدولة العربية بموجب قرار التقسيم وليس في مناطق الدولة اليهودية". ويعقب ذلك خطاب لممثل بريطانيا في مجلس الامن في 27 ايار يقول فيه ان الاوامر صدرت للضباط البريطانيين "المعارين" seconded للجيش العربي بعدم الخدمة في فلسطين وان الدفعة التالية لشرق الاردن من المعونة المالية البريطانية بمبلغ نصف مليون جنيه المتوجبة في 12 تموز يوليو سيعاد النظر فيها في ضوء موقف شرق الاردن من قرارات الامم المتحدة ويكون اخطر ما في موقف بريطانيا المتطور قول ممثلها في مجلس الامن في نفس الخطاب 27 ايار ان بريطانيا ستتقيد بالحظر embargo على الاسلحة الى منطقة الشرق الاوسط الذي نص عليه قرار الهدنة بما في ذلك التزاماتها تجاه الدول العربية المتحالفة معها مصر والعراق وشرق الاردن وانها ستجمد هذه الالتزامات تنفيذاً لقرار الحظر.
سير القتال بعد الاسبوع الاول ولغاية الهدنة الاولى
بيّنا آنفاً اين وصلت الجيوش العربية عند نهاية الاسبوع الاول من القتال 23 ايار وسنستعرض بسرعة سير القتال على الجبهات الثلاث في الفترة المتبقية من 23 ايار لغاية بدء الهدنة الاولى في 11 حزيران يونيو.
ففي الجبهة الشمالية ساد الركود خلال معظم هذه الفترة حتى 28/29 ايار الى ان تعود اسرائيل في القطاع اللبناني الى احتلال المالكية من جديد ويقوم الجيش اللبناني باستردادهما ثانية في 6 حزيران قبيل بدء الهدنة ويفسح استرداد المالكية المجال لفوزي القاوقجي الذي كان انسحب من منطقة نابلس في 16 ايار بقوات جيش الانقاذ شبه النظامية واعاد تنظيمها في سورية ولبنان للدخول عبر المالكية الى الجليل الاوسط العربي المحض ليصل الى الناصرة العربية.
هذا في القطاع اللبناني اما في القطاع السوري فيستعيد الجيش السوري نشاطه بعد التعديلات التي جرت في قيادته ويشن هجوماً مركزاً موفقاً شمال بحيرة طبريا ويعبر نهر الاردن قبالة مستعمرة مشمار هايردين التي يقتحمها في 10 حزيران قبل بدء الهدنة بيوم واحد ويقيم رأس جسر غرب النهر يحتفظ به الى نهاية الحرب على رغم محاولات اسرائيل لاسترداد المستعمرة.
وفي الجبهة الوسطى نبدأ بالقطاع العراقي ثم الاردني. انتشر الجيش العراقي بعد انتقاله من جسر المجامع بعيد مؤتمر عمان 19 ايار في منطقة شاسعة تمتد من جسر المجامع على نهر الاردن شرقاً الى جنين شمالاً فطولكرم وقلقيلية غرباً ورأس العين جنوباً وهذه الاخيرة كانت تبعد اقل من 20 كلم عن اللد. ويعلق رئيس الاركان العراقي في حينه الفريق صالح صائب الجبوري على ذلك بقوله "ان انسحاب الجيش الاردني من كافة منطقة نابلس وكذلك جيش الانقاذ ادى الى تمسك القوة العراقية المواقع والحاميات الى ان تُوزع القوات المتيسرة على منطقة واسعة وهذا الموقف حال دون بقاء قوة تستطيع القيام باعمال تعرضية في تلك الجبهة بل كانت القوات ليست كافية حتى للدفاع عن هذا القاطع الواسع الخطير". ولعل في هذا الكلام ما يكفي تعليقاً على الاسطورة العربية بأن جيش العراق بوصوله الى طولكرم انما كان قاب قوسين او ادنى من التقدم نحو البحر المتوسط وشطر الدولة اليهودية الى شطرين ما بين حيفا وتل ابيب. وادركت القيادة العراقية فوراً ضعف موقفها تجاه اي هجوم عام تشنه القوات الصهيونية عليها فسارعت الى تعزيز قواتها في فلسطين بقوات جديدة جلبتها من كركوك والموصل في شمال العراق على رغم احتياجها اليها هناك بسبب نشاط بارزاني المتزايد فيه ووصلت هذه التعزيزات الى نابلس وجنين ما بين 1 - 3 حزيران وكأنها على موعد مع هجوم عنيف شامل كانت القوات الصهيونية قد بدأته في 28 ايار انطلاقاً من العفولة اياها واحتلت خلاله قرى عربية صامدة الى ذلك الحين ومنها زرعي، والمقيبلة، وجلما وعرّانا والمزار وعربونا وجميعها تقع شمال جنين كما تمكنت من الدخول الى جنين نفسها واحتلال الهضاب المشرفة عليها بيد ان القوات العراقية بفضل التعزيزات التي وردتها لتوها تمكنت من هجوم مضاد رائع من طرد القوات المهاجمة من جنين وهضابها وتكبيدها خسائر فادحة منقذة بذلك المثلث الكبير جنين - نابلس - طولكرم من كارثة اكيدة ومحافظة عليه حتى نهاية الحرب.
