وزير الخارجية البريطاني روبن كوك، اعلن في الأسبوع الماضي انه سيقدم استقالته الى رئيس الوزراء توني بلير اذا ما ثبت "تورط اي وزير دولة من مساعديه في عملية بيع الاسلحة الى سيراليون"، في مسعى لاعادة حكومة الرئيس احمد تيجان كباح المنتخبة الى الحكم. على الفور سارع بلير يكيل المديح على كوك والاعلان عن ثقته الكبيرة بالديبلوماسية البريطانية وسياسة حكومته الخارجية. مصطفى كركوتي يرى في هذا التقرير ان تدخل بلير قد ينقذ كوك ولكنه قد يخفق في الدفاع عن دعوته الى سياسة خارجية قائمة على الاخلاق: منذ تعيين روبن كوك لوزارة الخارجية بعد فوز حزب "العمال الجديد" في انتخابات أيار مايو الماضي، اعلن عن ان الحكومة الجديدة ستتبنى سياسة خارجية قائمة على الاخلاق. وفسر كوك هذه السياسة في اكثر من مناسبة بأنها ستأخذ في الاعتبار اوضاع حقوق الانسان والممارسة الديموقراطية في البلدان التي ستتعاقد معها بريطانيا باتفاقيات تجارية او عسكرية. ولكن ليس هناك حتى الآن ما يؤكد على التزام بريطانيا بهذه المفاهيم في تعاملها مع العالم الخارجي، وخاصة مع بلدان العالم الثالث من مستعمراتها السابقة. وقد استغلت المعارضة البريطانية الضعيفة الكشف عن "خرق" بعض المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية وربما بعض الوزراء لقرار دولي، باعطاء الضوء الاخضر لشركة سانلاين البريطانية لبيع اسلحة وتأجير مرتزقة لاطاحة الحكم العسكري في سيراليون في شهر شباط فبراير الماضي، وشنت حملة قوية على الوزير كوك. وواضح في حملة المعارضة الرغبة في الانتقام من حزب العمال الذي قاد حملة ضد حكومة المحافظين السابقة لتورطها في فضيحة بيع الاسلحة للعراق رغم الحظر الدولي المفروض عليه. وقد اساءت تلك الحملة والفضيحة الى حكومة المحافظين وأضعفتاها كثيراً. الا ان الوضع الآن مختلف والازمة الناجمة عن تزويد سيراليون بالسلاح اخف وطأة، خاصة ان الجهة المستفيدة من مساعدة بريطانيا هي حكومة الرئيس كباح المنتخبة ديموقراطياً والتي اطاحها انقلاب عسكري في العام الماضي. وعلى رغم نفي الحكومة البريطانية وجود تورط مباشر لأي من وزرائها، فانها لعبت دوراً سوف يتم الكشف عنه لاحقاً بعد انتهاء عملية التحقيق الجارية في هذا الخصوص. فقد اكدت وزارة الدفاع في مطلع الاسبوع الماضي ان عددا من موظفي شركة سانلاين قد تدربوا على عمليات الانزال والاجلاء على ظهر الفرقاطة البريطانية "كورنويل" في شباط، وبعد نجاح عملية التخلص من الحكومة العسكرية في فريتاون، عاصمة سيراليون. ولا شك في ان بلير وجد ان افضل سبيل للدفاع عن وزير خارجيته وسياسة حكومته الخارجية هو بشن هجوم مضاد على حملة المعارضة. فقد امتدح "الجهود الخارقة" التي يقوم بها المفوض السامي البريطاني في فريتاون بيتر بنفولد وقال ان المسؤولين البريطانيين "كانوا على حق عندما قدموا المساعدة لاعادة السلطة الى الحكومة الشرعية المنتخبة في سيراليون". وأوضح بلير قائلاً: "دعونا لا ننسى ان ما يحدث ما هو الا مجرد قيام بريطانياوالأممالمتحدة بمساعدة الحكومة الشرعية باستعادة السلطة من أيدي الانقلابيين العسكريين". الا ان المحافظين البريطانيين الذين يطالبون بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في القضية، مثلما حصل لفضيحة بيع الاسلحة الى العراق، اتهموا بلير بأنه من خلال هذا الموقف يدوس البعد الاخلاقي في السياسة الخارجية التي صاغها روبن كوك. ويعتمد المحافظون في موقفهم هذا على بيانات شركة "سانلاين" التي تدعي ان تنفيذها لعملية بيع الاسلحة الى سيراليون تمت "بمبادرة وموافقة" بيتر بنفولد. وفي تصريحات ادلى بها وزير اعلام سيراليون جوليوس سبنسر، اكد ان الرئيس كباح تعاقد من مكان اقامته في منفاه في غينيا في العام الماضي مع سانلاين لتزويد قواته اسلحة بقيمة ستة ملايين جنيه استرليني. كما أشار الى ان المفوض السامي البريطاني في فريتاون كان على اتصال مستمر مع كباح، ولكنه نفى ان تكون الحكومة البريطانية "متورطة في هذه الصفقة". الشيء الثابت ان الحكومة البريطانية لعبت دوراً مؤثراً في التطورات الاخيرة في سيراليون، حتى لو كان هذا الدور غير مباشر. فقد تبين في الأيام القليلة الماضية انها خفضت من برنامج المساعدات البريطاني المخصص لسيراليون منذ منتصف العام الماضي وحتى شهر آذار مارس الماضي. وقد ذكرت الجمعية الخيرية المنظمة للمساعدات "اكشون ايد" ACTION AID ان هذا التخفيض "كان جزءاً من استراتيجية سياسية للتخلص من الحكومة العسكرية" في سيراليون. توني بلير رفض دعوات المعارضة الى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق، معتبراً ان تدخل حكومته في شأن سيراليون مثل تدخل الأممالمتحدة الهادف الى حماية البعد الاخلاقي في السياسة الخارجية. وقد ينجح بلير في اقفال هذا الملف وإفشال حملة المعارضة لزعزعة حكومته، الا ان المؤكد ان كوك يفقد بالتدريج استقلاليته ويزيد اعتماده على رئيس الحكومة لانقاذه من تبعات الورطات السياسية والشخصية التي يقع بها تباعاً منذ أيار الماضي.