اما في القطاع الاردني فالذي يراجع يوميات الحرب لبن غوريون يتبين له ان هاجسه الاكبر في هذه الفترة كان فتح الطريق الساحلي الى القدس واحتلال المدينة وضواحيها بكاملها خصوصاً بعد سقوط الحي اليهودي في المدينة القديمة في 28 ايار ويصرّ بن غوريون بعناد ما بعده عناد على اعطاء قطاع القدس الاولوية ويجلب اليه التعزيزات من سائر القطاعات ويأمر باقتحام مواقع الجيش الاردني عند اللطرون بأي ثمن وهي المشرفة على باب الواد مدخل الطريق الساحلية الى جبال القدس فيشن اول هجوم كاسح على اللطرون ليلة 24/25 ايار ويعيد بن غوريون الكرة ليلة 30/31 بعد ان يعين الكولونيل اليهودي الاميركي دافيد ماركوس قائداً عاماً لقواته في القطاع.
ويفشل الهجوم الثاني كما فشل الاول ويأمر بن غوريون بهجوم ثالث قبيل الهدنة في 8 حزيران ويكون نصيبه مثيل سلفيه. وذلك بفضل بسالة الجندي الاردني بقيادة حابس المجالي قائد الكتيبة الرابعة. بيد انه يحصل تطوّر سلبي في الوقت نفسه ذلك ان القوات الصهيونية تتمكن قبل بدء الهدنة من شق طريق التفافية جنوب اللطرون تستطيع بواسطتها لاحقاً بايصال الامدادات عبرها الى الاحياء اليهودية المحاصرة في القدس متلافية بذلك الصدام المستمر مع موقع اللطرون الحصين الذي يظل في الايدي العربية الى نهاية الحرب.
تركنا القوات المصرية النظامية في الجبهة الجنوبية عند نهاية الاسبوع الاول من القتال بعد ان وصلت في 21 ايار الى مدينة المجدل العربية على بعد حوالي 22 كلم شمال غزة على الطريق الساحلي الرئيسي من الحدود المصرية كما تركنا القوات الخفيفة في بئر السبع التي وصلتها بتاريخ 19 ايار وتتقدم هذه الاخيرة وتصل بيت لحم في 24 ايار حيث ينضم اليها المجاهدون الفلسطينيون في الخطوط الامامية جنوب القدس ويقول التقرير المصري السرّي عن هذا التقدم انه "حقق غرضاً سياسياً ولكنه مد خطوط هذه القوة لدرجة لا تتفق مع حجمها او القوات التي تحمي مواصلاتها". ولاقت القوات المصرية الصعوبات التي لاقتها سائر الجيوش بالنسبة لقوة المستعمرات الدفاعية كما تبين من فشلها في احتلال مستعمرتي نيريم/ الدنجور 15 ايار وياد مردخاي/ دير سنيد اولا وثانياً في 20 و23 ايار وتصمم القوات المصرية على احتلال ياد مردخاي لخطورة موقعها ويتدخل قائد القوات بنفسه ليشرف على هجوم ليلي ثالث يفضي الى سقوطها في 24 ايار.
ويميز امتداد المستعمرات اليهودية بمحاذاة خطوط المواصلات الجبهة الجنوبية عن سائر الجبهات ويصف التقرير المصري السري الوضع هكذا "بقيت المستعمرات القريبة من طريق غزة في ايدي العدو الذي اتخذها قاعدة لجميع هجماته المضادة ضد قواتنا وبذلك كان الوضع الستراتيجي غير مناسب لأن مواجهته اصبحت موازية لخط المواصلات"، اي بدل ان يكون توجه القوات المصرية نحو الشمال هجومياً اصبح نحو الشرق دفاعياً.
ومع ذلك طلبت القيادة العامة من القوات المصرية استمرار التقدم نحو الشمال للتخفيف عن الجيش الاردني في اللطرون. وبالفعل تقدمت هذه القوات حتى وصلت في 29 ايار بلدة اسدود العربية والواقعة ضمن الدولة العربية بموجب مشروع التقسيم على بعد حوالى 17 كلم شمال المجدل ويشكل هذا التقدم الحذر والمحدود الاساسي للاسطورتين العربية والصهيونية علماً بأن دوافعهما كانت متباينة عن خطورته على تل ابيب وازدياد احتمال سقوطها.
كانت القوة المصرية المتقدمة مؤلفة من كتيبتين battalion مشاة هما الكتيبة التاسعة والكتيبة الثانية تسندهما مدافع خفيفة ضد الطائرات والدبابات وبطاريتا مدافع ميدان و4 دبابات خفيفة اي ما مجموعه حوالى الفي جندي وانقسمت هذه القوة الى جزئين فتجمعت الكتيبة التاسعة في اسدود نفسها بينما اتخذت الكتيبة الثانية مواقع دفاعية شمال اسدود بحوالى 2 كلم وكانت المسافة بين اسدود وتل ابيب على اقرب الطرق الصالحة حوالى 38 كلم انتشرت على جوانبها المستعمرات الحصينة منها من الجنوب الى الشمال غان يفته، وكفار بيتسارون، وغيديرا، وغان شيلونيك، وكفار بيلو، وعقرون، وكفار مارموريك، وبير يعقوف، وطيرة شالوم، وبيت حنان ونحالات يهودا، وبيت يام، وحولون وكان دون تل ابيب ايضاً المدن الريفية اليهودية روحوبوت وريشون لزيون وقرى فلسطينية عديدة احتلتها القوات الصهيونية قبل 15 ايار اهمها على مداخل تل ابيب بيت دجن ويازور وابو كبير ناهيك وهنا المفارقة الكبرى عن مدينة يافا الخالية خط الدفاع الامثل عن تل ابيب.
وتشن القوات الصهيونية في 30 ايار هجوماً عنيفاً "لابادة" القوات المصرية في اسدود كما يروي تاريخ الهاغانا الرسمي وتغير على اسدود اولى طائرات المسرشميت التي تكون قد وصلت العدو. ويفشل الهجوم على اسدود فيعيد العدو الكرة في 1 حزيران ويفشل هجومه الثاني ايضاً وتُسقط له طائرة مسرشميت وتحتل القوات المصرية في 7 حزيران مستعمرة نيتسانيم المسيطرة على الطريق بين المجدل واسدود فيقوم العدو في 8 حزيران بهجوم مضاد لاستردادها فيفشل الهجوم. ويعيد الكرة في اليوم التالي ويفشل ثانية ويحتل العدو تل الفناطيس قبالة المستعمرة لتهديد الطريق الى اسدود وتطرده القوات المصرية منها عشية بدء الهدنة في 11 حزيران ويثبت الجندي المصري قدرته القتالية دفاعاً وهجوماً.
وفي هذه الاثناء تتخذ القوات المصرية في 2/3 حزيران خطوة سيكون لها ابعد الاثر وهي التقدم شرقاً من المجدل عبر عراق سويدان والفالوجا الى بيت جبرين والخليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.